استدارة أوباما الجديدة نحو روسيا في الشأن السوري

نشر في 25-09-2015 | 00:01
آخر تحديث 25-09-2015 | 00:01
لاستدارة أوباما نحو التعاون مع روسيا في الشأن السوري تداعيات منها: فتح طريق نحو تسوية جيدة في سورية، وامتداد التعاون ليصل إلى مسائل أخرى، وأن هيمنة واشنطن التي لا منافس لها في الشرق الأوسط باتت جزءاً من الماضي، والتعاون مع موسكو يقرب الخطوات للتعاون مع إيران، ومن الضروري الاستعداد لذلك لأنه يبدو محتماً.
 فيسكال تايمز ثمة أسباب عدة لمعارضة الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الوقت غير ملائم اليوم للإصرار على أن "تغيير النظام" مهم لإنزال الهزيمة بـ"داعش" وإعادة الاستقرار إلى سورية بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية.

كتب مايكل غوردون، مراسل وزارة الخارجية الأميركية في صحيفة نيويورك تايمز، من لندن: "صحيح أن إدارة أوباما أعلنت منذ زمن أن على الأسد الرحيل بغية التوصل إلى حل دائم للأزمة السورية، إلا أن كاري قبل باحتمال أن يبقى الأسد في السلطة لفترة وجيزة".

لا شك أن هذا بعيد كل البعد عن الذكاء، وهو مرّ نظراً إلى الأرواح، والمال، والسنوات التي هُدرت خلال السعي وراء استراتيجية لم تكن حكيمة من البداية، ولم تفِ بأي من وعودها، لكن هذا مقلق أيضاً: تشكل هذه بكل وضوح إدارة منقسمة تعتمد على الجدال لتحدد مسارها في المسألة السياسية تلو الأخرى، من روسيا والصين إلى الشرق الأوسط.

علينا أن نعود إلى زيارة كيري المفاجئة إلى سوتشي في شهر مايو الماضي، حين أمضى سبع ساعات في التحدث إلى الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، بغية فهم هذه المسألة بالشكل الصحيح، فقد أكد هذا اللقاء أن كيري ممن يفضلون في الإدارة الأميركية المفاوضات على المواجهة في السياسة الخارجية.

أخبرني آنذاك مصدر في موسكو، مقتبساً كلمات مسؤول روسي بارز، أن ساعات كيري في سوتشي تمحورت في "80% منها حول داعش"، و"10% حول إيران"، و"10% حول أوكرانيا"، وعُدتُ إلى هذا المصدر قبل أيام، فرد عليّ في رسالة إلكترونية، قائلاً: "اعتقد كثيرون آنذاك أن حوار سوتشي تركز في المقام الأول حول أوكرانيا وإيران. كلا، تطرقوا إلى هذين الموضوعين نحو نهاية المناقشات الأساسية، حسبما قيل لي، أتدرك الآن ما كان الروس يخططون له".

هذا ما نراه بالتحديد، أثار كيري ضجة كبيرة حول اتصاله بلافروف وتحذيره من الرد، بعد أن حشدت روسيا قواتها في سورية قبل بضعة أسابيع، لكن هذه كانت مجرد "ضجة" بالتأكيد.

ببسيط العبارة، يبدو أننا نشهد انتصار الدبلوماسيين على مؤيدي الحلول العسكرية داخل أوساط السياسة الخارجية المتشعبة في الإدارة الأميركية، ومن الأدلة على ذلك خبر نشرته مجلة "تايمز" يشير إلى أن الرئيس قال: "لم أشأ مطلقاً تسليح المقاتلين في سبيل الحرية في سورية. لا تلوموني اليوم على إنفاقنا 500 مليون دولار لتدريب أربعة من هؤلاء المقاتلين فقط لمواجهة الأسد".

أما تداعيات هذه الاستدارة الكبيرة نحو التعاون مع روسيا فأربعة، وقد نشهد المزيد منها في المستقبل، إليك ما بات جلياً اليوم:

• قد يكون الدرب نحو تسوية جيدة في سورية مفتوحاً اليوم، فعندما نصرّ راهناً على أن من الممكن تحقيق ذلك من دون الدعم الروسي، تبدو الإدارة الأميركية حائرة، متسائلة عن "نوايا موسكو الحقيقية"، لكن السيجار يبقى أحياناً سيجاراً حتى لو كان بوتين يدخنه، فخطر الإرهاب أقرب إلى حدوده، مقارنة بالولايات المتحدة، ويريد بوتين حل هذه الأزمة بشكل نهائي.

قبل أيام، كتب إيشان ثارور، صحافي يتناول الشؤون الخارجية في عموده في صحيفة "واشنطن بوست"، مقالاً جاء في وقته أوضح فيه أن الفرصة المتاحة راهناً أمام أوباما وكيري كانت متوافرة في السابق، فقبل ثلاث سنوات، أخبر ممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين مارتي أهتيساري، دبلوماسي فنلندي حائز جائزة نوبل، أن الأسد مستعد لخوض المحادثات مع خصومه، وأن "التوصل إلى طريقة لبقة لتنحي الأسد" كانت في متناول اليد.

حدث ذلك بعد سنة من اندلاع الحرب، وكانت حصيلة الضحايا لم تتخطَّ بعد العشرة آلاف، لذلك يستخلص ثارور: "كان من الممكن لجهود دبلوماسية أكبر في تلك الفترة أن تنقذ حياة كثيرين وتحول دون انهيار أمة بأكملها بشكل مأساوي".

• قد يمتد التعاون في سورية، مهما كان محدوداً، إلى مسائل أخرى، وخصوصاً أوكرانيا، إن أرادت الإدارة الأميركية ذلك، وعليها ذلك بالتأكيد، ولا شك أن كل مَن يتأمل في هذه المسألة جيداً يرى بوضوح اليوم أن واشنطن تسيء فهم الأوضاع في أوكرانيا كما في سورية.

تُعتبر الفدرالية في أوكرانيا سياسة جيدة، وإن كانت تحظى بتأييد موسكو، شأنها في ذلك شأن برلين، وباريس، وفيينا، وروما، والاتحاد الأوروبي. ومن الممكن لهذا الحل على الأمد المتوسط أن يجنب الولايات المتحدة الكثير من العداء في علاقاتها مع روسيا، التي ما كان من داعٍ مطلقاً أن تخرج عن السيطرة إلى هذا الحد.

• تخشى واشنطن اليوم أن يكون هدف موسكو الفوز بنفوذ جديد في الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن روسيا ستسعى إلى تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، إلا أن هذه ستكون من نتائج إنهاء الحرب في رأيي.

أما الدرس الذي يجب أن تتعلمه واشنطن هنا، فهو أن هيمنتها التي لا منافس لها في الشرق الأوسط (أمر واقع منذ أزمة السويس عام 1956) باتت جزءاً من الماضي، وأعتبر هذا من أول تداعيات الصفقة النووية الإيرانية، التي أقرت فيها إدارة أوباما ضمناً أن العمل المتعدد الأقطاب يشكل مفتاح الاستقرار في المنطقة من اليوم فصاعداً.

يجب أن نقبل جميعنا هذا الواقع لسبب بسيط: إنه الحقيقة الجلية. ولا شك أن التردد الظاهر في البيت الأبيض بقيادة أوباما يعكس الشرخ بين مَن يتقبلون هذا الواقع الجديد ومَن يعجزون عن ذلك.

• إن كنا سنتعاون مع موسكو في الشأن السوري، نكن قد اقتربنا خطوات كثيرة من التعاون مع إيران، ومن الضروري أن نستعد لذلك لأنه يبدو محتماً.

تحمل اللعبة اليوم محور إنزال الهزيمة بـ"داعش"، أما ما علينا فعله مع الأسد فمؤجل لوقت لاحق، وقد بدأت واشنطن تلعب أوراقاً جديدة بدءاً من الأسبوع الماضي.

قبل بضعة أشهر، زار وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر حدود أوروبا الشرقية مع روسيا، حيث وعد بتعزيز وجود حلف شمال الأطلسي، ولكن قبل أيام أجرى كارتر نفسه، بطلب من أوباما، اتصالاً هاتفياً مع نظيره في موسكو سيرغي شويغو لكسر الجليد مع روسيا، ولا شك أن هذه في رأيي لحظة تحمل الكثير من المدلولات.

* باتريك سميث

back to top