محادثات السلام السورية غطاء لتصاعد أعمال العنف

نشر في 05-02-2016
آخر تحديث 05-02-2016 | 00:00
 ذي تيليغراف إن شعرت أنك رأيت هذا المشهد من قبل فأنت محق، فقد عادت «وفود السلام» السورية مرة أخرى لتتنقل في قاعات مبنى الأمم المتحدة الكبيرة المصممة وفق الطراز العصري في جنيف، نافثة سمها في وجه خصومها بطريقة غير مباشرة عبر الصحافة، بما أنها ترفض الجلوس في غرفة واحدة. سبق أن قامت هذه الوفود بالمثل قبل سنتين بالتحديد، ولم يكن لهذه الخطوة أي تأثير غير تفاقم عمليات القتل، فما الذي يجعل الوضع اليوم مختلفاً؟

طوال الأسابيع القليلة الماضية، تركزت تغطيات الحرب السورية على التجاذبات الدبلوماسية التي سبقت المؤتمر، فهل تلتقي الوفود أم لا؟ ومَن سيشارك في هذا الوفد أو ذاك؟ وهل نشهد مقاطعة في اللحظات الأخيرة؟ ومنذ بدء المحادثات يوم الجمعة قتل النظام وحلفاؤه 47 مدنياً، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة عالية المصداقية عموماً.

قد يعتبر البعض أن هذا بالتحديد ما يجعل المحادثات ضرورية: إنهاء هذه الحرب الدموية قبل أن نعتاد أكثر عمليات القتل هذه، ولكن ماذا لو كانت الحقيقة مغايرة تماماً؟ ماذا لو كانت الغاية من المحادثات تعويدنا على العنف والتأكيد للعالم من خلال تصلب المشاركين أن من الضروري أن يتواصل القتال وأن الدعم الدولي لهم مبرر؟

لم يقف الرئيس فلاديمير بوتين عند هذا الحد: فقد أقر صراحة أن هدفه مواصلة الحرب لا التوصل إلى حل دبلوماسي، وقد جاء إعلانه أنه يسعى وراء محادثات جنيف الجديدة هذه، في حين كان يدافع عن نيته بدء القصف: بكلمات أخرى ستُعقد محادثات سلام لترافق عملية القصف الجوي.

ذكر في إحدى المقابلات: «ما من حل آخر للأزمة السورية غير تدعيم بنى الحكومة الفاعلة وتعزيز قدرتها على محاربة الإرهاب»، وإن كانت هذه حقاً وجهة نظره فما المفترض أن تحققه الدبلوماسية؟

تبقى الخلاصة المنطقية الوحيدة أن بوتين لا يعتبر المحادثات منتدى لتقديم التنازلات والتوصل إلى السلام، بل تمرين «لتدعيم بنى الحكومة الفاعلة» تحت غطاء المفاوضات، وقد نجحت مناورته هذه، فقد أدت مسألة ما إذا كان من الضروري المشاركة أو لا إلى شرخ في صفوف المجموعات السلفية المتطرفة، مما سمح للنظام بتحقيق مكاسب ضدها، وفي المقابل حدت الأمم المتحدة والقوى الغربية في سعيها «لإقناع» الطرفين بالمشاركة من الضغوط التي تمارسها على النظام بغية رفع حصار التجويع عن مناطق الثوار، فضلاً عن أنها دفعت المعارضة إلى التخلي عن بعض مطالبها الخاصة.

ثمة نوعان من محادثات السلام: تلك التي تلي وقف إطلاق نار (على غرار ما حدث في أيرلندا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي)، مما يشير إلى أن كلا الطرفين سئمَا الحرب وباتا مستعدين للتوافق، وتلك التي يبلغ فيها القتال حالة من الجمود، مما يجعل الدبلوماسية السبيل الوحيد للمضي قدماً، لكن هذين النوعين لا ينطبقان على الوضع في سورية: فقد أعرب كلا الطرفين عن استعدادهما لمواصلة الدمار والقتل، في حين يمنح التبدل المستمر في مواقف القوى الخارجية، وخصوصاً بريطانيا، كلا منهما الأمل بأن يقلب تدخل ما الوضع لمصلحته.

تبدو كل الجهود عقيمة، فقليلون خارج سورية يعتقدون أن أياً من الطرفين يستطيع تحقيق انتصار حاسم، ولكن ما دام أن أحدهما يعتقد أنه يستطيع ذلك فلن تنجح المحادثات، إذ أعلن أحد مسؤولي النظام قبل أيام: «لن نقدّم اليوم ما رفضنا تقديمه خلال السنوات الخمس الماضية»، ويبدو لي هذا الكلام صريحاً وواضحاً.

* ريتشارد سبنسر

back to top