أيامنا الحلوة... والإسلام السياسي!

نشر في 29-05-2016
آخر تحديث 29-05-2016 | 00:18
 عبدالمحسن جمعة في مقالتي السابقة التي تناولت فيها دور الإسلام السياسي في مشاكل الأمة وخرابها، في معرض تعليقي على قرار حركة النهضة الإسلامية السياسية التونسية بالتحول إلى تنظيم مدني، وفصل العمل الدعوي عن السياسي، تلقيت بعدها عدة تساؤلات من مناصرين لنهج العمل الإسلام السياسي يتساءلون فيه عن حالة الأمة قبل انتشار الإسلام السياسي، أو ما يسمونه بـ"الصحوة".

وهو تساؤل مشروع يجب أن يكون لدى من ينتقد خلط الدين بالسياسة في العالم الإسلامي إجابة عنه، والرد أنه في عالمنا العربي والإسلامي كانت في القرن التاسع عشر بداية حقبة الحداثة، ونشأت الدولة المدنية، التي كان أبرز مظاهرها حقبة محمد علي باشا الكبير في مصر، وتلاها العراق بعد تكوينه الحديث في بدايات القرن العشرين، وعدة أقاليم عربية أخرى، فبدأت المصالح والوزارات والجامعات وكل مظاهر العصرنة، وبدأت حركات التحرر القومية العربية التي انتهت بثورات التحرير.

كان منتصف القرن الماضي أزهى فترات العالم الإسلامي، فتحررت الدول الإسلامية، وأنشئ كيان باكستان للمسلمين في شبه القارة الهندية، بينما كانت السلبية تأمر الغرب بخلق الجيب الصهيوني في فلسطين. عموماً كانت الدول الفتية في العالم العربي قوية بخطابها القومي، الذي كان يحيد النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية التي تمزقنا اليوم، نعم كان هناك عدوان في 1956، الذي انتصر عليه العرب لاحقاً، ونكسة عام 1967 التي جبرت ضررها حرب الاستنزاف، وبعدها انتصار حرب 6 أكتوبر 1973.

أيضاً شهدت تلك الفترة أخطاء سياسية، أهمها عسكرة السلطة، ووقف التطور الديمقراطي، ولكن كانت كل دول العالم الثالث حينئذ يحكمها العسكر من كوريا الجنوبية حتى الأرجنتين، مروراً بإفريقيا وإسبانيا، ولكنها تحولت إلى الديمقراطية والتعددية، بعد أن عاشت فترات انتقالية متفاوتة، في ما عدا الدول الإسلامية التي وجدت الأنظمة المستبدة في الإسلام السياسي ضالتها لمنع التحول الديمقراطي، فسلطته على شعوبها.

كانت مدننا العربية تتطور وتشع بمظاهر العصر من فنون وعمارة للمدن والتماثيل وأماكن الترفيه، وكذلك المدن الإسلامية مثل كراتشي، التي كان يتحدث آباؤنا عن جمالها وتنظيمها، وتحولت اليوم إلى مدن رعب، وساحة قتال بين الشيعة والسنة، فيما امتلأت طهران الخلابة بجبالها وأحيائها الراقية بالشعارات، وساحاتها بـ"كرينات" تنفيذ أحكام الإعدام و"الباسيج" بعد ثورة الخميني.

وفي عالمنا العربي، فإن أحاديث متولي الشعراوي المتواترة لم تجعل القاهرة، المدينة التي كانت تضاهي باريس وأثينا بنظافتها وجمالها، أنظف وأرقى بل ملأتها الأحياء العشوائية، و"التُّوك توك"، ومكبات النفايات مثل بيروت التي قسمتها الولاءات المذهبية الإسلامية إلى أحياء للميليشيات، وعندنا في الكويت لم تنتج رسائل عبدالرحمن عبدالخالق الدعوية إلا مزيداً من السياسيين الإسلاميين "الجمبازية" من شاكلة صاحب "كبت أمي".

هذا ما فعله بنا الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، حتى أصبحنا محل شك في كل مكان في العالم وإرهابيين وطائفيين، وانفض العالم من حول الحركة النضالية الفلسطينية بعد تلونها بالرموز الدينية، وأصبحنا الدول الوحيدة في العالم الحديث التي تربط إدارة شؤونها بالعقيدة الدينية، وتنتشر في إقليمنا المذابح والقاتل والمقتول، فيها يصيح كلاهما "الله وأكبر"... وهجرتنا "أيامنا الحلوة".

back to top