سأم أوكرانيا من الثورات

نشر في 02-08-2015
آخر تحديث 02-08-2015 | 00:01
 وورلد أفيرز جورنال عندما يدعو ثلاثة خبراء أميركيين متخصصين في الشأن الروسي لشراكة استراتيجية أميركية-أوكرانية جوهرية، فمن الأفضل الإصغاء إليهم.

كتب أخيراً ماثيو روجانسكي، مدير معهد كينان العريق في مركز وودرو ولسون الدولي للباحثين في واشنطن، توماس إيه غراهام، مدير بارز سابق لفريق العمل الذي يُعنى بالشأن الروسي في مجلس الأمن القومي وعضو في مؤسسة Kissinger Associates، ومايكل كوفمان، باحث متخصص في السياسات العامة في معهد كينان، مقالاً افتتاحياً انتقدوا فيه «الشراكة الاستراتيجية الأميركية-الأوكرانية» لأنها «تفتقر إلى الاستراتيجية والشراكة على حد سواء».

تأملوا في ما يلي: يسلم ثلاثة خبراء جدلاً بوجود هذه الشراكة، ويلمحون بقوة إلى ضرورة وجودها، ولا يدعون إلى تأسيس مثل هذه العلاقة، بل إلى ملئها بالمحتوى الملائم.

إليكم توصياتهم:

«أولاً، على واشنطن أن تدعم القادة السياسيين البارزين في كييف وأجندتهم بحذر ويقظة، تماماً كما يدعهم الشعب الأوكراني... بدلاً من ذلك، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة العمل على المشكلتين الكبريين اللتين تزعزعان الاستقرار وتهددان مستقبل أوكرانيا: حالة الاقتصاد المأساوية والصراع مع روسيا. (ثانياً)، من الضروري أن تعمل واشنطن مع كييف بهدف وضع إطار عمل لشراكة استراتيجية ثنائية، وينبغي أن ترتكز هذه الشراكة على تعريف واضح للمصالح والقيم المشتركة والتوقعات المنطقية على الأمد القصير، المتوسط، والطويل، وبدل التعامل مع عدد محدود من الشركاء المفضلين وتوقيع بعض المشاريع مع أوكرانيا، على واشنطن أن تبحث عن مجالات تعاون تخدم مصالح البلدين، ويلزم أن تنسى الصيغ المستهلكة التي تسعى إلى إقناع الأوكرانيين باختيار المسار الموالي للغرب كوسيلة للتصدي لمشاريع التكامل التي تقودها روسيا، فيمكن لمقاربة جديدة أن تبني أسس التعاون الثنائي المستدام مع أوكرانيا ككل، متخطية فترة ما بعد الحرب مع روسيا، لأن هذه الحرب ستنتهي في مرحلة ما. (وثالثاً) يلزم أن تعرب واشنطن عن صبر استراتيجي. سيكون تقدّم أوكرانيا على الأرجح أبطأ وأكثر تقلباً مما يفضله الأميركيون، ولا شك أن شراكة استراتيجية تستند إلى قيم ومصالح محددة بوضوح ستساعد كلا الطرفين على تخطي مواضع سوء التفاهم المحتملة والتحديات الكبيرة التي تكمن أمامهما».

النقطة الأولى مصيبة، فلا يمكن لأهداف الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا أن تروج لأي قائد أو قادة محددين، بل يجب أن تقوم على الترويج للحلول الجيدة لمشاكل أوكرانيا الرئيسة، ونتيجة لذلك ينبغي أن يكسب صناع السياسات الأوكرانيون دعم واشنطن بإحداث تغييرات تبث الحياة في الاقتصاد وتنهي الحرب، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تفهم واشنطن أن الإصلاح لا يمكن أن يحدث، ولن يحدث، إن عاد المناطقيون السابقون، الذين يشكلون اليوم جبهة المعارضة، أو الشيوعيون إلى السلطة. من الضروري أن تتعامل الولايات المتحدة بحذر ويقظة مع الديمقراطيين الوطنيين، ولكن عليها أن ترفض في الحال التجمعات السياسية التي تمثل الفساد، والسرقة، وسوء استعمال السلطة، وغياب الإصلاح، والبوتينية، والسوفياتية.

تبالغ النقطة الثانية في الحذر، حسبما أعتقد، فللولايات المتحدة وأوكرانيا مصالح واضحة جداً على الأمد القصير والمتوسط: وقف الاعتداء الروسي وإنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، ولهما أيضاً مصالح واضحة طويلة الأمد: حض روسيا على تبني سلوك دولي متحضر، أما بالنسبة إلى التعاون الثنائي مع أوكرانيا الذي يتخطى «فترة ما بعد الحرب مع روسيا»، فهذا جلي، إذ تتمتع أوكرانيا بالرأسمال البشري والإمكانات الاقتصادية اللذين يتيحان لها التحول إلى قوة متوسطة يمكنها، إن نجحت عملية انتقالها إلى ديمقراطية قوية واقتصاد سوق مزدهر، أن تؤدي دوراً إيجابياً يساهم في نشر الاستقرار في السياسات الأوراسية. كذلك تستطيع أوكرانيا، سواء داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أو خارجهما، أن تكون حليفاً أميركياً مهماً، تماماً مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل.

أما النقطة الثالثة، فمصيبة أيضاً، فعلى الأوكرانيين والأميركيين الذين يظنون أن الإصلاح يتقدم ببطء أن يضبطوا نفسهم ويحدوا من توقعاتهم. أولاً، يجري الإصلاح على قدم وساق، فقد أُنجزت علمية استقرار الاقتصاد الكلي البالغة الأهمية، وهذه ليست بالمهمة السهلة بالتأكيد، وتوشك أوكرانيا على تبني اللامركزية، مع زيادة ميزانيات الهيئات الحاكمة المحلية، بالإضافة إلى ذلك، ستنزل قريباً إلى شوارع بعض المدن دوريات شرطة جديدة، وعلى القدر ذاته من الأهمية، طبقت أوكرانيا خطوات مؤلمة من دون تقويض الإجراءات الديمقراطية الأوكرانية. ينسى داعمو الإصلاح السريع أن الديمقراطية لا تتلاءم مع أي تغيير لا يحظى بتأييد شعبي كبير، ولا شك أن نجاح أوكرانيا في الترويج للإصلاح، فيما تنتقل إلى ديمقراطية ما بعد يانوكوفيتش (وتخوض حرباً مدمرة)، معجزة بحد ذاته. وعلى المروجين «للتغييرات الجذرية السريعة» أن يتذكروا أنه كلما كان الإصلاح كبيراً وسريعاً، ازداد تركيز السلطة السياسية واحتمال الوقوع في شرك الحكم المستبد.

ما هذه إلا أفكار، ويبقى الأهم إدراك أهمية الشراكة الاستراتيجية الأميركية-الأوكرانية والترويج لها وإكمالها بشراكة استراتيجية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

* ألكسندر جي موتيل

back to top