80 عاماً من الدم والغدر (11) شكري مصطفى... هوس التكفير

نشر في 13-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 13-07-2015 | 00:01
فشلت محاولة صالح سرية في الانقلاب على النظام المصري، ولم يجن من عنفه وإرهابه إلا الموت، لكنه رغم الرحيل ترك فكرته تسعى على الأرض، ففكرة استخدام القوة المسلحة في مواجهة النظام المصري باقية من بعده، فهو استن سنة جرى خلفها سلسال الدم، فلا الجماعات الإرهابية اتعظت من فشلها، ولا كفت عن محاولات ميزها البغض الشديد لكل أشكال الحياة.

تابع شاب إخواني يدعى شكري مصطفى تجربة صالح سرية في التحول من الدعوة باللسان إلى العنف المسلح ضد الدولة، اعتقد مصطفى خطأ أنه قادر على تفادي نفس المصير، والنجاح في الوصول إلى السلطة، تغذى على كتابات سيد قطب، وآمن بمفاهيم الحاكمية وجاهلية المجتمع وعمل على تطويرها، فتفتق ذهنه عن التصريح بالتكفير والدعوة إلى الهجرة من المجتمعات الإسلامية المعاصرة بدعوة تكفيرها، داعيا إلى حمل السلاح في مواجهة الأنظمة العربية، فكان علامة بارزة في سجل إرهاب السبعينيات.

لا يختلف شكري عن الإرهابي المعاصر عادل حبارة، الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام في جرائم قتل رجال شرطة وجيش، فكلاهما يؤمن بالقتل ونشر الخراب واقتلاع الحياة من النفوس، وكلاهما خريج مدرسة العنف المسلح التي تربت داخل جماعة {الإخوان المسلمين} والجماعات الخارجة من تحت عباءتها، وكلاهما يفتخر بجرائمه الإرهابية، وكأن في إزهاق النفوس البريئة ما يثير الفخر!

ولد شكري أحمد مصطفى، سنة 1942، في قرية أبوخرص بمحافظة أسيوط، وارتبط بجماعة {الإخوان المسلمين} منذ فترة مبكرة، وافتتن بفكر الجماعة عندما كان طالبا في كلية الزراعة، وارتبط بسيد قطب، فكان طبيعيا أن يُلقى القبض عليه ضمن حملات القبض على المتهمين في تنظيم 1965، ومكث في السجن 6 سنوات خرج بعدها أكثر تشددا وكراهية للمجتمع، بعدما تشبع بأفكار قطب حول جاهلية المجتمع.

داخل السجن، بدأ الشاب شكري، وهو في 23 من عمره، وهو يتعرض لصنوف التعذيب في استكشاف الإخوان على حقيقتهم، كانت الجماعة تعاني محنة قاسية، فالقيادات تعرضت لضربة قاصمة، والتنظيم تفكك أو كاد، والخصم الأهم جمال عبدالناصر بدا في منتصف الستينيات في عز مجده وقوته، بشعبية طاغية وسجل إنجازات يصعب التشكيك فيه.

لذلك دخل الإخوان في الشك في جدوى الوسائل القديمة التي اتبعها حسن البنا باتباع النهج التدرجي وصولا إلى أستاذية العالم، فتعالت الأصوات المطالبة بنهج أكثر تشددا وأكثر فاعلية في مواجهة النظام الناصري.

 جماعة المسلمين

انقسم الإخوان داخل سجون عبدالناصر حول الأفكار التي يجب اعتناقها، وسط هذا المناخ ظهر الكادر الإخواني علي عبده إسماعيل، وهو شقيق القيادي الإخواني عبدالفتاح إسماعيل الذي أعدم مع سيد قطب سنة 1966.

 بدأ علي إسماعيل في تبني أفكار قطب والعمل على تنفيذها، فدعا داخل السجون إلى تأسيس جماعة مسلمة تكون نواة المجتمع المسلم، الذي سيقوم على أنقاض مجتمع الكفر والجاهلية، وسمى الجماعة الجديدة {جماعة المسلمين}، داعيا إلى اعتزال المجتمعات المعاصرة باعتبارها مجتمعات كافرة تغرق في الجاهلية، مستعيدا فكرة الهجرة لتأسيس المجتمع المسلم الجديد.

حول علي إسماعيل تجمع مجموعة من الشباب الإخواني، الذين رأوا في أفكاره صراحة أكبر وجرأة في عرض ما يتجنب معظم قيادات الإخوان التصريح به، كان من ضمن هؤلاء الشباب شكري مصطفى، الذي سارع في الانضمام إلى جماعة المسلمين، التي تؤمن بأن رئيس الدولة كافر هو ونظامه، وكذا من يؤيده من عموم الشعب، ولا ينفعهم صوم ولا صلاة.

لكن علي إسماعيل أعاد النظر في أفكاره المتطرفة، وبلورها في نظرية {التوقف والتبيين}، بمعنى أن من يدعي أنه مسلم فلا تحكم عليه الجماعة بالإسلام أو الكفر إلا بعد أن تتوقف فيه حتى تتبين إسلامه من كفره، رأى إسماعيل أن هذا الفكر {ضلالة كبرى وفتنة عظمى}، لذلك خرج في أحد أيام سنة 1969، وجمع أنصاره داخل السجن وصلى بهم، وما كاد يفرغ من الصلاة حتى قام وخلع جلبابه قائلا: {لقد تبين لي أن الفكر الذي كنت عليه هو فكر الخوارج، وهو فكر يفرق الأمة ويقضي على الجماعة، لذلك أنا أخلع هذا الفكر، إنني أخلع فكرة التكفير كما أخلع جلبابي هذا}، معلنا براءته من فكر {جماعة المسلمين».

كان الأمر مفاجئا للجميع، خاصة تلاميذ إسماعيل، الذين رفضوا نكوصه على عقبيه، وتمسك بعضهم بأفكار {جماعة المسلمين}، ورفضوا التراجع عنها، بل اتهموا إسماعيل إمامهم السابق بالجبن والتخاذل، وكان على رأس هذا الفريق عبدالله السماوي وشكري مصطفى الذي تقدم الصفوف وتولى قيادة {جماعة المسلمين}، ليركز على أفكار شيخه السابق في ما يتعلق بتكفير المجتمع وضرورة الهجرة منه، ليكرس بذلك للاسم الأكثر شهرة الذي سيرتبط بالتنظيم خلال عقد السبعينيات، {التكفير والهجرة».

الانشقاق عن الإخوان

داخل السجن تشكلت عقيدة شكري التفكيرية التي كان يعبر عنها بكل صراحة داخل الأوساط الإخوانية، وهو ما يؤكده الكاتب الإسلامي أحمد رائف في كتابه {سراديب الشيطان}، وهو الكتاب المخصص لذكريات رائف في المعتقل فترة الستينيات، يقول: {كانت ترتب الاجتماعات في المسجد المهجور، القائم بجوار المستشفى في معتقل طرة السياسي في عز الظهيرة، حيث لا يتجول إنسان، وكان (حسن) الهضيبي (مرشد الإخوان وقتذاك) على مرضه وسنه ينتقل إلى هناك ليجلس إلى الأستاذ محمد قطب (شقيق سيد قطب) وتلاميذه، يحاورهم ويناقشهم ويحاول أن يردهم إلى ساحة الجماعة، ويحذرهم من الفرقة والتباغض... وكان شكري مصطفى يرى القتال الضروس والإرهاب، وقتل كل من اشترك في تعذيب المعتقلين ليكونوا عبرة لغيرهم، ويجب تعليم الشباب معنى الشهادة والتضحية، وأنه لو قتل ضابط واحد فلن يفكر آخر في تعذيب معتقل واحد بعد ذلك.

وكان يرى أن الحرب لن تنتهي، وأن عليهم أن يزيدوا في أوارها وحدتها، وأنه لا ينبغي أن يتم اعتقالهم على النحو الذي كان ويكون، ويقول إنه من العار على المسلمين أن يُمسك بهم كالدجاج دون مقاومة، [ويقول أيضًا] إن كنا نؤمن حقا بأن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا فلماذا لا نستشهد عندما يفكرون في القبض علينا، وأن يقتل كل واحد من الإخوان واحدا من الشياطين قبل أن يمسك به، ولماذا لا نبدأهم بالحرب؟ ومن السهل اصطيادهم في كل مكان، وكان يقول إننا نستطيع تصفية هذه الحرب لصالحنا بقتل بضع مئات من الضباط قبل أن ينتبهوا.

ويسأله عاقل: وما نتيجة ذلك في نظرك؟

ويحدق فيه شكري بعينيه الواسعتين السوداوين: سوف نخلق جيلا جديدا من الضباط المؤمنين سيخافون من القتل، وينتبهون لكلمة الإسلام، ولن ينفذ واحد منهم الأوامر، نحن نسلب الظالم سيفه الذي يضرب به الناس.

ويهز الشيوخ [أي قادة الإخوان] رؤوسهم أسفا، ويسألهم شكري محتدا: لماذا كل هذا العناء الذي عانيتموه في حياتكم الطويلة العريضة؟ أنتم لم تصبروا على المحنة.

- نحن نعيش المحنة بأولادنا وأهلينا وأنفسنا.

- المحنة التي تهربون منها هي الموت في سبيل الله، أن يتوالى سيل الشهداء، لا ينبغي أن يخلو شهر واحد من شهيد يقاوم الكفر، لست في سنكم أو تجربتكم، لكني أفهم معنى الموت في سبيل الله، وأطلبه وأدعو إليه، وتستطيعون أن تقودوا هذا الشعب المسكين لتحقيق الغاية التي يريدها الله منه، لكنكم حريصون على الحياة، أية حياة، شغلتكم أموالكم وأهلوكم ولن يغفر الله لكم.

ويقول حكيم: أنت تدعو إلى فتنة تأكل الأخضر واليابس.

ويرد شكري في حماسة: قد هلك الفرعون [يقصد عبدالناصر]، وكل من تركهم كلاب، والتغلب عليهم سهل ويسير، كل ما هو مطلوب منكم أن تشعروهم بالخوف... يجب أن يكون هلاك الطاغية نقطة انطلاق لحرب دينية مقدسة يعلن فيها الجهاد ولن يصمد أمامنا أحد.

ويهز الشيوخ رؤوسهم أسفا غير موافقين، بينما يستمر شكري في حديثه غاضبا: أنتم تحبون الحياة، وسوف تموتون كالكلاب واحدا بعد الآخر، نعم ستموتون مصحوبين بلعنة المسلمين وخيبة أمل الناس فيكم، أما ذلك القتل الذي تتحدثون عنه وأنهم سوف يقتلوننا عن آخرنا فلعلكم كنتم تكذبون على أنفسكم وعلى الناس عندما كنتم تقولون الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وهو كما هو واضح غاية ما تخشونه وتخافون منه.

لو قتلونا فسوف يأتي من بعدنا من يكمل، وسيكون دمنا هو وقود النصر، لن نحقق الأهداف بغير القتل والقتال والموت في سبيل الله، لو قتلنا عزلا فسيأتي من يحصل على الأسلحة، ولن يقوى العالم علينا.

لقد حرص الحسين –رضي الله عنه- على الموت في كربلاء، ليضرب لأمثالكم المثل ويعطيكم القدوة، أنا أعلم أن كلامي لن يصل إليكم، فالأقفال قد أغلقت قلوبكم، وأنت تحاورون وتناورون، ومن الخير لكم أن تخرجوا من المعتقل، وتذهبوا إلى الاتحاد الاشتراكي، وتقدموا فروض الطاعة والولاء للسلطان الجديد [يقصد للرئيس الجديد وقتها أنور السادات]، بحجة أنه ليس بينكم وبينه ثأر، اخدعوا أنفسكم وصدقوها وانسوا الجهاد، وابحثوا عن شيء آخر تفعلونه في هذه الحياة».

ويقول رائف في موضع آخر من كتابه {سراديب الشيطان}: {في طريقي إلى العنبر وجدت شكري مصطفى جالسا، وحوله حلقة من شباب ينفث فيهم الثورة، ويملأ صدورهم بالغضب، ويعدهم لقتال ضروس مع أئمة الكفر، إن قدر لهم أن يخرجوا من هذا السجن الطويل، وكنت تراهم حوله وقد امتلثوا غيظا وغضبا، وقد احمرت وجوههم وآذانهم وألقيت [أي رائف] عليهم السلام فلم يرد أحد».

هكذا انفصل شكري مصطفى عن جماعة {الإخوان} بعدما رفض نهج التمويه والعمل السري وانتظار الفرصة المناسبة، مفضلا التعبير عن أفكار الجماعة بشكل صريح دون مواربة، فمصطفى لم يأت بأفكار من عندياته، بل مد خيط الفكر الإخواني على استقامته، مستندا إلى أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، ووجدت هذه الأفكار التكفيرية والصدامية صداها بين شباب الإخوان والجماعات الإسلاموية داخل سجن طرة، ما أكسب شكري مصطفى نجومية، وضمن لأفكاره الانتشار بين الشباب، الذين أقبلوا على الانضمام إلى {جماعة المسلمين».

كانت مجاهرة مصطفى بأفكار التكفير وسط السجناء، تسبب حساسية للإخوان، الذين كانوا يأملون إجراء مصالحة مع صديقهم القديم الرئيس أنور السادات تنهي سنوات المحنة، لذلك انفضوا من حول شكري مصطفى، وطلبوا من أعضاء الجماعة عدم مجالسته، وفي هذا يقول عضو تنظيم {التكفير والهجرة} عبدالرحمن أبوالخير، في شهاداته عن هذه الفترة: {كان الشيخ شكري منبوذا في معتقل طرة من أكثر الإخوان، لا لدمامة خلقه، فقد خلقه الله فأحسن خلقه، ولا لسوء خلق فهو لم يكن ليثور إلا إذا ثار للحق، وما عاب هذا الأسلوب حينئذ غير عصبية في الطبع حالت بينه وبين الالتقاء مع الآخرين من رجال الحركة الإسلامية، للالتقاء عند بعض النقاط}، هكذا حاول الإخوان الظهور بمظهر الوسطيين أمام أجهزة الأمن المصرية، عبر تجنب شكري مصطفى.

... يتبع

المؤسس الثالث

المفأجاة الحقيقية أن محاولات قيادات الإخوان –خاصة عمر التلمساني- اجتناب فكر شكري مصطفى لم تكلل بالنجاح، فأطروحة مصطفى لاقت تجاوبا بين شباب الإخوان، لدرجة أن القيادي الإخواني المنشق، ثروت الخرباوي، يؤكد في كتاباته أن جماعة {الإخوان} الحالية يسيطر عليها تلاميذ مصطفى، ممن يقتنعون بأفكار التكفير والهجرة، كاشفا ان قيادات الإخوان الحالية مثل المرشد الحالي، محمد بديع، ونائبه محمود عزت، بايعوا شكري مصطفى في السجن، وأن الأخير أخذ العهد عليهم، لمواصلة نشر أفكاره، وطالبهم بإخفاء نظرتهم للمجتمع باعتباره كافرا حتى يخرجوا من السجن، ويصلوا إلى مرحلة التمكين، ويستطيعوا وقتها فرض رؤيتهم على الجميع.

وكشف الخرباوي في كتابه {سر المعبد... الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين} أن بعض قيادات الجماعة أكدوا له أنهم يعتبرون شكري مصطفى المؤسس الثالث لجماعة {الإخوان}، بعد حسن البنا وسيد قطب، لم لا وهو الرجل الذي زرع أفكار التكفير بشكل صريح في عقول شباب الإخوان، فبعد نكسة 1967، ومشاعر الحزن تخيم على البلاد، استغل مصطفى هذه الفرصة للترويج لأفكاره، قال لمجموعة من شباب الإخوان داخل المجتمع: {لا يظن أحدكم أن أمة يهود هي التي هزمت جمال عبدالناصر، ولكن الله هو الذي هزمه، لأنه كفر بالله رب العالمين».

سأله أحد الشباب الذين يتحلقون حوله: عبدالناصر كافر كيف؟!

قال في حماسة: ليس عبدالناصر وحده الذي كفر، ولكن الشعب كله كفر، فعبدالناصر المستبد يحكم بغير ما أنزل الله، والشعب الخانع البليد وافقه على ذلك، ومن وافق على الكفر فقد كفر، ثم استرسل: الكبائر أيضا تورث الكفر.

وفي تلك الفترة تلبست شكري مصطفى فكرة أن الإسلام غاب عن الدنيا، وأن من اتبعه ودخل زمرته فقد أصبح مسلما حقا، وأوحى له شيطانه أنه هو الذي سيعيد الإسلام للعالم مرة أخرى، وآمن معه أصحابه بهذه الفكرة التي هي أصلا من نبت الخوارج، ولكن شكري زاد عليها، فاختلطت فكرته بشخصه، واختلط هو بفكرته فعاش على يقين أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الدنيا إسلاما، وبمقدار إيمانه بفكرته كان مقدار تأثيره على الشباب المتعطش للإيمان.

ويرصد الخرباوي قصة إعجاب أحد شباب الإخوان بفكر شكري مصطفى، الشاب هو خالد الزعفراني الذي انشق على الجماعة وتركها في ما بعد، يقول الخرباوي في روايته لواقعة بين الزعفراني والقيادي الإخواني الشهير مصطفى مشهور، إن الزعفراني استفسر من مشهور قائلا: {تعرفت منذ فترة إلى أخ كان معكم في محنة السجن اسمه شكري أحمد مصطفى، أريد أن أسأل عن دينه وفكره كيف هو، فقد جلس مع كثير من الإخوة وأخذ يتنقل بين المحافظات ويجتذب أنصارا لأفكاره، وأريد أن أتأكد أنه من الإخوان ويسير على منهج الإخوان.

مصطفى مشهور مستفسرا: شكري الذي تخرج في كلية الزراعة؟    

خالد الزعفراني مجيبا: نعم هو.

مصطفى مشهور: أعرف شكري طبعا، وهو شاب ممتاز ظاهره كباطنه، وهو متدين بحق، صحيح فيه بعض التشدد والغلو في الدين لكنه لم يخرج عن أفكارنا، وما زالت صلة تربطنا به.

خالد الزعفراني: أأصاحبه وآخذ منه؟

مصطفى مشهور: لا بأس، خذ منه فهو أخ من الإخوان.

خالد الزعفراني: أنا ذهبت إلى كثير من الإخوان الذين كانوا معه في السجن وكلهم امتدحوه وامتدحوا أفكاره، ولكن بضعة نفر قالوا إنه يكفّر المجتمع.

مصطفى مشهور: لا... هو لم يخرج عن ضوابط التكفير التي نعرفها، كن معه ولا تخش شيئا.

وقام الشاب خالد الزعفراني من جلسته مع الحاج مصطفى مشهور، وقد عزم عزما أكيدا على أن يتبع شكري مصطفى ويأخذ منه، فقد زالت الشكوك والشبهات التي كانت تعتمل في ضميره حينما أخذ صك الإجازة من الحاج مصطفى.

بعد أيام من لقاء الزعفراني بمشهور وفي بيت عائلته الكائن بإحدى ضواحي الإسكندرية، استضاف خالد الزعفراني شيخه الجديد شكري مصطفى ليقضي بينهم يوما أو بعض يوم، وحين رآه العم خليل الزعفراني أوجس منه خيفة، وقال لابنه إبراهيم الطالب في كلية الطب الذي أصبح أحد رموز جماعة {الإخوان} في ما بعد: هذا الشاب الذي استضافه ابن عمك خالد له سحنة لا أستريح لها، خذ حذرك يا بُني من هذا الشاب فما في قلبه من شر يبدو واضحا في وجهه، وأنا قرَّاء وجوه.

وفي المساء دار حوار فكري بين أبناء العائلة وشكري مصطفى، أصر فيه الشيخ على تكفير مرتكب الكبيرة، في حين رد عليه بعض شباب العائلة وعلى رأسهم حمزة خليل الزعفراني، الذي استُشهد في ما بعد في حرب 1973، بأن {هذا الفكر غير صحيح، فالرجل يدخل الإسلام بقوله لا إله إلا الله، ويظل على إسلامه ما دام معتقدا في الشهادة، فإذا ارتكب كبيرة فإنه لا يخرج من الإسلام لكنه يتلقى العقاب الذي توعده به الله سبحانه في الدنيا والآخرة».

وفي اليوم التالي خرج شكري مصطفى من بيت آل الزعفراني وهو لا يصطحب معه من المصدقين به إلا الشاب خالد الزعفراني، فقد كانت شهادة الحاج مصطفى مشهور بشأن شكري مصطفى كفيلة بأن يظل مرهونا معه حتى حين، وحين أذن الله خرج خالد الزعفراني من فكر شكري مصطفى ووقف ضده وأقنع عددا من الشباب باعتزال هذا الفكر الخوارجي.

بمثل هذا الفكر خرج شكري مصطفى من السجن سنة 1971، وهو ممتلئ بفكرة تكفير المجتمع، وضرورة الهجرة لتأسيس مجتمعه الجديد، ولاقت أفكاره رواجا بين الشباب، ما جعله يفكر جديا في مواجهة النظام المصري وإجباره على الانصياع لأفكاره، فكانت رغبته في الصدام غير محدودة، فكان له ما أراد.

back to top