منظور آخر: معاناة اللاجئين وحفلات الأعراس

نشر في 26-05-2016
آخر تحديث 26-05-2016 | 00:00
علمتني أسفار التطوع أن أكره البذخ من أجل البذخ، وأتفكر بهؤلاء الذين توزعوا بهذه المستديرة دون أن يعرفوا ماذا يخبئ لهم الغد، وليتنا نتفكر قليلا قبل أن نصرف المال، فقط من أجل إشهار مظاهر الترف وحيازة إعجاب الآخر الذي غالبا لن يعجبه شيء.
 أروى الوقيان كان يوماً طويلاً قضيته في أورفا التركية الواقعة بالقرب من الحدود السورية التركية، كنت قد زرت مع فريق "تراحم" التطوعي صباحا منطقة نائية تسكنها 100 عائلة، نزحت أقدمها منذ سبعة شهور من سورية، في رحلة سريعة بين الخيم والبيوت الخشبية التي صنعت يدوياً، ومناظر تجعلك ترى كيف يمكن لشخص كان يعيش في منزل بات يسكن خيمة أو بيتاً من حطام أو جمع بقايا خشب ليشكل له داراً صغيرة يسكنها مع صغاره.

حياتهم في ريف أورفا تحديدا تعتبر تحدياً كبيراً، يعيشون في ما يشابه العراء، لا يمتلكون من الحياة سوى قطعة قماش قد تسترهم وقد لا تستر شيئا، حياة تحت مستوى الفقر بمراحل، وحين بادرت بالسؤال عن دورات المياه وكيف هي الخدمات الصحية أجابوني باستغراب لا نملك أساسا دورات مياه!

حين تستشري الحرب في بلدك فتضطر أن تهرب مشيا لأقرب أرض تحتضنك فقط لتحميك من الموت تأكد أنك ستعيش تحت خط الفقر، وأحيانا فعلا لا تملك الدول المضيفة سوى أن تقدم لك قطعة أرض لن تقتل فيها ولكن لا يوجد أي امتياز آخر فيها، ولولا القلوب الرحيمة وبعض اللجان الخيرية لما استطاع أي شخص الوصول إلى هؤلاء المساكين لا سيما النازحين حديثا.

حين تتفكر قليلا بالحياة تكتشف ألا شيء ثابت، من الممكن جدا أن تكون يوما في مكان هذا اللاجئ الذي فقد وطنه في زمن غير متوقع. وأن تشعر بالآخر فهو امتياز لا سيما في السنوات الخمس الأخيرة، حيث كثرت الحروب وكشّرت المآسي عن أنيابها بشكل بات طبيعياً جدا بدرجة مخيفة.

بعد هذا اليوم الشاق أقيمت حفلة لـ200 يتيم بالتعاون مع جمعية "عطاء" للإغاثة والتنمية وهي جمعية تهتم باللاجئ السوري في تركيا، وهي أساسا جمعية سورية تحظى بدعم كويتي.

حفل بإمكانات متواضعة، كان الأطفال يتخاطفون سندويشات الشاورما ويرقصون على أغاني حمود الخضر، بدا الجميع سعيداً إلا أن طفلة اقتحمت سكوتي والتزامي بالمراقبة من بعيد، تدعى عالية وقبلتني وبدأت هي وأخوها ضياء يتبادلون أطراف الحديث معي، قالت عالية وهي ذات التسعة أعوام إنها تمكث في تركيا منذ ما يقارب خمس سنوات، ممتنة لهم ولكن قالت لي "يا خالة ما نحن سوى ضيوف يجب أن نعود لوطننا يوما!".

الأطفال السوريون يدرسون بشكل غير رسمي، إذ أغلب مدرسيهم هم لاجئون سوريون أيضا، لذا فتعليم الكثير منهم متواضع وآخرون لم يحظوا بأي فرصة للتعليم أصلا!

المستقبل مخيف، حين أتفكر في مستقبلهم لا أجد أي بادرة إيجابية، أحلم أن يكون القادم أفضل، ولكن مع كل أسف جميع المعطيات تقول إن ملايين اللاجئين سيعيشون بطريقة غير طبيعية!

بعد 12 ساعة من العمل التطوعي والصحافي مع فريق من الشابات الكويتيات قررت أن أسترخي، وأن أقضي بعض الوقت في الراحة ومشاهدة "سناب تشات"، وبدون قصد آلمتني مشاهدة هذا العرس الذي صرفت فيه أسرة خليجية الملايين في استضافة فنانين معروفين، ودون قصد تساءلت عن تكلفة هذا العرس التي وجدت أن بإمكانها أن تبني قرى مع خدمات صحية ومدراس ومستشفسات للكثير من المساكين واللاجئين.

علمتني أسفار التطوع أن أكره البذخ من أجل البذخ، وأتفكر بهؤلاء الذين توزعوا بهذه المستديرة دون أن يعرفوا ماذا يخبئ لهم الغد، وليتنا نتفكر قليلا قبل أن نصرف المال، فقط من أجل إشهار مظاهر الترف وحيازة إعجاب الآخر الذي غالبا لن يعجبه شيء.

قفلة:

أثبتت الفتاة الكويتية والخليجية مدى التزامها الأخلاقي والإنساني العالي لأن جميع الفرق التطوعية التي تسافر إلى أماكن الفقر والخطر تحتوي على نسبة عالية من الفتيات الخليجيات، تحياتي لكل من ترك مكان راحته وقرر أن يقدم وقته طواعية لإسعاد هذا الآخر الذي لا يعرفه.

back to top