ترانيم أعرابي: قبور في خطر

نشر في 28-06-2016
آخر تحديث 28-06-2016 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم عند ذكر الموت والقبور والمقابر ترتعد فرائص البعض لأنها تذكرهم بأيامهم القادمة، والوحشة التي ستنالهم عندما يهجرهم الخلان ويبعد عنهم الأهل والأقران بنزول قبورهم فلا يجدون معهم سوى أعمالهم، فإما لخير وإما لغير ذلك، فما بالكم بحالهم عند ذكر مقبرة مهجورة أو قبور دُفن أصحابها منذ عقود من الزمان.

لا أرغب في تخويفكم لكن ما دفعني لكتابة هذا المقال غيرتي التاريخية على قبور أجدادي من أهل الكويت، هل يرضيكم أن تجدوا قبور رجالات الكويت الأوائل ممن خلّد تاريخنا ذكرهم بين صفحاته أن تكون عرضة للتخريب والكلاب الضالة، أجلكم الله؟ أم لعدم الاهتمام بمن فيها؟ قد يتساءل البعض كيف نهتم بالمقابر والقبور، الاهتمام بها عبر الحفاظ عليها وحمايتها، فنحن مسلمون لا ندعو أن تبنى الأضرحة وتُعمّر القبور حتى تغدو كالقصور، وفي الوقت ذاته لا نرضى أن نرى مقابرنا مأوى للكلاب الضالة والإهمال.

مررت ذات يوم قرب مقبرة هلال المطيري، عليه رحمة الله، ووجدت جزءاً من الجدار قد هُدم، فدخلت المقبرة فضولاً لأتنفس عبق أمجاد الماضي الشامخ، وأستنشق عبير الصفاء والإخاء والنفوس الطاهرة، وفي الوقت ذاته لأدعو لأمواتنا فيها. حينما دخلت تذكرت مآثر هلال فجحان المطيري الفتى العصامي الذي بنى مجده من جمع نواة التمور في البداية حتى فتح الله عليه وصار أغنى رجل في الكويت، هلال المطيري الذي كانت له مواقف كثيرة في فعل الخير ومساعدة الفقراء حتى قيل إن زكاته كانت تغطي فقراء الكويت، هلال المطيري الذي عندما خرج من الكويت مغضباً إلى البحرين خرج لإرضاء الشيخ مبارك بن صباح حاكم الكويت في حينها لمكانة هلال وثقله الاقتصادي، هلال المطيري عضو مجلس الشورى 1921، هلال المطيري المساهم بدفع تعويض لشهداء فخذه الدياحين في معركة الجهراء، أمجاد هذا الإنسان وأفعاله خلدها التاريخ في صفحاته فلسنا بحاجةٍ لتكرارها. حديثي اليوم عن مقبرة هلال، رحمه الله، التي أوقفها وهي بمساحة عشرين ألف متر مربع تقريبا على موتى المسلمين، وهي تقع في حي شرق، وحاليا مقابل القرية التراثية التي تبنى، مررت قربها ودخلت من باب المقبرة فوجدت بعض القبور قد غار وظهرت فيه الحفر وبعضها تساوى في الأرض، ولم يعد الإنسان يدرك أين القبر، فصارت مجموعة من الأحجار المتناثره على أرض مستوية، وجدت في الداخل غرفاً قد هدمت ولا أدري إن كانت لحارس المقبرة، مع أنني لا أظن أن لها حارساً فقد حاولت قبل سنوات الدخول إليها وضربت الباب مراتٍ ومرات حتى ظننت أنني سأكسره ولا جواب.

قد يكون هناك مشروع ما أو تمديدات أو غيرها من الأمور هذا لا يهمني، ما يهمني فعلاً الحفاظ على كرامة أهل القبور من دنس الكلاب الضالة، وقد وجدت أحدها داخل المقبرة، فما الذي يمنع منْ هَدَمَ الجدار أن يضع قطعة من الخشب كبيرة تسد المدخل ريثما ينتهي من عمله، أو ما الذي يمنع بلدية الكويت أن ترمم المقابر القديمة بين فترة وأخرى، وإن كانت المقابر وقفية فلا يكلف ترميم القبور سوى أكياس من الرمل، تُصب فوق القبور التي نالت عوامل التعرية منها.

ودخلت عدة مقابر تاريخية في الكويت منها مقبرة أبوحليفة، حيث أزور فيها جدي طلال محمد الجري، ووجدت فيها ما ساءني بصراحة فيها بعض الكلاب، أجلكم الله، والكثير من الإطارات، وبعض مخلفات البناء، بالإضافة إلى وجود الكثير من الحفر فوق القبور بفعل الأمطار وعوامل الزمن. حتى القبور في مقبرة الصليبيخات قد زرتها قبل فترة فوجدت الكثير منها قد دمرته مياه الأمطار أو أطارت الرياح رماله بعيداً، ولا أعلم ما الحكم الشرعي في ترميم القبور، لكنني أجد أن المنطق لا يخالف ذلك والشرع لا يخالف المنطق إلا إن كان المنطق بعيداً عن الصحة؟!

أتمنى من المسؤولين في الدولة أن يحافظوا على ما بقي لدينا من عبق الماضي، يكفي ما ضاع من تراثنا، يكفي ما دمره العمران الحديث من تاريخنا، يكفي ما أزالته الجرافات من أماكن تحمل ذكريات أجدادنا، لا نريد اليوم شيئا سوى أن تحافظوا على المساجد والمقابر، فهي شواهد صلاح أهل القبور.

back to top