انتصارات ونضالات الشركات البادئة في المنطقة العربية

نشر في 06-05-2016
آخر تحديث 06-05-2016 | 00:01
 سامي محروم أكبر النجاحات التي حققتها الشركات البادئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت على شبكة الإنترنت، حيث لم يُظهِر المشاركون الكبار الراسخون اهتماما مبكرا، وحيث الحواجز التي تحول دون الدخول منخفضة نسبيا، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الرأسمالي والقدرة على الوصول إلى السوق.

اجتذب مؤتمر ستِب (STEP) الذي أقيم في دبي أخيرا، وهو أكبر مؤتمر للمشاريع البادئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قدرا كبيرا من النشاط الإعلامي المكثف، وقد بدا الأمر وكأن هذا المؤتمر كان بمثابة الإشارة إلى بلوغ مشهد المشاريع البادئة في المنطقة سن الرشد، ولكن لا يزال أصحاب المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهون معوقات بنيوية خطيرة تحول دون تقدمهم.

لا ينبغي لنا التقليل من شأن النجاحات التي حققتها الشركات البادئة في المنطقة، فوفقا لمنصة التسريع الإقليمية ومضة (Wamda) هناك أكثر من 12 شركة بادئة، بما في ذلك بيت (Bayt)، وكريم (Careem)، وماركا في آي بي (MarkaVIP)، ونمشي (Namshi)، ونيوز غروب (News Group)، وبروبرتي فايندر (Propertyfinder)، ووادي دوت كوم (Wadi.com) ــ تُقَدَّر قيمتها الآن بأكثر من 100 مليون دولار أميركي. ومن المنتظر أن تصبح شركة سوق دوت كوم (Souq.com) التي تأسست عام 2005 ويعمل فيها نحو 3000 موظف، أول "يونيكورن" في المنطقة تتجاوز قيمتها المقدرة مليار دولار.

ولكن تظل البيئة الإقليمية رغم هذا غير مفضية إلى تعزيز روح المبادرة والمغامرة التجارية، فإلى جانب الحروب والإرهاب، والاضطرابات السياسية التي تجتاح العالَم العربي، ناهيك عن التحديات المعتادة التي تواجه أصحاب الأعمال خارج وادي السليكون، مثل الافتقار إلى رأسمال المخاطرة الكافي، أو الموهبة، أو البنية الأساسية، هناك العديد من المشاكل البنيوية العميقة الجذور.

تتعلق إحدى هذه المشاكل بالتركيبة الديموغرافية لروح المغامرة التجارية، فوفقا لإحدى الدراسات كانت المشروعات العائلية تمثل في عام 2011 نحو 70% من اقتصاد القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي حصة أعلى كثيرا من نظيراتها في أي منطقة أخرى. وهذا يعني أن شريحة كبيرة من مجتمع الأعمال تجمع الأموال، وتتقاسم رأس المال، وتدير عملياتها داخل دوائر اجتماعية صغيرة متماسكة.

ويبدو أن الحكمة التقليدية المتمثلة بالاعتماد على الأصدقاء وأفراد الأسرة والحمقى في مساعي إنشاء المشاريع الجديدة تُتَرجَم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى: "إذا لم تكن صديقا أو فردا من أفراد الأسرة، فلابد أنك أحمق". ورغم أن هذا ربما يساعد في احتواء المخاطر، فإنه يعمل أيضا على تعزيز ثقافة الأعمال الكارهة لخوض المجازفات. بيد أن الاستعداد لخوض المجازفات يشكل ضرورة أساسية للإبداع وريادة الأعمال، وعلاوة على ذلك يؤدي الإبقاء على الأعمال داخل الأسرة إلى تقليص قدرتها على تعطيل الأنظمة القائمة، حتى عندما تتمكن من الإبداع.

الواقع أن ثقافة الأعمال ذات التوجهات الأسرية أو "القَبَلية" هذه نتاج لتاريخ طويل من الأنظمة القضائية التجارية غير الفعّالة، وبرامج التأميم التعسفية، والافتقار إلى الحوكمة الفعّالة للشركات، ورغم نجاح أغلب الدول في إدخال التحسينات على هذه الجبهات، فإن تقاليد الأعمال القَبَلية تظل راسخة، وسوف تستغرق إزاحتها بعض الوقت.

ولكن من الممكن اتخاذ الخطوات الآن للمساعدة في تخفيف بعض المشاكل المرتبطة بثقافة الأعمال، مثل الافتقار إلى المتاح من رأسمال المخاطرة الكافي لأصحاب المشاريع الجديدة. ففي لبنان على سبيل المثال، أطلق البنك المركزي مبادرة غير مسبوقة لدعم المشاريع البادئة تحت مسمى (Circular 331)، والتي من خلالها يضمن البنك ما يصل إلى 75% من رأسمال المخاطرة الذي تتيحه البنوك المحلية، والذي يعادل نحو 3% من أصولها، ومنذ إطلاق البرنامج في عام 2013، نجح في توليد أكثر من 400 مليون دولار من رأسمال المخاطرة.

يكمن عائق كبير ثان يعرقل ريادة الأعمال الإبداعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الطريقة التي تدير بها الحكومات دورها الحاسم كعملاء. فمن خلال شراء السلع والخدمات، التي تشكل نحو 10% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتقدمة ونحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النامية، تستطيع الحكومات أن تخدم كمحركات مهمة للنمو والإبداع. وينبغي لنا أن نتذكر أن المحرك لنشأة وادي السليكون ونموه كان العقود والمشتريات الحكومية.

ولكن في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تميل شروط ممارسة الأعمال مع الحكومة، بما في ذلك متطلبات المناقصات، وجداول السداد، والمطالب البيروقراطية، إلى حرمان الشركات الصغيرة (التي تتألف من 10 إلى 50 موظفا) من المشاركة. ومع عجز الشركات الصغيرة عن الوصول إلى سوق السلع والخدمات العامة، فإنها لا تتمكن من اغتنام فرص كبرى للنضج والتوسع، مما يحد من قدرتها على تحفيز النمو الاقتصادي الأوسع والتنمية.

يتعلق عائق ثالث رئيس يحول دون ريادة الأعمال المبدعة في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنية الصناعية، ويمثل البناء، والخدمات المصرفية، والاتصالات، والسياحة، والتصنيع التقليدي حِصة كبيرة من اقتصاد القطاع الخاص في المنطقة، وتميل الشركات في هذه الصناعات ليس فقط إلى كونها ذات ملكية أسرية، فهي أيضا كبيرة في الحجم وثقيلة في استثمار رأس المال، وهي لا تنظر إلى الشركات البادئة عادة باعتبارها شركاء عمل استراتيجيين محتملين.

ويعني كل هذا ضمنا حواجز مرتفعة تحول دون دخول الشركات الجديدة، التي تواجه النقص الشديد في الفرص لتعطيل القديم أو التدوير أو حتى الاستفادة من الصناعات الكبرى، وحتى الشركات البادئة التي تحقق بعض التقدم الأولي تواجه صعوبات جمة في توسيع مشاركتها في قطاع الأعمال من شركة إلى شركة. ومن غير المستغرب في هذه الصناعات الرئيسة أن تميل ريادة الأعمال المعطلة للنظم القائمة والإبداع إلى الوصول ببطء وفي وقت متأخر. ورغم أن الاتصالات تُعَد استثناء في هذا السياق، فإن حتى تطورها يواجه العراقيل من التنظيمات الحكومية.

كانت أكبر النجاحات التي حققتها الشركات البادئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على شبكة الإنترنت، حيث لم يُظهِر المشاركون الكبار الراسخون اهتماما مبكرا، وحيث الحواجز التي تحول دون الدخول منخفضة نسبيا، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الرأسمالي والقدرة على الوصول إلى السوق. والواقع أن أغلب الشركات الناجحة في هذا المجال تبيع مباشرة إلى المستهلكين وتدير معاملاتها عن طريق خدمات الدفع الرقمية التي تمكنها من تجنب الحواجز التي تعرقل المعاملات، مثل القواعد التنظيمية الحكومية الخاصة بالمشتريات والرسوم المصرفية المرتفعة.

الحق أن التقدم الذي تمكنت مثل هذه الشركات البادئة من تحقيقه يسلط الضوء على قدرتها على قيادة الإبداع وتوليد النمو الاقتصادي، وينبغي لها بالتالي أن تخدم كحافز قوي لحكومات وشركات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتغيير نهجها، وعلى وجه التحديد ينبغي للحكومات أن تبذل المزيد من الجهد لزيادة الإنفاق لدعم المشاريع الجديدة المبدعة، في حين يتعين على الشركات الراسخة أن تفتح عملياتها وتتعاون مع الشركات البادئة لتوسيع أنشطتها الإبداعية التي يمكنها أن تضخ الدينامية في شرايين الأسواق.

إن الشركات البادئة مراكز ثابتة للإبداع ومحركات مؤكدة للنمو الاقتصادي، وتشغيل العمالة، والتنمية، وقد حان الوقت كي تحقق دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعظم قدر ممكن من الاستفادة من هذه الإمكانية.

* مدير مبادرة الإبداع والسياسة في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (INSEAD)، وهو مؤلف كتاب Black Swan Start-ups: Understanding the Rise of Successful Technology Business in Unlikely Places.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top