كهف سالمنكا والعلوم الشيطانية

نشر في 28-11-2015
آخر تحديث 28-11-2015 | 00:01
 د. أفراح ملا علي الحاجة البشرية الملحة إلى سرد القصص والأساطير على مر التاريخ صفة إنسانية مشتركة لتوضيح جزئية معينة، سواء كانت عبرة أو لتثبيت معلومة تتناقلها الأجيال. تحديداً في مدينة سالمنكا الإسبانية، كان وقع تأثير أسطورة كهفها ملهماً حتى وصل صداها إلى إسبانيا اللاتينية، وتأثر بها كتاب من بينهم فيكتور هوغو مؤلف البؤساء وثيرفانتس مؤلف الدونكيخوتي أو الدونكيشوت... ماذا يحمل كهف سالمنكا من أسرار؟ هل الشخصيات حقيقية أو من وحي خيال أهل المنطقة؟ من هو الماركيز إنريكي دي أراغون؟ هل لمدينةٍ علمية تحتضن أقدم جامعة بالمملكة الإسبانية، أن تساير هذا النوع من الأساطير؟  تروي لنا الحكاية أن كهف سالمنكا لم يكن سوى مساحة للشيطان بأم عينه، والذي يطل علينا بمظهر ساكرستيان، أو حارس للمقدسات ومساعد للقساوسة، لكي يلقي فيها دروسا للعلوم الخفية مثل علوم التنجيم، وقراءة الكف، والسحر بأنواعه، وقراءة الطالع.

كان لتدريس هذه العلوم طقوس مهمة، بينها أن يكون عدد الطلبة سبعة، وتخرجهم يكون بعد سبع سنوات، وكان واحداً من شروط التخرج من هذه العلوم التي يعلّمها الشيطان بنفسه أن يدفع شخص واحد مصاريف التدريس لكل زملائه، ويكون الشخص الذي يقع عليه الاختيار بطريقة عشوائية عن طريق "اليانصيب" مجبرا على الدفع، وإذا ما تعثر بالدفع يحجز بهذا الكهف. وكان يمنع بتاتا نشر هذه العلوم بين البشر، وتتم الاستفادة فقط لمن وقع الاختيار عليهم، فكان من الصعب معرفة أسماء طلبة الشيطان حتى ظهر لنا اسم الماركيز إنريكي دي أراغون.

تروي الحكاية أن الشاب إنريكي وقع عليه الاختيار، فرفض الدفع وأصبح أسيرا للشيطان، ولكنه قرر الهرب وخدع الشيطان واختبأ في جرة عملاقة داخل الكهف، وعندما عاد المعلم لم يجد إنريكي فخرج مسرعاً تاركاً باب الكهف على مصراعيه، فهرب إنريكي واختبأ بالكنيسة طوال الليل، وهكذا خرج وكتب مؤلفات يعج فحواها بالعلوم الغامضة.

إنريكي دي أراغون هو ماركيز "فيجينا" من عائلة نبيلة، ولد سنة 1384م، وتطرق في مؤلفاته إلى كثير من التخصصات منها التنجيم، والطب، وعلوم الدين، والشعر، وترجمت مؤلفاته إلى أكثر من لغة، غير أن أغلبها حرق ولم يصلنا منها إلا أقل القليل بأمر من الملك خوان الثاني ملك قشتالة بسبب ما تحتويه من علوم السحر والتنجيم في القرن الخامس عشر، ثم يموت بسبب الحمى سنة 1434م.

 عام 1580 هدمت الكنيسة ومعها جزء كبير من الكهف، فاستخدم المكان لتخزين الفحم والنفايات لفترة طويلة حتى أعيد بناؤه في العصر العشرين، ولهذا الكهف العديد من الدهاليز وقد شاع أنها ممرات للعالم الآخر، وقال البعض إنها ممرات للماء صنعها العرب، ولكن ما إن علمت الملكة إيزابيل الأولى بهذه الممرات أمرت بإغلاقها وتم هدم أغلبها، ليبقى السر حتى يومنا هذا مجهولاً. اسم كهف سالمنكا ظل مرتبطا بأعمال السحر وتجمعات السحرة الليلية، ففي أميركا اللاتينية ترتبط كلمتا سالمنكا وسالمنتيكا بالسحر والسحرة وتجمعاتهم، وفي جنوب البرازيل وجد كهف سمي سالمنكا على اسم الكهف الإسباني، والذي كانت تقام فيه العديد من أعمال الشعوذة، فضلاً عن اجتماعات لإحياء طقوس شيطانية.

وبالرغم من غرابة الحكاية وتأرجحها بين الحقيقة والخيال تبقى رسالة مهمة بأن سالمنكا، التي لقبها الإسبان بأم العلوم ولادة للعلماء والمفكرين على مدى التاريخ. من يرد العلم فعليه أن يشد الرحال إلى سالمنكا... جملة يرددها الإسبان وانتشرت أوروبيا ولاتينيا، واليوم أرددها لكم لتنتشر في العالم العربي... ودمتم بمحبة وعلم نافع.

back to top