رأي: انخفاض أسعار النفط: الأسباب والنتائج والتحديات

نشر في 29-04-2016
آخر تحديث 29-04-2016 | 00:01
 د.وفاء سبيتي أدى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية إلى حالة من الارتباك على مستوى العالم، خصوصاً في دول الخليج، التي تعتمد اقتصاداتها وموازناتها العامة بشكل أساسي على العوائد النفطية، فتحركت هذه الدول سريعاً إلى إعادة النظر في مصادر دخلها وإنفاقها وإعلان سياسات ورؤى مستقبلية لتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل.

قبل الخوض في النتائج والتحديات المصاحبة لانخفاض أسعار النفط نستعرض بعض الأسباب، التي ساعدت على هذا الانخفاض.

أولاً: عودة إيران إلى الساحة النفطية الدولية، لاشك أن توقيع الاتفاق النووي الإيراني في الرابع عشر من يوليو عام 2015 بين إيران والولايات المتحدة، والذي تمت بموجبه إزالة العقوبات الدولية عن إيران أدى إلى عودة إيران وإنتاجها حوالي 3.6 ملايين برميل نفط يومياً، مما أدى إلى وجود فائض كبير في المعروض النفطي، وسط شبه ثبات في الإنتاج العالمي.

ثانياً: زيادة الإنتاج من الدول غير النفطية، واستمرار الجهود الرامية إلى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، على الرغم من تكلفة إنتاجه العالية، وبالفعل حسب تقرير صادر من إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الولايات المتحدة زادت من وتيرة إنتاجها، التي بلغت 9.2 ملايين برميل يومياً في 2015 مقارنة بـ7 ملايين برميل في 2013، وارتفاع المخزون الأميركي إلى نحو 400 مليون برميل.

ثالثاً: من المعروف أن هناك ارتباطاً عكسياً بين سعر النفط وقوة الدولار، وبما أن النفط مسعّر بالدولار لاشك أن قوة الدولار تؤثر سلباً في أسعار النفط، فوجود دولار قوي مع تجميد من جانب منظمة «أوبك» للإنتاج، فإن ارتفاع الدولار كفيل بتخفيض أسعار النفط.

رابعاً: الركود الاقتصادي العالمي، وتباطؤ معدلات النمو أثر بشكل كبير في أسعار النفط، فالاقتصاد الياباني والروسي يشهدان ركوداً ملحوظاً أما الصين والهند والبرازيل فتشهد معدلات نمو هي الأبطأ منذ سنوات. السبب الأخير والأهم، هو سياسة منظمة أوبك، لاشك أن الدور، الذي تلعبه سياسة منظمة الأوبك في تحديد سعر النفط مهم وكبير، فبمجرد أن تعلن أنها لن تسعى إلى تخفيض الإنتاج، لكي تدعم الأسعار، فإن سعر النفط سينخفض أكثر فأكثر، فدول «أوبك» مجتمعة تنتج حوالي 31 مليون برميل يومياً، مما يعني أنه حتى لو تم تخفيض الإنتاج، فإن ذلك لن يدعم ارتفاع الأسعار، وهنا طبعاً يبرز دور المملكة العربية السعودية اللاعب المهم والأكثر تصديراً للنفط في العالم (حوالي 11 مليون برميل يومياً) والتي تعتبر أنه ليس من مصلحتها تخفيض الإنتاج لحماية حصتها السوقية.

دول الخليج حالياً تواجه تحديات انخفاض أسعار النفط، فالمطلوب منها إعادة النظر في كيفية إدارتها للعوائد النفطية، وأيضاً كيفية إنفاقها. المعروف أنه في السنوات القليلة الماضية، عائدات النفط كانت ضخمة مع وصول سعر النفط الى 147 دولاراً عام 2014، فالعوائد كان لها الدور الكبير في أن دول الخليج توسعت في الإنفاق العام على قطاعاتها الحيوية كالتعليم والصحة والدفاع، ورفع أجور القطاع العام. حالياً وقد فقد النفط حوالي 60 في المئة من قيمته مقارنة مع أسعار 2014 سارعت دول الخليج إلى قرع أجراس الإنذار، بأنه يجب ربط الأحزمة، وأن الضرائب آتية لا محالة عاجلاً أم آجلاً، فمن السعودية، التي سارعت إلى إعلان خطة ورؤية اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط مع عام 2020، وإعلان خصخصة شركة «أرامكو» التي تعتبر من أغلى الشركات على مستوى العالم، ورفع سعر البنزين بحوالي 50 في المئة، مع رفع الرسوم على الكهرباء والماء إلى الكويت، التي أعلنت حزمة من الإجراءات من رفع الدعوم إلى تقليص النفقات، ومثلها عمان، التي أعلنت مجموعة من إجراءات التقشف، فالجميع بدأ بإعلان سلسلة من الإجراءات اختلفت درجتها من بلد إلى آخر، لكن هدفها الأساسي خفض الإنفاق.

دول الخليج تستطيع أن تتأقلم مع انخفاض أسعار النفط على المدى القصير، لكن التأقلم على المدى الطويل سيرتبط بمدى قدرتها فعلياً على تنويع قاعدتها الاقتصادية أي إن تأثير انخفاض أسعار النفط في المدى القصير سيكون محدوداً، فدول الخليج تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم مع الإشارة إلى أن تكلفة إنتاج البرميل لديها هي الأرخص عالمياً أيضاً دول الخليج تمتلك الصناديق السيادية، والتي تدير أصولاً مقدارها 2.5 تريليون دولار أي ما يعادل 37 في المئة من مجموع أصول الصناديق السيادية في العالم، والتي يمكن أن تلجأ إليها في حال الحاجة.

دول الخليج أيضاً تتمتع بقاعدة مالية قوية نظراً إلى ما تمتلكه من عائدات تكونت على مدى سنوات من ارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى أن معدلات الاقتراض لديها تكاد تكون شبه معدومة، بل هي المقرضة في كثير من الأحيان لكثير من الدول، ولو افترضنا أنها اضطرت إلى إصدار سندات دولية، فسيكون ذلك أمراً يسيراً، ففي ظل هذه العوامل نستطيع القول إن دول الخليج قادرة على الصمود في وجه العاصفة «weather the storm» حتى لو واجهت عجزاً في السنوات القليلة المقبلة.

هذا في المدى القصير، أما في المدى الطويل، يمكن أن يكون انخفاض أسعار النفط فرصة جيدة لدول الخليج أن تعيد النظر بشكل أعمق في قاعدتها الاقتصادية ووضع الإصلاحات الاقتصادية موضع التنفيذ بالإضافة إلى إعادة النظر في تركيبتها السكانية، فدول الخليج تعاني خللاً في التركيبة السكانية، فمن المعروف أن نسبة الأجانب في دول الخليج مرتفعة مقارنة مع عدد السكان، بالإضافة إلى أن نسبة عالية من الموظفين يعملون في القطاع الحكومي، فالقطاع الحكومي في الكويت والسعودية، على سبيل المثال، يوظف نحو 90 في المئة من المواطنين  فهذا الوضع يشكل تحدياً كبيراً. إذن التنويع الاقتصادي مهم جداً وإشراك القطاع الخاص أيضاً مهم للتمكن من معالجة هذا الخلل، فالنجاح الاقتصادي على المدى الطويل، سيتوقف بشكل كبير على مدى قدرة هذه الدول على التنويع الاقتصادي ووضع السياسات المعلن عنها حالياً والخطط والرؤى الاقتصادية المعلن عنها حالياً موضع التنفيذ والتطبيق.

*  أستاذة التمويل في الجامعة الأميركية في الكويت

back to top