الموت السريع لصفقة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي

نشر في 25-05-2016
آخر تحديث 25-05-2016 | 00:00
 ريل كلير إردوغان رجل فخور، لكن هوسه القسري بصورته، على غرار ترامب، قاده إلى اضطهاد آلاف الأشخاص ومعاقبة الصحافيين والمعلقين، حتى إنه ضغط على الحكومة الألمانية لتحاكم فكاهياً ألمانيا سخر من إردوغان على شاشة التلفزيون. تضم ألمانيا أقلية تركية كبيرة قد يصوّت الكثير منها في الانتخابات التركية، فدعا إردوغان قبل أيام إلى محاكمة المدير التنفيذي لأكبر تكتل إعلامي في ألمانيا، إلا أن المحكمة الألمانية سارعت إلى رفض طلبه الأخير هذا.

لا أحد يعرف بالتحديد ما يدور حقاً في رأس إردوغان، فالانهيار السريع الذي تشهده صفقة تسوية مسألة اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، منذ استبعاد داود أوغلو سياسياً والمشاكل مع الفكاهيين الأوروبيين، قد لا يكون مجرد مصادفة، فقد أرغم إردوغان أخيراً داود أوغلو على الاستقالة ربما لأن شعبية رئيس الوزراء هذا أصبحت أكبر مما يروق لإردوغان. لا شك أن موت صفقة اللائجين الناجم سيشكّل ضربة قوية للقادة الأوروبيين. بعد أشهر من المفاوضات اتفق الاتحاد الأوروبي وتركيا على إعادة اللاجئين الذين يعبرون من تركيا إلى اليونان (وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي) إلى تركيا.

في المقابل من المفترض أن تحصل تركيا على عدد من التقديمات، منها خطوة تُعتبر بالغة الأهمية بالنسبة إلى أتراك كثر: التحرر من تأشيرة الدخول، مما يتيح لهم السفر بحرية داخل الاتحاد الأوروبي. ولا شك أن ترتيباً مماثلاً سيعزز شعبية إردوغان، الذي يتحضر، حسبما يظن كثيرون، للدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة بغية الفوز بعدد كافٍ من المقاعدة كي يتمكن من تعديل الدستور، وكل ذلك بهدف منح الرئاسة صلاحيات تنفيذية أوسع، ما يجعل إردوغان بالتالي القائد الأعلى في البلد. من وجهة نظر إردوغان المشوَّهة عن العالم، من غير المعقول أن تعجز حكومة ألمانية قوية، مثل حكومة أنجيلا ميركل، عن منع الإهانات التي توجَّه إليه. ففي تركيا يتعرض أي إنسان يهين إردوغان، حتى لو اقتصرت هذه الإهانة على تأييد تعليق على موقع فيسبوك ينتقد هذا الرئيس، للاعتقال بتهمة ملفّقة ويُلقى في السجن، لكن ميركل لا تقوم بأمر مماثل لأنها تعجز عنه (ولن تقدِم عليه في مطلق الأحوال على الأرجح)، وذلك بفضل فصل السلطات القائم بين الحكومة والقضاء في هذا البلد، لكن إردوغان يعتقد على الأرجح أن ميركل ترفض مساعدته.

بدأ إردوغان يصعّد خطابه، فبعد ساعة من إقالته داود أوغلو، أطلق إردوغان وابل قذائفه الأول على صفقة تركيا والاتحاد الأوروبي، كذلك صب جام غضبه مباشرة على البرلمان الأوروبي، بعد أن انتقد هذا الأخير علانية أسلوب إردوغان في الحكم الذي يزداد استبداداً، فقد هدد البرلمانُ الأوروبي بوقف الإجراءات الضرورية للتحرر من تأشيرة الدخول، إن لم تستوفِ تركيا مجموعة من 72 طلباً حددها الاتحاد الأوروبي، ومن هذه الطلبات إصلاح قوانين تركيا المناهضة للإرهاب.

لكن إردوغان رفض هذا الطلب بشدة، فردّ عليه رئيس البرلمان الأوروبي بقوة، معلناً أنه سيجمّد إجراءات التصويت على تحرير تأشيرة الدخول، وما هي إلا بضع ساعات حتى شهدنا ما بدا الرصاصة القاضية على هذه الصفقة: فقد نشر مستشار مباشر لإردوغان في تغريدة أن تركيا ستعمد، إذا لم يرفع الاتحاد الأوروبي قيود تأشيرة الدخول، إلى إلغاء الصفقة، وستطلق اللاجئين المحتجزين في البلد نحو حدود الاتحاد الأوروبي.

شكّل هذا نوع الابتزاز الذي خشيته أوروبا، مع أن كثيرين ظنوا أن إردوغان لن يتجاوز هذا الحد، لكن أوروبا تأخرت، على ما يبدو، في إدراك أن الرجل الذي أسقط أخيراً إحدى طائرات فلاديمير بوتين الحربية لا يخاف أحداً، فكم بالأحرى مجموعة من السياسيين الأوروبيين المنهكين؟

لا أحد يشعر بالخوف إلا أولئك السياسيين الأوروبيين أنفسهم، ففي الداخل تحقق الأحزاب اليمينية المناهضة للاجئين تقدماً كبيراً، مهددةً حتى قاعدة سلطة أنجيلا ميركل التي اعتُبرت سابقاً قوية جداً، فقد أظهر استطلاع جديد للرأي أن 64% من الألمان يعتقدون أن عليها ألا تترشح مجدداً، علماً أن المستشارة الألمانية كانت تنعم قبل سنة واحدة بشعبية واسعة في استطلاعات الرأي. سيشهد النصف الأول من عام 2017 انتخابات عامة في ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، ولا عجب أن أنجيلا ميركل كانت أول مَن دعم صفقة الاتحاد الأوروبي وتركيا، التي وضعتها إحدى المؤسسات الفكرية، لتلاقي هذه الصفقة بعد ذلك دعماً سريعاً من حزب الائتلاف الاجتماعي-الديمقراطي في الحكومة الهولندية.

إذاً، عاد القادة الأوروبيون اليوم إلى رسم الخطط، لكن لا مجال هذه المرة للتملص من هذه المشكلة بسحر ساحر: فإما يسمحون للاجئين بالدخول ويؤمنون لهم أماكن إقامة ملائمة أو يمنعونهم من عبور الحدود، ولكن كلما ارتفع عدد اللاجئين الذين يغرقون في مياه بحر إيجه، ماتت معهم روح أوروبا.

* كاج ليرز | Kaj Leers

back to top