علاقاتك... صحّح مسارها!

نشر في 30-05-2016
آخر تحديث 30-05-2016 | 00:00
No Image Caption
مطلب بسيط أم استبداد؟ غيرة عابرة أم تملُّك مزمن؟ ميل إلى تعميق العلاقات أم محاولة تطفّل؟ مع الأولاد والشريك والأصدقاء، لا يسهل دوماً فهم السلوكيات الطاغية...
قد يرغب الأهالي المتسلطون في معرفة كل شيء عن أولادهم، فيفضّلون أن يكونوا واضحين في تصرفاتهم وعواطفهم وأحاسيسهم. لكنهم يريدون في لاوعيهم أن يحتفظوا بهم لنفسهم ويبرمجوهم بما يتماشى مع حاجاتهم وتوقعاتهم الشخصية. يعكس هذا السلوك خوفاً من الانفصال عنهم والشعور بفراغ الحياة وعجزاً لاواعياً عن اعتبار الطفل كياناً بحد ذاته. يتبلور هذا الميل عبر فرض سلطة صارمة وباردة، أو إسقاط العواطف، أو تبني سلوكيات خانقة، أو اللجوء إلى الابتزاز العاطفي، أو إنكار الاختلاف بين الأجيال، أو فرض سلطة تستعبد الطفل.

يعجز الطفل الذي يعيش في ظروف مماثلة عن تحديد رغباته الشخصية، فترتكز حياته النفسية على إسعاد أبويه وطمأنتهما وإرضائهما ويكون شعوره بالذنب بمستوى فشله النرجسي. لا يكفّ هذا الطفل عن التساؤل عن صحة سلوكياته ويستثمر كامل طاقته لتعديل شخصيته وكبت انفعالاته العدائية. قد تتحوّل هذه الاضطرابات في مرحلة لاحقة من حياته إلى مظاهر الكبت أو التسلّط.

مراجعة الماضي

ربما اضطر الأهل المتسلطون في طفولتهم إلى كبت مشاعرهم أو ربما تأثروا بعلاقات خانقة مبنية على التماهي. حين تنظر إلى طفولتك الخاصة من هذا المنظار وتراجع تاريخك الشخصي، وحدك أو بمساعدة معالج نفسي، قد تتمكن من تخفيف الضغوط الداخلية (بسبب كبت العدائية) وترك مسافة صحية مع أولادك. عملياً، يجب أن تحترم مساحتهم الخاصة (الجسدية والعاطفية والجغرافية) بحسب عمرهم وشخصيتهم.

العلاقة الزوجية

حين تعامل الشريك وكأنه طفلك (أي تحاول تلبية جميع رغباته وحاجاته) أو تعبّر عن غيرة مفرطة أو تسيء معاملته عبر الاستخفاف به، يعني ذلك أنك شريك متسلّط وتحاول في لاوعيك تقليص المسافة الجسدية والعاطفية والرمزية مع الطرف الآخر. تسعى بذلك إلى إعادة إحياء التماهي الأصلي الذي عشتَه أو التعويض عن علاقاتك الشائبة الأولى. في بداية العلاقة، لا يسهل التمييز بين التعبير عن الشغف في الحب والرغبة في فرض السيطرة. تكون سلوكيات التماهي والغيرة والأفكار والمشاعر الهوسية شائعة بالنسبة إلى الطرفين. لكن لا تتّضح السلوكيات {المتسلّطة} إلا مع مرور الوقت. نتيجةً لذلك، قد تتبع العلاقة الزوجية مساراً مبنياً على طرف متسلّط وطرف مغلوب على أمره لأسباب مرتبطة بتاريخ كل طرف، أو يحدد الطرف المتسلّط دينامية العلاقة ويتحمّل الطرف الآخر العواقب. قد تتكرر الخلافات في هذه الحالة وسرعان ما يصبح الهرب الحل الوحيد أمام الطرف الذي يتعرّض لسوء المعاملة.

توسيع هامش الاستقلالية

يجهل الشريك المتسلّط حاجاته الحقيقية ورغباته الخاصة، فيسخّر كامل طاقته لتحقيق هدف وهمي ويظن أن الطرف الآخر سيستغل الفرصة للرحيل إذا تساهل معه. أو قد يظن أنه يستطيع إقامة علاقات عميقة عبر تلبية حاجاته العاطفية الأولية. لكن تتعدد الوسائل التي تسمح بترسيخ شعور الأمان الداخلي وتصحيح الصورة المشوّهة التي تحملها عن نفسك، مثل تطوير اهتمامات شخصية والاعتناء بالحاجات الجسدية والخضوع لعلاج نفسي.

العلاقة مع الأصدقاء والزملاء

يمكن السيطرة على الآخرين بطريقتَين. يطوّر الشخص الذي يبدو متسلطاً بكل وضوح في علاقاته روابط عاطفية جداً في محيطه المهني وبين أصدقائه، لكنها ترتكز أيضاً على الهيمنة ومبدأ {من ليس معي فهو ضدي} وتسبّب سلوكياته الخلافات أحياناً. أما الشخص المتسلّط ضمناً، فيتبنى مقاربة معاكسة ويحاول التماشي مع الوضع القائم من حوله والسير مع التيار ولا يجازف مطلقاً بمواجهة خلاف أو رفض من الطرف الآخر. يكسب المتسلّط الصريح التقدير والخوف أكثر من الحب، ما يجعله يعاني ويزداد عدائية. أما المتسلّط الضمني، فيعاني بصمت لأنه لا يحظى بما يكفي من التقدير أو الاحترام.

في اللاوعي، يريد الفرد المتسلّط في علاقاته أن يبقى وفياً لروابطه مع والديه ويسعى إلى تحقيق ذلك عبر التماهي مع والده المتسلّط، فيتطفّل على حياة الآخرين ويسيطر عليها (من خلال مبادرات ودّية أحياناً!). أو يمكن أن يتمسّك بدور الطفل الذي يكبت عواطفه ورغباته ويعجز عن إقامة علاقات صادقة ومنصفة، فيسعى إلى إسعاد الآخرين لكسب حبهم. في الحالتين، يشعر الفرد بأنه مضطر إلى البقاء على مسافة من الطرف الآخر الذي يشكّل مصدر تهديد محتمل ويحرص على فرض سيطرة عاطفية معينة عليه وضمان استمرارية العلاقة.

تخفيف التركيز على الذات

يكون الشخص المتسلّط في علاقاته معتاداً على تعريف نفسه من خلال نظرة الآخرين إليه ولا يستوعب بسهولة أنه ليس محور العالم. على سبيل المثال، لا يكنّ له الصديق الذي لا يكلّمه باستمرار مشاعر سيئة كما يظن بل يواجه مشاكله الخاصة. ولا يسعى الزميل الذي لا يدعم مشروعه إلى مهاجمته شخصياً بل يدافع عن رأي آخر بكل بساطة. في ظل مشاعر التهميش أو الحزن أو الغضب التي تترافق مع هذه السلوكيات، لماذا لا تتدرّب على إعداد لائحة بدوافع الناس المحتملة وتحاول عدم إبداء خيار على آخر؟ بالنسبة إلى الشخص المتسلّط ضمناً، يجب أن يثبت نفسه (أذواقه، آراءه، حاجاته) أمام أشخاص يثق بهم لتحديد أولوياته بطريقة آمنة.

شهادة

ناديا (40 عاماً)، راقصة باليه محترفة: {كلما تحسّنت تقنيّتنا، يتوسع هامش حريتنا!}.

{في صغري كنت أحب الانضباط، أي تلك العملية المتأنّية التي تمهّد لتحسين مستوى البراعة. في مدرسة الرقص كنت أظن أنني أستطيع تشغيل مشاعري لاحقاً بعد إتقان الحركات. لم أشأ أن تشوّش العواطف على أدائي. لكن برزت مفارقة كبرى في هذه التجربة: كلما تحسنّت تقنيتنا، يتوسع هامش حريتنا!

سرعان ما تَشْغَل العاطفة مساحة متزايدة من الأداء، حين تصبح مدعومة بمهارة عالية المستوى. يسمح إتقان عمل معين بإطلاق العنان للذات. شعرتُ بذلك للمرة الأولى حين كنت في عمر الثانية عشرة. في أحد الأيام، شغّلت أستاذة الرقص الموسيقى وبدأتُ أرتجل الحركات واستسلمتُ للعواطف التي كنت أتجنبها. منذ ذلك الحين، أشعر أنني أعيش تبادلاً متواصلاً بين الإتقان والاسترخاء. يدعم هذان العاملان بعضهما في حياتي العاطفية والمهنية في آن. لكن اضطربت جوانب عدة من حياتي بعد إنجاب ولدَيّ. جعلتني تلك التجربة أكتشف معنى الخوف.

منذ ذلك الحين، يصيبني الهلع قبل الصعود إلى المسرح. لكن بدل محاربة ذلك الشعور، أحاول التكيّف معه. تساعدني اليوغا في هذا المجال كونها ترحّب بفيض العواطف. على مر السنين، أدركتُ أن فرض السيطرة ليست ضرورياً بل يجب تبني سلوك صائب في كل ظرف من الظروف}.

back to top