اليوغا... هل تغيّر حياتنا والعالم؟

نشر في 03-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 03-02-2016 | 00:01
No Image Caption
قد يحاول صديق أو زميل إقناعنا بممارسة اليوغا كونها كفيلة {بتحويلنا}. تُستعمل هذه التقنية تقليدياً منذ آلاف السنين وقد فرضت نفسها منذ بضع سنوات كنمط مفيد يضمن الهدوء والاستقرار عبر إعادة اكتشاف الوحدة بين الذات والطبيعة والعالم. اليوغا ليست مجرّد ممارسة جسدية، بل إنها وسيلة لترسيخ الهدوء الداخلي وإرساء السلام في العالم الخارجي. لكن هل تتمتع اليوغا فعلاً بوسائل تسمح لها بتحقيق طموحاتها؟
قد تبدو الوعود التي يطلقها عالم اليوغا مبالغاً فيها، لكن لا ضير من التخيّل! لنتخيل أن يمارس الناس الذين يزاولون مختلف أنواع المهن اليوغا وأن يخوضوا عملية انتقالية تكون حاسمة في حياتهم. لنتخيل أن تُخصَّص مساحات لهذه الممارسة وتُسمَع مقاطعها الصوتية المتكررة في أنحاء المكاتب، قبل الاجتماعات وخلالها وبعدها. لنتخيل عالماً نلتزم فيه جميعاً بقواعد اللاعنف والصدق والزهد، علماً أنها قواعد الحياة التي تفرضها هذه الفلسفة.

ما هي نهاية تقلبات الروح؟

منذ بضع سنوات، انتشرت حملة دعائية واسعة لليوغا في أمستردام وكُتب على الملصقات: {يحق لكل إنسان أن يمارس اليوغا، لذا ندعو جميع من يحتاجون إليها للمشاركة في حصص تجريبية}. ربما تعكس هذه الفكرة الهدف الدعائي وراء الحملة، لكن في هذا الزمن الذي تكثر فيه مظاهر العنف والكره والخوف من الآخر، قد يفضل الجميع الاستسلام للأحلام. في النهاية، لا يكفّ عدد ممارسي اليوغا عن التزايد في جميع أنحاء العالم: ما الذي يمنعنا إذاً من توقّع نجاح هذه النزعة الرائجة واستعمالها لتغيير العالم؟

لتغيير العالم، يجب أن نبدأ بتغيير نفسنا، كما يقول غاندي الذي لم يكن آخر الحكماء الذين مارسوا اليوغا. تبدو هذه الفكرة منطقية لأن اليوغا تعمل على المستوى الفردي. لكن ما هو مسار تطورها وما هي أهدافها الحقيقية؟ لإيجاد الإجابة، يكفي أن نعود إلى تعريف اليوغا الأصلي: {تعني اليوغا نهاية تقلبات الروح}، ما يشير إلى أنها تهدف إلى استرجاع الهدوء بكل بساطة. لكن يدرك كل من حاول الحفاظ على الهدوء عبر عزل نفسه مدى صعوبة تحقيق هذا الهدف البسيط ظاهرياً نظراً إلى تلاحق التفاعلات الجسدية وتدفق الأفكار بلا انقطاع. لذا تقترح اليوغا ثماني خطوات تمهّد لبلوغ الهدف المنشود.

8 خطوات أساسية

• يجب تطبيق هذه الخطوات واحدة تلو الأخرى:

• ياما: خمس فئات من القواعد التي تحكم العلاقة مع الذات ومع الآخرين: (النزعة السلمية، الحذر)؛ (الصدق، الحقيقة)؛ (الصراحة، الاستقامة)؛ (الاعتدال، عدم استنزاف الطاقة)؛ (التخلي عن الدنيويات، الزهد).

• نياما: القواعد المرتبطة بالعلاقة مع الذات: (نظافة، شفافية)؛ (اطمئنان، اكتفاء)؛ (تصميم، اجتهاد في العمل)؛ (دراسة النصوص ومعرفتها)؛ (تفاني، إيمان، عطاء).

• أسانا: الوضعيات التي يجب تطبيقها خلال مرحلتَي ياما ونياما.

• براناياما: السيطرة على التنفس عبر التمارين.

• براتياهارا: التحكم بالحواس أو التخلي عنها استعداداً للتركيز والتأمل.

• دهارانا: حصر التركيز على غرض معين.

• دهيانا: مرحلة التأمل.

• سامادهي: النشوة، التأمل العميق.

• فلسفة على السجادة

في معظم صالات اليوغا، تصل الحصص عموماً إلى الخطوة الثالثة المرتبطة بوضعيات الجسم وقد تضاف إليها أحياناً تمارين تنفسية وتـأملية وبعض المراجع المكتوبة، بحسب الأستاذ الذي يعطي الحصة. لكن تبقى السجادة المستعملة خلال الحصص المكان الحقيقي لممارسة فلسفة اليوغا كلها. تحصل مرحلة {أسانا} استناداً إلى روحية القواعد العشر الخاصة بهذه الفلسفة. لذا لا تشبه هذه الحصص ما يدور في النوادي الرياضية بل إنها أداة للتحوّل الداخلي، ما يعني أنها تعكس نمط حياة بحدّ ذاته وقد تشكل في بعض الحالات مصدر استنارة فكرية.

يسرد هاني (43 عاماً) تجربته قائلاً: {أنا قلق بطبيعتي، أو هذا ما كنت أكرره لفترة طويلة لتبرير ضغطي النفسي وقلة صبري مع ذاتي ومع الآخرين. منذ ثلاث سنوات، اكتشفتُ في النادي الرياضي حصة يوغا حيوية فجرّبتُها وخرجتُ منها وأنا أشعر بالإرهاق وانقلبت حالي بالكامل. بعد أن كنت أظن أنني أتمتّع بالرشاقة الجسدية، اكتشفتُ حدود قدراتي ومخاوفي. تخطّت مشاعري البعد الجسدي. منذ أن بدأتُ أمارس اليوغا يومياً، أشعر بأنني قادر على سماع نفسي والآخرين، وصرتُ أكثر حساسية. بعد أن كنت مستشاراً تجارياً في شركة لتصنيع ورق الألمنيوم، قررت تقديم استقالتي كي أعمل في شركة متخصصة بالأغلفة البيئية. كنت أحتاج إلى التصالح مع قناعاتي ومع الطبيعة}.

وفق الخبراء، تستطيع هذه الممارسة القائمة منذ آلاف السنين تغييرنا لأن العادات التي نكتسبها في طريقة الوقوف والتنفس والمشي والشد على الفكين تنعكس على وضعنا الصحي والعاطفي. تسمح تمارين التنفس بفك هذه التشنجات كلها وتجديد الحركة والمرونة، ما يعني رفع مستوى الاسترخاء والثقة. هذا هو مغزى التحوّل الحاصل، فهو لا يعني أن يصبح الفرد شخصاً آخر بل أن يجدّد السلاسة والهدوء في داخله.

تعني اليوغا فعلياً الاقتراب من حالة تناغم عليا حيث يتلاقى هدوء الجسم مع هدوء الروح ويشكلان معاً كياناً موحّداً يجمع بين الذات الجسدية والذات الفكرية إلى جانب تجديد التواصل مع الآخرين والعالم. لذا قد يكون {تحوّل العالم} ممكناً. بما أننا في تواصل مستمر، ستنتقل عدوى التغيير بين الناس إذا قرر كل فرد السير على طريق الهدوء والسلام.

يجب أن نستعد أيضاً لاستثمار الذات. يسهل أن نشعر بالارتباك والضياع حين نتعرّق لساعة أسبوعياً على سجادة اليوغا ونحاول القيام بوضعيات صعبة مثل التقاط إبهام القدم، لكن لا تضمن هذه الجلسات تحولاً كاملاً وفورياً. للتطور على طريق اليوغا، يوصي الخبراء بمتابعة التدرب كي تتحقق الأهداف تلقائياً. يجب أن نمارس اليوغا بانتظام وألا نكتفي بها في أوقات فراغنا: إنه شرط أساسي للاستفادة من آثارها وتُعتبر هذه الخطوة الأصعب على الإطلاق. تتعّلق أبرز الحواجز التي تحول دون بلوغ مرحلة التغير الكامل بالتعب وتراجع الطاقة والقلق المفرط من مستوى الأداء.

أهمية التدريب

نجحت ناديا (34 عاماً) في تجاوز هذه الحواجز على مر أربع سنوات، بمعدل ساعتين من اليوغا يومياً: {كنت أقرأ النصوص عن اليوغا أيضاً وأتابع أفضل الأساتذة في هذا المجال، وكنت أطمح إلى بلوغ ذلك الهدوء الروحي المنشود الذي تعد به اليوغا. لكني كنت أعيش لحظات من الخيبة والغضب والحزن... فتعيدني هذه اللحظات إلى أيام غابرة. لكن كانت طريقة ممارسة اليوغا مبهرة فعلاً بالنسبة إلي وقد ركزتُ على وضعيات التوازن التي تستند إلى اليدين}.

يمكن أن نبلغ الهدوء الروحي المنشود عبر ممارسة اليوغا المتكررة والترفع عن الدنيويات. صحيح أن ممارسة التمارين المكثفة ضرورية للشعور بمنافع اليوغا، لكن تكثر المزايا التي يمكن اكتسابها لمجرد أن ننفصل عن كل ما هو أرضي وحسي! يتعلّق أحد أسباب توسع اليوغا ونجاحها في العالم الغربي بزيادة عدد الأساتذة الذين يمتهنونها. تشكّل التدريبات المتعددة فرصة لتعميق الممارسة الذاتية قبل تعليمها للآخرين، وتصبح الرغبة في نقل هذا الشغف حتمية لكل من يلتزم جدياً بهذه الفلسفة. لكن بالنسبة إلى أشخاص آخرين، قد يصبح تعليم اليوغا وسيلة لتغيير المعتقدات والانطلاق في مسيرة جديدة. من الضروري أن يختار الفرد أستاذ اليوغا الذي يناسب توقعاته.

وسيلة لتغيير العالم؟

تروي منى تجربتها مع اليوغا قائلة: "بين ليلة وضحاها، تخليتُ عن نمط حياتي كله. شعرتُ بالإحباط وبدأت أركز على تمارين التنفس والتأمل وبعض الوضعيات الأساسية. سمحت لي هذه الحصص بتكوين رؤية أوضح عن وضعي. تقبّلتُ حدود قدراتي ولم أجد خياراً آخر عدا تقبّلها وهكذا تعرفتُ إلى اليوغا الحقيقية. اليوم، استأنفتُ الجلسات المكثفة لكني أمارسها بوعي أكبر". تكون اليوغا ممارسة داخلية. لا يعني ذلك عدم الاهتمام بالوضعية الخارجية، بل إن الوضعية السليمة تعكس المرونة الداخلية. من خلال اعتبارها شكلاً من التأمل، ستسمح برؤية الوعي وانعكاسه علينا. تكون مرحلة التعرف إلى الذات أساسية للشعور بتحسن حقيقي. لكن كيف يمكن التعامل مع هذا الوعي؟ وحده التحدّث إلى شخص متدرب على اليوغا يسمح بالانفصال عن الأفكار المؤلمة والمتكررة لأن الأوجاع يمكن تخفيفها عبر الكلام. لكن تترك اليوغا كل فرد مع مشاعره. يمكن أن يستعمل المحلل النفسي مقاربات متكاملة تجمع بين وضعيات الجسم والتأمل من جهة والكتابة والتبادل من جهة أخرى. هل يمكن أن تغير اليوغا العالم؟ لا شك في أننا نبالغ حين ننتظر حصول هذا النوع من التغيير الشامل عبر فلسفة حياة تتطلب التزاماً دائماً ولم تنتشر في معظم مناطق العالم بعد. مع ذلك، يمكن أن تتغير متطلبات حياة الناس ويكثر الأشخاص الذين عاشوا هذه التجربة. لكن يكتفي كثيرون حتى الآن بالبحث عن وسيلة لفقدان الوزن وتطوير التوازن وتخفيف أوجاع الظهر أو إرجاع الساقين وراء الرأس، ويصل كل فرد إلى جلسات اليوغا وهو يحمل فكرة محددة نسبياً عن الشخص الذي يريد أن يصبح عليه. لكن يرتبط المغزى الحقيقي في النهاية برفع مستوى الحكمة في هذا العالم!

مواصفات الأستاذ الكفؤ

• اليوغا التي يمارسها: يصعب على المبتدئ أن يختار نوع اليوغا التي يريد ممارستها. ظهرت اليوغا متعددة الأشكال منذ الستينيات لأن اليوغا كانت تتخذ شكلاً واحداً في الأصل. تشير هذه المدارس الجديدة كلها إلى طرق مختلفة في أخذ الوضعيات: قد تتلاحق بوتيرة حيوية أو هادئة وقد تحصل في غرفة ساخنة... يجيد الأستاذ الكفوء تقديم التوصيات قبل الحصة، بما يضمن تلبية متطلبات الفرد واختيار الطريقة التي تناسبه. لكن يمكن تعليم الشكل نفسه من اليوغا بطرق متنوعة، بحسب خبرة الأستاذ ومرونته. لذا من المفيد أن يجرب الفرد جلسات متعددة ويلجأ إلى أكثر من أستاذ واحد قبل القيام بخياره النهائي.

• شهادته: تكون الشهادة مهمة مع أن التدريب الجامعي ليس إلزامياً لمزاولة هذه المهنة وتتعدد المدارس الفلسفية التي يمكن اللجوء إليها. يعطي التدريب الذي يمتد على ثلاث سنوات طابعاً جدياً للأستاذ مقارنةً بالتدريب الذي يقتصر على أربعة أسابيع. لكن يتوقّف كل شيء على حجم التزام الأستاذ في مجال اليوغا ومدى ارتياحه في علاقته التربوية مع طلابه. يمكن الاستفادة من الاستعلام عن شهادته وخبرته وتدريبه.

• ممارساته: لا يمكن أن يدعي أحد أنه بلغ أعلى مستويات اليوغا. يعلم الأستاذ الكفوء أنه يبقى تلميذاً ويتابع ممارسة اليوغا بانتظام. وحده الأستاذ الذي يتمسك بحب اليوغا يبرع في تعليمها للآخرين. ترتكز علاقة الأستاذ باليوغا على إسقاط جزء مهم من نفسه أو من الشخص الذي يريد أن يصبح عليه. إذا ابتعد عن ممارسة اليوغا، كيف يمكن أن يجعل الآخرين يهتمون بها؟

• قدرته على الإصغاء: تختلف أجسام الناس ويتفاعل كل طالب مع وضعيات الجسم بحسب عواطفه وتاريخه الشخصي. لترسيخ الالتزام بممارسة اليوغا، يجب أن يوفر الأستاذ إطاراً مطمئناً يبدأ بالإصغاء إلى الآخرين. يمكنه أن يطمئن مثلاً على وضع طلابه الصحي قبل بدء الحصة أو يمكنه القيام بتعديلات شخصية خلال الحصة.

• معارفه عن تركيبة الجسم: قد تصبح اليوغا خطيرة جداً عند ممارستها من دون مراعاة الحدود الجسدية وخصائص تركيبة الجسم. يجب أن يتنبه الأستاذ بشكل أساسي لإيقاع التنفس وإلا لن تكون اليوغا صحيحة.

• معارفه في الفلسفة: هل يستطيع تسمية الوضعيات التي يطلبها؟ هل يستطيع التحدث عن النصوص التأسيسية لليوغا؟ إنها ركائز مهمة للتعليم.

• اهتمامه ببلوغ الهدوء: هل يخصص الأستاذ الوقت الكافي، في نهاية الحصة على الأقل، للتأمل أو الاسترخاء في جو صامت؟ يثبت هذا الوقت أهمية الدمج بين التغيرات الجسدية و/أو العاطفية نتيجة تلاحق الوضعيات. أخيراً، هل يشعر الفرد بعد نهاية الجلسة بالهدوء ويزيد فهمه لنفسه ويركز على حياته الداخلية؟ في هذه الحالة، يكون الأستاذ قد نجح في تقريب الفرد من اليوغا الحقيقية. إذا نشأ المرء على أهمية الأداء والمنافسة واعتاد على ثقافة نرجسية، يسهل أن يتناسى مبادئ اليوغا ويركز على الحملات الدعائية ويسخّر كامل طاقته كي يشبه غيره، أو يمكن أن يتخلّى عن تلك المبادئ ويفقد مهارته في نهاية المطاف. في هذه الحالة، قد تتعزز أسوأ الميول الشائعة في هذا العصر لدى ممارسي اليوغا بدل أن يخوضوا تغييراً حقيقياً.

back to top