أوراق وردة الغناء العربي (8 - 20)

مدير مكتب عبدالحكيم عامر وراء شائعة علاقته بوردة

نشر في 13-06-2016
آخر تحديث 13-06-2016 | 00:04
في الحلقة السابقة تحدثنا عن أول مرة يستمع فيها الموسيقار بليغ حمدي لصوت وردة الجزائرية، وكان ذلك في أحد المطاعم اللبنانية من خلال جهاز اسمه «الجوك بوكس»، وهو عبارة عن علبة أسطوانات اتوماتيكية، يوضع فيها قطعة نقود ويتم الاستماع لأية أغنية، وفي ذلك اليوم اختار بليغ أغنية «يا ظالمني» لأم كلثوم، وبعد أن بدأ الاستماع إليها اكتشف شيئا غريبا في صوتها ثم عرف أن هذا الصوت ليس لأم كلثوم، بل صوت جديد لفتاة جزائرية اسمها وردة، فوقع في غرام صوتها مثلما وقعت وردة في غرام لحنه «تخونوه» لعبدالحليم حافظ، كما استمع لها أيضا من خلال شريط كاسيت أحضره له عازف الكمان أنور منسي، فأدرك أن صاحبة هذا الصوت ستشكل جزءا كبيرا من حياته العاطفية والإنسانية والفنية، وعندما رأها أصدر قلبه فرمانا عاطفيا يؤكد مشاعر الحب بداخله.

وفي إحدى أمسيات عام 1964 كان بليغ مع مجموعة من أصدقائه ودعا وردة إلى العشاء وعندما غابت عن الحضور أرسل لها صديقيه محمد حمزة وأحمد الحفناوي لإحضارها من منزلها، وقام الاثنان بهذه المغامرة من أجل بليغ الذي كان في حالة من التوتر، إلا أنها لم تحضر بعدما فشلت في فك الحصار الذي فرضته أسرتها عليها، والتي انقسمت إلى فريقين الأول يوافق على زواجها من بليغ ويبارك قصة حبهما، والثاني يرى ضرورة زواج وردة من جزائري وليس مصرياً خاصة بليغ حمدي الذي اشتهر بتمرده وفوضويته وحياته المليئة بكل الأشياء التي تجعل أية أسرة تخشى على بناتها من الارتباط به.

كانت أول قصة حب في حياة بليغ حمدي مع أمنية تحيمر، تلك الفتاة الجميلة التي كان والدها يعمل موظفا كبيرا في الموانئ، وتعلمت في أكبر المدارس الفرنسية، وأعطاها المنتج جمال الليثي دورا صغيرا في فيلم “إشاعة حب” بطولة عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي وعبدالمنعم إبراهيم، حيث كانت ضمن صديقات سعاد حسني في الفيلم.

كانت أمنية مجرد مشروع لممثلة رقيقة تخطو نحو الفن بخطوات مترددة، وعلى شاطئ المعمورة بالإسكندرية قابلها بليغ، وعرف منها أنها تعيش مع خالتها بالقاهرة، وتواعدا على اللقاء ثم توالت اللقاءات والمواعيد الغرامية التي قربت بين قلبة وقلبها وأحس أنه لا يستطيع الحياة بدونها وخشى أن تخطفها الأضواء السينمائية فتبعدها عنه وتضع كلمة النهاية على علاقة حب جميلة تنتظرهما.

وفي يوم اصطحب معه صديقا من أصدقائه، وذهب إلى بيتها في الساعات الأولى من الفجر، وأيقظ خالتها من النوم، وقال لأمنية في رغبة جنونية تثير الشك والغضب في نفس الوقت.

- حنتجوز دلوقت يا أمنية.

نظرت أمنية إلى خالتها في بلاهة، وقالت

- الحقي يا خالتي.. بليغ عاوز يتجوزني دلوقت.

سألتها خالتها: أنت أيه رأيك يا أمنية يا بنتي؟

ابتسمت أمنية ونظرت للأرض، وقالت في خجل بصوت هامس.

- موافقة يا خالتي.

كاد أن يطير بليغ من السعادة، وعلى الفور ذهب إلى صديقه الكاتب والمخرج عبد الرحمن الخميسي، وصديقه المخرج الإذاعي حسن عبدالعزيز، وأيقظهما من النوم في هذه الساعة المبكرة، وذهب الجميع لأقرب مكتب مأذون، وتم إحضاره وهو نصف نائم ومندهشا من هذا المجنون الذي قرر أن يتزوج في الفجر.

وبالفعل تم الزواج، لكنه فشل ولم يستمر طويلا، وسرعان ما تم الطلاق بينهما بعد شهرين فقط وكان هذا في عام 62 وكانت الحجة التي أعلنها بليغ كسبب في الطلاق هي أن الزواج قيد فظيع على الحرية خصوصا للفنان ولا يمكن لأي فنان أن يقبله مهما كانت عواطفه وأحاسيسه وحبه، لأن حب الفن في النهاية هو الأقوى.

الغريب في الأمر أن بليغ بعد تجربته القصيرة جدا في الزواج من أمنية وبعد إعلانه عن عدم زواج الفنان، تزوج مرة ثانية من مطربة ناشئة اسمها آمال طلعت، وعاش معها هذه المرة ثلاثة شهور ثم طلقها لنفس السبب.

وبعد طلاق بليغ من آمال عرض الزواج على الراقصة سامية جمال، ولأنها كانت تعلم جنون بليغ وسرعة قراراته وعدم تركيزه في أي شيء سوى فنه وبوهيمية حياته لم تستقبل هذا العرض بأي نوع من الجدية خاصة أنها كانت تربطها علاقة عاطفية مع الفنان رشدي أباظة، فاتجه بليغ إلى الراقصة نجوى فؤاد يطلب منها الزواج عندما قابلها بالمصادفة بإحدى السهرات في بيروت، ووعدته نجوى أن تفكر في هذا العرض، وهي تخفي ابتسامة تؤكد أنها لن توافق أبدا على الزواج من هذا الطائش.

وعندما رأى بليغ هذه الابتسامة أدرك أن نجوى ترد عليه بدبلوماسية، وأنها لن تتزوجه، فلم يكرر هذا العرض عليها مرة أخرى.

بليغ صاحب هذه الشخصية التي ترفع شعار الفوضى والجنون في حياتها واصل التفكير في الزواج ليختار هذه المرة تلك الفتاة التي التقاها لأول مرة في مكتب محمد حسن الشجاعي.

إن بليغ الآن يتذكر جيدا هذا اليوم.. فهو يوم لا ينسى، فقد اتصل به الشجاعي، وقال له: تعالى علشان عاوز أعرفك على بنت جميلة وذكية وحساسة.

يومها ضحك بليغ وقال: أنت بتتكلم جد وألا بتجر رجلي علشان اجي.

فقال له الشجاعي: تعالى وأنت حتتأكد من كل كلمة قلتها.

وعلى الفور طار بليغ إلى مكتب الشجاعي ليجد هناك وردة.

أول لقاء.. وأول نظرة.. وأول مواجهة.. وأول إحساس.. وأول شعور.

مد يده ليسلم عليها، بينما كان الشجاعي يقدمها له: دي يا سيدي وردة من الجزائر.. اسمها وردة، وفي صوتها كل الورود والأزهار والرياحين، وصوتها خامته جميلة فيها قوة وإحساس.

فقال له بليغ: أنت عاوزني ألحن لها.

رد الشجاعي: وردة حتمثل في فيلم “ألمظ وعبده الحامولي” مع صديقي المنتج والمخرج حلمي رفلة، وعاوزينك تلحن لها أغنية في الفيلم.

ولم تكن أغنية واحدة وإنما أغنيتان هما “أحبك فوق ما تتصور”، و”يا نخلتين في العلالي”، وفي هذا اليوم قرر بليغ شيئا مهما وخطيرا وغريبا ومثيرا كعادته في كل ما يخص العواطف والمشاعر، فقد قرر أن يتزوجها.. هكذا بدون مقدمات.. وبدون قصة حب عنيفة يسهر فيها الليل ويعد النجوم.. وبدون أن يعرف عنها أي شيء سوى اسمها.

وردة.. منذ تلك اللحظة عليه أن يردد هذا الاسم مع نفسه كثيرا، فهذا الاسم سيكون الونس والوليف والشريك والحب والحياة.

ما الذي جعله يشعر بذلك؟ أنه لا يعرف ولا يفهم ولا يستوعب.

إنه فقط قرر أن تصبح وردة زوجته.. إنه حتى الآن مجرد حلم، وتحول لكابوس عندما واجه رفض أهلها له.

وتساءل بليغ وهو يكذب على نفسه: لماذا رفضوني؟، وهو يعلم جيدا الأسباب التي صنعها بقراراته المتسرعة وزيجاته التي لم تستمر سوى أيام معدودة، ولكن هناك بداخله إيمان قوي بأنه سيأتي اليوم الذي يحقق حلمه رغم اختفاء وردة تماما من مصر، رغم بحثه عنها.

أين وردة؟

في هذه الأثناء غادرت وردة مصر إلى الجزائر، في أعقاب أزمة تعرضت لها بسبب شائعة علاقتها بوزير الحربية المصري وقتذاك المشير عبدالحكيم عامر، وهي الشائعة التي انطلقت في منتصف الستينيات تقريباً ودفعت الرئيس جمال عبدالناصر إلى إبعاد وردة عن مصر.

الغريب أن الذي ساعد على انتشار هذه الشائعة هو مدير مكتب المشير العقيد علي شفيق، لأنه كان يمهد لإعلان زواجه هو شخصياً من الفنانة مها صبري، في حين أن وردة لم تلتق المشير عامر إلا مرة واحدة، وكان وقتها عائداً من رحلة إلى مصيف بلودان في سورية بينما كانت وردة في طريقها إلى دمشق لكن سيارتها تعطلت، فأمر المشير بتوصيلها للمكان الذي تريده وكانت وردة وقتها غير معروفة في مصر بشكل كبير، لكنها عرفته بنفسها وشكرته على هذا الموقف الإنساني. ووصل تقرير سري بهذه المقابلة إلى مكتب عبدالناصر وانتشرت الشائعات التي تؤكد أن هناك علاقة بين وردة وعامر، وتم إصدار قرار بإبعاد وردة خارج البلاد ومنعها من دخول مصر ولم تعد إلا في مطلع السبعينيات خلال حكم أنور السادات.

على أية حال فإن وردة نفسها ردت على هذه الشائعة ولكن بعد سنوات طويلة، ففي حوار عام 2011 وقبل وفاتها بعام واحد قالت: “أؤكد أنني لم ألتق عبد الحكيم عامر ولا مرة في حياتي، والله سوف يحاسبني على هذا الكلام، كما أنني كنت فتاة بكراً أعيش مع والدي وأنا أنتمي إلى أسرة جزائرية متشددة، لدرجة أن شقيقي كلمني من تونس بعد سماعه الشائعة، ولولا علمه بوجود والدي معي لكان ذبحني”، وأضافت: “تزوجت واعتزلت الغناء وأنجبت ابني (رياض) عام 1965 وابنتي (وداد) في العام التالي، وعدت إلى مصر عام 1973 أي بعد وفاة عبد الحكيم عامر، فكيف اتهم بذلك”.

ويبدو أن أسرة وردة قررت أن تدحض هذه الشائعة وبالفعل غادرت وردة مصر واتجهت إلى الجزائر، وهناك كانت وردة على موعد مع أصعب وأخطر وأهم لحظة في حياتها، لقد قررت الأسرة تزويجها، وأن تغلق أي باب لعودة وردة إلى مصر مرة أخرى وممارسة الفن أو الغناء.. قررت أن تسجن مشاعرها التي تجرأت ووقعت في غرام هذا الملحن الفوضوي الذي يعشق النساء ويمارس العربدة.

خضعت وردة لهم، فلم تكن تملك أية قدرة على المقاومة أو حتى الحوار.. كانت مشاعرها منهكة وأعصابها محترقة وأفكارها مشوشة وأحلامها ضائعة. كانت تعيش على ذكريات ومشاهد وصور تهرب بها من واقع أليم وجدت نفسها مجبرة على الحياة فيه.

إنها تتذكر لحظات من عمرها وعدتها بمستقبل تتمناه، وفن تريده، ونجاح تنتظره، إنها مثلا تتذكر أول مرة سافرت فيها للقاهرة.. اليوم الذي لا تستطيع أن تنساه أبدا لأنه محفور بكل تفاصيله في وجدانها ومشاعرها.

كان مطلع عام 1960، حيث تلقت الدعوة من القائمين على إذاعة صوت العرب وبالتحديد من محمد حسن الشجاعي مستشار الإذاعة ورئيس قسم الموسيقى والغناء لتسجيل بعض الأغاني التي تنتجها الإذاعة المصرية لدعم القضية الجزائرية، كانت الدعوة بالنسبة لها شهادة اعتراف بموهبتها، ليس فقط ذلك وإنما أيضا شهادة تؤكد الدور الذي لعبته حنجرتها في الجهاد والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر.

لقد غنت وردة أغاني وطنية تحمل الصدق والحماس والروح، مما جعلها تلعب دورا لا يمكن إنكاره في شحذ همم الصمود والنضال.

ومازالت وردة تتذكر وملامحها تسافر إلى لحظات جميلة وذكريات لها مذاق السكر في مشاعرها.

مثلا تتذكر أنها ركبت التاكسي من مطار القاهرة، وقالت للسائق: فندق هيلتون لو سمحت وبمجرد وصولها لغرفتها فوجئت بأجمل “بوكيه” ورد رأته في حياتها وكان من الموسيقار رياض السنباطي، ومن فرحتها بالبوكيه حملته بين أحضانها وكانت تسقيه بالماء كل يوم، فقد تعاون السنباطي مع وردة وقدم لها عدة أغنيات عبر الإذاعة، كما قدم لها أغنيتها الشهيرة “لعبة الأيام” التي كانت من أوائل الأغنيات المصورة للتليفزيون المصري.

وكانت طوال الطريق تتأمل معالم القاهرة وناسها وتشعر أن هذا البلد سيلعب دورا مهما في مسيرتها الفنية فمصر هي هوليوود الشرق التي انطلق منها عمالقة الفن في التمثيل والغناء.

كما أنها تتذكر بالحزن ندما تركت مصر البلد الذي استقبل العشرات من الفنانين العرب لتبدأ شهرتهم وتتحقق نجوميتهم على أرضه.

وبدأت وردة تعدد أسماء بعض الذين احتضنتهم مصر على مر السنوات من كل أنحاء الوطن العربي مثل صباح وعبدالسلام النابلسي وسعاد محمد ونور الهدى وماري كويني وآسيا داغر ونجاح سلام ووديع الصافي وأسماء عديدة أخرى انطلقت شهرتهم من مصر وكانوا على موعد مع النجومية فيها.

هم جاءوا إليها وهي تغادرها.. هم صنعوا بها تاريخا ولكن يبدو أنها ستكون على هامش التاريخ والغناء والنجاح.. هم حققوا أحلامهم لكنها أحيلت أحلامها إلى ساحة الإعدام.

أما السؤال الذي كان يحيرها ويشغل بالها ويحتل مشاعرها فكان: من هو زوج المستقبل الغامض الذي ينتظرها في الجزائر؟

تسافر وردة وتترك قلبها في مصر.. تترك ذكريات قليلة لكن عميقة ومؤثرة.. تترك قلباً أحبها وفشل في الارتباط بها.. تترك وعودا من ملحنين ومؤلفين بأغان جديدة تغنيها في أكثر من مناسبة.. وكذلك تترك السينما التي بدأت فيها بقوة من خلال شخصية ألمظ التي توحدت معها وكانت بداية شرارة شهرتها.. وتودع ذكرياتها مع فيلم “أميرة العرب” الذي رشحها لتكون أميرة الطرب وتترك بليغ حمدي في انتظارها.

أغنية: ماخترناش

كلمات: عبدالوهاب محمد

ألحان: حلمي بكر

غناء: وردة الجزائرية

مااخترناش نعشق بعضينا ... مااخترناش

ده المكتوب اتحكم فينا .... ما اخترناش

بخت .. وقسم .. ونصيب لا قصد ولا ترتيب .. نصيب

ما إحنا ياعيني بينك ومابيني .... ماقصدناش

واهو كده يبقى الحب حقيقي .. والا بلاش

وعد علينا .. ومش بايدينا

هو كدة الحب ياروحي كده .. يا أما بلاش

كدة كدة كدة هو .. يا أما بلاش

سيبك بقى سيبك .. أي والله سيبك

سيبك بقى من قولت النظرة والإعجاب

سيبك أيوه .. والله سيبك

والا سلامنا .. والا كلامنا عن الأحباب

والا لقانا .. بروح ولهانة دول أسباب

واللي مقدر منا .. أكيد مهما تقدر والا اتحس

يبقى سؤال ومالوهش جواب

ماتقولش إحنا اخترنا لروحنا .. إحنا مانملك حاجة لروحنا

واللي جمعنا .. جمعنا .. جمعنا .. قدر غلاب

أنا من أول مرة صادفتك .. زي ما أكون في خيالي قابلتك

قبل كدة سنين وسنين .. سنين وسنين

وأنت كمان حسيت م الأول .. أنك تعرفني .. م الأول تعرفني

وكأننا سوا .. سا .. سوا متواعدين .. متفاهمين بالأشواق

وكأننا سوا متفاهمين .. متوافقين ع الأذواق

مين قدمنا لبعض .. محدش غير شعور قلبين هايمين

ونصين كملوا بعضيهم .. ومادريوش مين حق لمين

ليه .. اخترتني من ملايين

ليه .. ليه .. ليه اخترتك من ملايين

بخت .. وقسم .. ونصيب .. نصيب

لاقصد ولاترتيب .. نصيب

ما إحنا ياعيني .. بينك وما بيني مقصدناش

واهو كده يبقى الحب حقيقي .. والا بلاش

كده .. كده .. كده .. هو , هو .. يا إما بلاش

زواج على طريقة «ماما»

يبدو أن زواج وردة الأول كان على النمط ذاته الذي تزوجت به أمها، فقد كان زواجاً أشبه بعملية اختطاف، فحين غادرت وردة القاهرة إلى الجزائر استعداداً للزواج، كانت تشعر أنها مخطوفة من أحلامها وأيامها التي تتمناها.. مخطوفة من دنيا ملأت عليها حياتها ومنحتها الكثير من البهجة والفرحة وعندما اقتربت منها ابتعدت عنها.. مخطوفة من الفن الذي كانت تهِب له كل اهتمامها وحبها.

وتتذكر كيف تزوج والدها من والدتها “نفيسة يموت”، وكيف كانت والدتها تضحك معها وتقول لها: أبوك خطفني.

فتسألها بعفوية ودهشة: خطفك إزاي يا ماما؟

فتجيب: ماعرفش.. أنا فجأة لقيت نفسي متجوزاه.. ودايما كنت بأسأل نفسي إزاي الجزائري ده أتجوز من لبنان مش من الجزائر.

وأيه اللي خلاه يفكر في الجواز مني؟

أبوك اتحدى الدنيا كلها واخدني في دنيته ومن ساعة ما أتجوزته ما شفتش بلدي

أبوك كان بيدور عليّ من غير ما اعرف ولما أتجوزته عرفت معنى أن الجواز قسمة ونصيب ومكتوب علينا من قبل ما نتولد ومعروف حنتجوز مين من قبل ما نشوفه أو حتى نفكر في الجواز.

أبوك كان صعبا ورقيقا في نفس الوقت وكنت بأحبه وعشت معاه أياما حلوة وأياما مرة.. كان مناضلا وكان عاشقا من الطراز الأول.. يحب وطنه بصورة غير عادية وما كانش يستحمل أي حد يهين مشاعره الوطنية.. ورغم أنه كان عايش في باريس إلا أن قلبه كان في الجزائر وكان يتابع كل اللي بيحصل هناك وكأنه عايش في الجزائر، ولما يزورنا في المطعم أي جزائري يحتفل به احتفالا مش عادي لأنه بيشم فيه ريحة وطنه الغالي، وكان دايما يحكي لي عن ذكرياته هناك والأماكن اللي كان بيحب يروحها.

وتسأل وردة: إزاي اتقابلتوا وعرفتوا بعض؟

فترد والدتها: أبوك كان مع الجيش الفرنسي في لبنان ووقع في غرام البلد وفي اللبنانيات وقرر يتجوز واحدة لبنانية بنت عيلة (عائلة) ومن بيت ناس معروفين وفضل يسأل عن العائلات الكبيرة المعروفة في لبنان وولاد الحلال قالوا له (عيلة يموت) من أشهر العائلات في لبنان وهي عائلة حسب ونسب وأي حد يتمنى يتجوز منها وبعد كده لقيت نفسي عروسة من غير ما أشوف عريسي إلا في ليلة الزفاف بعد ما اتفق والدك على كل الإجراءات مع عيلتي وأنا ولا كأني هنا.

إنها نفس الطريقة ونفس الأسلوب ونفس التجربة تتكرر مرة أخرى.

فها هي وردة في طريقها للزواج عام 1962 من شخص لا تعرفه وستبدأ معه صفحة جديدة في حياة لا تعلم تفاصيلها وأيام لا تدري كيف ستمر بها.. ربما يسعدها ويستطيع أن ينسيها عشق الفن والغناء وربما يفشل في أن يمحو علاقتها بالفن فهو بالنسبة لها شخص مجهول سيأخذها إلى عالم مجهول، تدعو الله في كل لحظة أن يكون مليئا بالأمن والأمان والراحة والسعادة.

حكاية أول لقاء بين وردة وبليغ حمدي في مكتب حسن الشجاعي بالإذاعة

من العريس الذي ينتظر وردة في الجزائر واختارته لها الأسرة؟

إذاعة صوت العرب تكلفها بتسجيل أغنيات لدعم القضية الجزائرية

وردة تسافر وتترك قلبها في مصر
back to top