الإعلام... «مسيح دجال» هذا العصر!

نشر في 28-05-2016
آخر تحديث 28-05-2016 | 00:00
 محمد صالح السبتي إذا صحت الرويات حول ظهور المسيح الدجال في آخر العصر، فلا أظن إلا أن الإعلام وهذا الانفجار التكنولوجي الذي يملأ العالم ضجيجاً، سواء في سهولة إنشاء المواقع الاعلامية ونشرها أو في مواقع التواصل التي كنا نسميها «اجتماعية»، وباتت بالتأكيد ليست اجتماعية... لا أظن إلا أن الإعلام هو المسيح الدجال!

تذكر الروايات عن المسيح الدجال أنه «أعور» يرى بعين واحدة، يخرج في آخر الزمان، ويؤتى صفات خارقة... يأمر السماء فتمطر، والأرض فتعشب، ويفتتن به كثير من الناس، يصدقونه ويتبعونه، والإعلام الآن يحمل ذات الصفات تماماً!

أنت عندما تقرأ أو تسمع أو تشاهد الخبر في أي من المؤسسات الإعلامية فإنك لا تتلقاه مجرداً أبداً، بل يعرض عليك كما يريد أصحاب هذه المؤسسة الإعلامية أو تلك! كما يصوره لك هؤلاء ويصوغونه لك، وقد يفبركونه أو يفبركون حوله ما يشتهون من أجندات سياسية أو اجتماعية! كل المؤسسات الإعلامية دون استثناء تنقل الخبر كما يحلو لها وكما تريد هي لا كالوقع! في عالمنا العربي خاصة هذه الظاهرة أو هذا التوجه والتوجيه مفضوح فاضح ينقصه كثير من المهنية الإعلامية، إن لم يكن يفتقدها نهائياً! تذكّر أن المسيح الدجال أعور... والمؤسسات الإعلامية أيضاً عوراء مثله ترى بعين واحدة فقط!

«يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتخرج عشبها»... هكذا وردت الروايات عن الصفات الخارقة التي يبتلي بها الله عز وجل عباده بعدما يؤتيها المسيح الدجال... وهكذا يفعل الإعلام اليوم... الإعلام باستطاعته تحويل الأباطيل لحقائق والعكس صحيح، فيما يعرف بسياسة القطيع التي تؤثر علينا جميعاً، الكل يتأثر بالسياسة العامة التي يسمعها أو يشاهدها ويتبعها كما تتبع الخراف القطيع... وللأسف فإن الإعلام اليوم لم ينجُ من هذه السياسة، فقليل من مؤسساته لها سياستها الخاصة، بل هي أيضاً لها قطيع تتبعه وتمشي بدروبه دون وعي أو فطنة!

في علم الطهارات هناك ما يسمى بـ»المكاثرة»، وتعني أن بعض النجاسات يتم تطهيرها بسكب ماء طاهر عليها أكثر كمية منها وهكذا تطهر هذه النجاسات... عند مسيح دجال هذا العصر ذي السياسة! كاثر الحقائق بالأباطيل ينطمس نور الحقيقة، أو على الأقل تصبح الحقيقة كما الباطل محل شك عند المتلقي... بالمكاثرة! إذا أردت خدمة أجندةٍ ما فاصنع حولها أخباراً وصوراً وتقارير حتى لو كانت مكذوبة مفتعلة، لكنك في النهاية ستصل إلى نتيجة تجعلها في مصاف الحقائق!

هناك إشكالية أخرى تزيد هذه المسألة تعقيداً مضافة إلى دور مسيح دجال هذا العصر، هي أننا كلنا نبني قناعاتنا وآراءنا وأفكارنا على ما نسمعه أو نقرأه في الإعلام، فهو مصدرنا الوحيد لتكوين هذه الآراء والقناعات، ولأنه - الإعلام - موجّه تماماً، فنحن نتبع هذا التوجه أردنا أم أبينا، ولأننا أيضاً في العموم الأغلب أحاديو التفكير فإننا في الأصل نبحث عما يوافقنا من آراء وتوجهات وكأننا ونحن نتابع الإعلام نبحث عما يؤكد قناعاتنا لا بحثاً عن الخبر والحقيقة!

حتى لو أراد أحدنا تمثيل دور المحايد بحثاً عن الحقيقة، فراح يتتبع المؤسسات الإعلامية ذات التوجهات المختلفة فإنه لن يصل إلى نتيجة الحقيقة أبداً، لسبب بسيط جداً أنه مهما بلغ فكراً متقدماً فلن يستطيع التمييز بين الحقيقة والأباطيل بسبب سياسة «المكاثرة»! الإعلام اليوم بكل مؤسساته يتم إنشاؤه من أجل خدمة الأجندات والتوجهات لا لنقل الخبر والحقيقة كما نظن!

المسيح الدجال حسب الروايات فتنة يفتتن بها البشر، ولا إخال الإعلام اليوم إلا كذلك، والمسؤولية تقع على عاتق الشخص المتلقي بإعمال نظريات التدقيق والتمحيص لما يتلقاه من أخبار، وهي مسؤولية صعبة عسيرة بلا شك!

back to top