أوراق وردة الغناء العربي (١٢ - ٢٠)

«العيون السود» شاهدة على تحقيق حلم الزواج

نشر في 17-06-2016
آخر تحديث 17-06-2016 | 00:00
كان اللقاء الغنائي المرتقب لوردة مع بليغ حمدي في حفل الإذاعة، حيث غنت له أغنيتين الأولى هي أغنية عاطفية بعنوان «العيون السود»، وكان قد كتب مطلعها بليغ في محاولة منه ليصف من خلالها وردة وحبه لها ولكنه اكتفى بالمطلع فقط وطلب من الشاعر محمد حمزة أن يكملها بأسلوبه المتفرد في كتابة الأغاني العاطفية الدرامية وأكملها حمزة وكان بليغ قد عرضها على الفنانة نجاة الصغيرة التي أعجبت بها جدا وبدأت في إجراء البروفات عليها إلا أنه مع مجئ وردة لمصر سحبها من نجاة وأعطاها لوردة التي كانت تغنيها بكل إحساس وتشعر أن كل كلمة في الأغنية تخاطبها وتعبر عنها وتصفها وتؤكد الكثير من مشاعر الحب التي يحملها قلب بليغ لها.

وكانت الأغنية الثانية في حفل الإذاعة الذي شهد عودة وردة للغناء مرة أخرى أغنية وطنية بعنوان (والله يا مصر زمان) وهي الأغنية التي عبرت عن شوق وردة وحنينها لأرض مصر التي كانت دائما تراها وطنا ثانيا لها وكانت تقول في معظم حواراتها ولقاءاتها (بأحس بحنان أمي وأنا في مصر).

وردة أدت الأغنية بروحها وكل مشاعرها.. فقد كان قلبها يغني معها.. وذكرياتها أيضاً تغني معها، حيث كان شريط من الصور التي عاشتها يتراقص أمام خيالها وهي تشدو بالأغنية.. وكانت أشواقها تغني معها وتقول بصوت تلونه الفرحة:

والله يا مصر زمان

والله زمان

زمان يا نيل

والله زمان

زمان ع الهوى

يا غنيوة المواويل

زمان يا مصر

وحشني السهر

ع النيل في القمر

وليالي زمان

وفرح الحبايب

قناديل ع الشجر

منورة المكان

وحشاني يا أم الحنان

فرحة حبيب للأمان

والله يا مصر زمان

الخير والهنا

أنا دقته هنا

أشكال وألوان

وقلوب البشر

مليانة غنا وطيبة وإيمان

واحشاني يا أم الحنان

والله يا مصر زمان

لقد وضع الشاعر محمد حمزة بهذه الأغنية يده على مفتاح وردة، وعلى النوتة الموسيقية لأحلامها وعزف بمهارة معبرا عن كل أشواقها وحنينها.. وضع يده على رغبتها في أن تحتضن مصر صوتها وحياتها وموهبتها ومستقبلها وأيامها المقبلة بعد أن ودعت أيام عمرها في الجزائر وودعت معها مشاعر أمومة ستظل مع وقف التنفيذ إلى أن يأتي اليوم وترى فيه ابنيها مرة أخرى.

إنها تشعر أن هذا اليوم سيكون قريبا جدا، ولكن متى.. إنه في علم الغيب، وإلى أن يتحقق هذا الحلم الجميل ستغني وتغني وتغني.

وها هو الشاعر محمد حمزة يمنحها بوصلة للقلوب بأغنيتين حققتا النجاح وأصبحتا السطر الأول في مشوار طويل ستخوض وردة تفاصيله فيما بعد، وكان حمزة دائما يردد أن وردة من أعذب الأصوات في العالم العربي.

وفي ذلك الوقت أصبحت أغنية «العيون السود» الأكثر طلبا في محطات الإذاعة والأكثر مبيعا في سوق الكاسيت، وتحولت الأغنية إلى تعويذة سحرية أضافت الكثير من البريق والتوهج لوردة، بل أضحت وثيقة حب ربطت بين نغمة بليغ وحنجرة وردة، فبعد هذه الأغنية تبدلت المشاعر واختلفت الظروف وتغيرت الأحوال وأصبح هناك شيء ما في القلب.. إنها خربشات الحب الذي يعلن عن نفسه بوضوح وجرأة وصراحة.

(لا الزمان ولا المكان قدروا يخلوا حبنا ده يبقى كان.. يبقى كان الزمان.. وبحبك والله بحبك.. قد العيون السود بحبك)

إنها الكلمات التي غنتها وها هي تعيشها.. وبعد النجاح المدوي لأغنية «العيون السود» لحن لها بليغ أغنية «وحشتوني» التي تحمل أيضا بين حروفها ونغماتها رسالة واضحة من قلبه إلى حنجرتها.

رسالة تقول: وحشتيني يا وردة حبي بعد غيابك الطويل.

وكانت وردة تقيم في فندق شيراتون بعد وصولها إلى مصر، وفي نفس الوقت كانت تبحث عن شقة لتقيم فيها، فليس من المعقول أن تعيش طوال الوقت نزيلة في الفنادق، فقد كانت تحب دفء البيت وتشعر أن البيت هو المملكة التي تعيش فيها المرأة.

وفي يوم زارها في الفندق بليغ حمدي ومعه صديقه الإذاعي وجدي الحكيم والشاعر الغنائي محمد حمزة واستقبلتهم وردة في غرفتها مرحبة بوجودهم ومؤكدة أنهم السبب الرئيسي في شعورها بالسعادة بعد كل ما قدموه لها من عون ومساندة في مشوارها الغنائي.

وبينما كان الجميع يحتسي الشاي طلب بليغ من وردة الانفراد بها لأمر مهم فخرج الاثنان إلى الشرفة المطلة على النيل وكانت نسمات الصيف تهفهف وتمنح الجو نسمة منعشة رطبة.

قال بليغ لوردة دون مقدمات: «أنا بحبك وعاوز أتجوزك».

لم تفاجأ وردة بما قاله بليغ وتنهدت تنهيدة ساخنة جدا قبل أن ترد وتقول: أنا كمان بحبك وأنت كنت السبب في طلاقي من جوزي لأنه كان عارف مدى تعلقي بيك وحبي لك واللي كان قد حبي للمزيكا والغُنا».

زغرد قلب بليغ وهو يقول بصوت عال: يعني نجيب المأذون ونكتب الكتاب ونعلي الجواب ونعزم الأحباب؟!

ابتسمت وردة وهي تنظر إليه غير مصدقة أن الحلم الآن يصبح حقيقة وقالت له: هاته.. وبسرعة وكفاية العمر اللي ضاع مني ومنك.

واتفق الاثنان على موعد عقد القران الذي كانا ينتظرانه سنوات طويلة، لكن المفاجأة التي لم تتوقعها وردة أبدا هي أن بليغ سافر إلى بيروت فجأة قبل موعد كتب الكتاب بيوم واحد فقط، وكان سفره صدمة كبيرة لها، فهل نسى الموعد أم نسى الموضوع كله وغير رأيه!

ويبدو أن هذا الموقف الغريب كان السطر الأول في كتاب كبير اسمه «من هو بليغ حمدي؟».

لقد اكتشفت وردة صحة ما قاله أبوها قبل سنوات عن أنه إنسان بوهيمي وأن جنونه ورغباته هي التي تقود مشاعره طوال الوقت وأنه مثل الأطفال من الصعب ترويضه أو إجباره على سلوك معين يحب أن يتمرد عليه.

كان هذا الموقف يمثل حالة قلق رهيبة داخل أعماق وردة فإذا كان بليغ ينسى أهم يوم في حياته فما الذي سيحدث منه خلال الأيام المقبلة بعد ارتباطها به رسمياً.

ماذا يمكن أن يفعل معها بعد أن يصبح زوجها؟

إنه سؤال حائر لم تجد له إجابة وإن كان بداخلها يقين أن كل الفنانين على نفس الدرجة من البوهيمية والعبث وعدم النظام وسوء التصرفات، وهو عكس ما تربت عليه وردة تماما، فقد نشأت على أن النظام أساس كل شيء في الحياة وأن الترتيب هو الذي يقود للنجاح فلا يوجد نجاح بشكل عبثي غير مخطط، وتربت أيضاً على أن الكلمة تربط صاحبها وتصبح قيدا عليه يجب ألا يتخلى عنه أو يتراجع.

فهل ستستطيع وردة أن تعلم بليغ النظام والترتيب والتخطيط أم أن بليغ هو الذي سيعلمها الجنون في التصرفات.. أيهما سينقل صفاته أسرع إلى الآخر؟

هذا السؤال ربما يكون سابقا لأوانه.. المهم الآن: أين بليغ؟ أين العريس؟ ومتى سيأتي؟ كيف نتصل به ونقول له: تعالى علشان كتب الكتاب والمأذون في انتظارك؟

إنه مشهد ساخر ومحزن في الوقت ذاته، لم يحدث من قبل، لكنه حدث مع بليغ.

حاولت وردة أن تعرف السر العظيم وراء اختفاء بليغ عن يوم كتب كتابه، اكتشفت أنه سافر إلى بيروت من أجل إنجاز بعض الأعمال الموسيقية التي كان قد اتفق عليها منذ فترة وأنه لم يتمكن من الاعتذار عن السفر، وإلا ارتبك جدول أعماله الفنية.

إن فنه الآن هو صاحب الرأي والكلمة العليا، وهو الذي يقود تصرفاته ومشاعره وقراراته وربما حياته.. فنه يحتل المرتبة الأولى قبل قلبه وحبه وعواطفه وقبل وردة!

وبالطبع لن تقبل وردة بهذا الوضع، فهي تريد أن تحتل بحبها كل كيانه مثلما احتل هو بلحن «تخونوه» كل كيانها من قبل.. فوردة تريد أن تكون هي رقم واحد وكل الأشياء بعدها تتساوى.

ولكنها في نفس الوقت كانت تدرك أنها وبليغ شركاء في حب الفن وأنها دفعت ثمن هذا الفن غاليا وضحت من أجله بالزوج والاستقرار والأمومة وبالتالي فيجب عليها ألا تلوم بليغ على فعلته تلك.

نعم.. سوف تسامح بليغ، فهو لم يفعل سوى ما كان يحس به، ولكنها أرادت أن تعاقبه أولاً، كنوع من الدلع أو استرداد جزء من كبرياء الأنثى بداخلها، وعندما عاد بليغ من السفر قالت: «خلاص.. مفيش جواز».

قال لها: أرجوك.. أنت كده بتصدري ضدي حكما بالإعدام.. مش ممكن أضيعك بعد ما لاقيتك.

قالت: لما تنسى يوم زي ده.. تفتكر ممكن أستنى منك أيه تاني؟

قال لها وهو يستعطفها: عشان خاطري.. سامحيني يا وردة.

كانت ترسم على وجهها العبوس والغضب، لكن أعماقها سعيدة وفرحانة.. كانت تريد أن تشعره بالذنب وتأنيب الضمير.

وتدخل عبدالحليم حافظ وأحمد فؤاد حسن لكي توافق للمرة الثانية على الارتباط ببليغ، فوافقت بشرط أن يحضر بليغ أولا وبعدها تأتي هي حتى تضمن وجوده، وهذا ما حدث بالفعل، فقد حضر بليغ قبل موعده بساعة.

وفي ذلك اليوم غنى لهما عبدالحليم حافظ (وابتدا ابتدا المشوار.. وآه يا خوفي من آخر المشوار).

فعلاً.. آه يا خوف وردة من مشوارها مع بليغ ومع الفن ومع الغناء ومع النجاح والشهرة والنجومية، إنه خوف كبير بحجم دنيا الفن التي أصبحت وردة جزءا منها..

بعد الزواج أحيت وردة حفلا بمسرح سينما قصر النيل وقدمت فيه أغنية جديدة هي (خليك هنا.. بلاش تفارق) وقبل أن تصعد إلى المسرح فوجئ الجمهور بالفنان عبدالحليم حافظ يقف على خشبة المسرح وبمجرد أن رآه الجمهور أخذ يصفر ويصيح طالبا منه الغناء إلا أنه ابتسم وطلب منه الصمت وقال بصوت هادئ: أنا الليلة حأكون مستمع وبس وجيت مخصوص علشان أسمع أغنية جميلة للفنانة الجميلة وردة الجزائرية وكنت حضرت بروفة من بروفاتها الموسيقية وعجبتني أوي وجيت عشان أسمعها معاكو ويا رب تعجبكو زي ما عجبتني.

صفق الجمهور بحرارة بعد كلمات عبدالحليم.. صفق لهذه الروح الجميلة ولهذا الشعور الراقي ولهذا التواضع الجميل، وصعدت وردة على المسرح لتغني، وكانت هذه المرة أكثر ثقة في نفسها وفي أيامها وأحلامها ومشاعرها، فهي الآن وهي مستقرة وسعيدة.. تغني بعد أن منحتها الدنيا راحة بال وأمان وقلب بليغ.. تغني بدون قيود وبلا خوف ومن غير قلق.. تشدو وتقول من كلمات محمد حمزة ولحن بليغ:

الوداع

ما بقتش أخاف ف الدنيا دي غير م الوداع

والضياع

بحس لما تكون بعيد معنى الضياع

وخليك هنا خليك .. بلاش تفارق

بتقول يومين وتغيب سنة .. بلاش تفارق

خلتني أخاف .. لما بحس بخطوتك .. واخداك بعيد

عليك بخاف .. لما تقول كلمة وداع .. تاني من جديد

خايفة من بكرة .. واللي هيجرى لما تروح

وتغيب سنة .. وتفوت هنا .. حبيب مجروح

ولا يا حبيبي لا .. الفراق ده لا

شوف كام سنة من عمرنا .. ضاعوا مننا

كام سنة

حرام عليك حرام .. وحياة عينيك حرام

خليك هنا هنا .. بلاش تفارق

ويصفق الجمهور لوردة بحرارة ويجعلها تعيد الكوبلية أكثر من مرة وتتلون ملامح وجه وردة بالسعادة

إنها تنجح

إنها تتالق

إنها الآن

الآن : سعيدة جدا

حمزة... أبرز شعراء الأغنية العربية

يعتبر محمد حمزة من أبرز شعراء الأغنية العربية ووصل رصيده إلى 1200 أغنية، وهو رقم لا يعتبر غريبا وسط أبناء جيله والسابقين عليه أمثال حسين السيد وفتحي قورة ومرسي جميل عزيز، ومن هذا الرصيد الضخم 37 أغنية للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ على مدار 14 عاما ومنها «سواح» و»مداح القمر» و»حاول تفتكرني» و»نبتدي منين الحكاية» و»موعود» و»زي الهوا»، و»جانا الهوى»، و»فدائي»، ومعظم هذه الأغاني كانت من تلحين بليغ حمدي عدا أغنية «نبتدي منين الحكاية» فكانت للموسيقار محمد عبدالوهاب.

وحمزة من مواليد مركز العدوة بمحافظة المنيا «بصعيد مصر» وبحكم عمل والده في السكة الحديد انتقلت الأسرة إلى سوهاج ومكث فيها 4 سنوات ثم انتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق حمزة بالمدرسة الخديوية وعاش في حي «القلعة» ثم «الحلمية»، وبعد حصوله على الثانوية التحق بكلية الآداب (قسم فلسفة) ولم يستكمل الدراسة بها بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، وكان أيضاً حمزة من أبرز كتاب ونقاد مجلتي «صباح الخير» و»روز اليوسف».

أما الأغنية التي فتحت له أبواب الشهرة والاحتراف فكانت أغنية «اؤمر يا قمر»، التي غنتها الفنانة فايزة أحمد بعد أن قدمه إليها زوجها الموسيقار محمد سلطان ليواصل حمزة مشواره مع كل نجوم الغناء تقريبا مثل صباح وشادية وعفاف راضي وهاني شاكر ونجاة الصغيرة وعماد عبدالحليم وغيرهم.

أغنية: جيت في وقتك
كلمات: بخيت بيومي

ألحان: أحمد فؤاد حسن

غناء: وردة الجزائرية

جيت في وقتك يا حبيبي

جيت في وقتك

جيت وأنا بحلم بأول مرة شفتك

جيت وأنا مش قادرة أنام

والكلام بيجيب كلام

حتى قلبي لسه كان بيجيب بسيرتك

يا حبيبي يا حبيبي جيت في وقتك

جيت في وقتك يا حبيبي

جيت وأنا بسأل عليك

بسأل القمر اللي منه

بأفتكر نظرة عينيك

وأسأل العِشرة الجميلة

اللي بتحببني فيك

كنت لسه بقول ده غاب

ولسه حأكتب لك جواب

والتقيتك جنب مني يا حبيبي

جاي تسأل برضو عني يا حبيبي

وأنا قلبي لسه كان بيجيب في سيرتك

يا حبيبي يا حبيبي جيت في وقتك

أنت عارف أيه جرى لي وأنت غايب

شوقي ليك كان قد شوق كل الحبايب

يا ما كنت باشتياقي بشكي منك الليالي

والأمل هو اللي باقي والحنين يقول تعالي

وأنسى يوم وتاني يوم أحن تاني

لما قلت في قلبي آه م الحب ياني

والتقيتك جنب مني يا حبيبي

جاي تسأل برضو عني يا حبيبي

وأنا قلبي لسه كان بيجيب في سيرتك

يا حبيبي يا حبيبي جيت في وقتك

يا سلام لما جيت تسأل عليا

شفت حاجة ماشفتها في الدنيا ديا

التقيت اللي في قلبك جوه قلبي

التقيت اللي ف عينيك برضو ف عيني

أنت أيامي اللي راحت

وأنت أيامي اللي جايه

ولما شفتك جنب مني يا حبيبي

جاي تسأل برضو عني يا حبيبي

وأنت قلبي وأحلى سيرة هي

سيرتك يا حبيبي

جيت في وقتك

بليغ نسي موعد عقد القِران وسافر إلى بيروت لإتمام بعض الأعمال الفنية

وردة تغني «والله يا مصر زمان» في حفل الإذاعة

بليغ كتب كلمات أغنية «العود السود» متغزلاً بوردة

عبدالحليم حافظ وأحمد فؤاد حسن أقنعا وردة بالارتباط ببليغ حمدي

وردة تبحث عن شقة للعيش فيها لأنها تشتاق إلى دفء البيت
back to top