الإنكليزية... هل تقضي على اللغات الأخرى؟

نشر في 27-03-2016 | 00:00
آخر تحديث 27-03-2016 | 00:00
قد يصعب عليك تخيّل أن الإنكليزية كانت قبل 1500 سنة مجرد لغة بسيطة تنطق بها مجموعة صغيرة من القبائل الجرمانية، التي هاجرت من القارة الأوروبية إلى جزيرة بريطانيا. لكنّ علماء اللغات يهمسون اليوم ويتساءلون: هل تقضي الإنكليزية على اللغات الأخرى كافة؟

لا شك في أن قضاء الإنكليزية على اللغات الأخرى كافة لن تكون مهمة سهلة، فعدد الناطقين بها الـ340 مليوناً أقل ممن يتكلّمون الإسبانية (400 مليون) والماندرين الصينية (850 مليوناً). علاوة على ذلك، يتراجع عدد مَن تُعتبر الإنكليزية لغتهم الأم بانتظام. صحيح أن هذا الوضع قد يشير إلى أن هذه اللغة في طريقها إلى الزوال، إلا أنها في الواقع تزداد انتشاراً على صعيد عالمي. ويعود ذلك إلى 510 ملايين شخص من كل أنحاء العالم اختاروا الإنكليزية لتكون لغتهم الثانية، وتنضم إليهم أعداد إضافية كل يوم. ولا تضاهيها أي لغة أخرى في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، تطغى اللغة الإنكليزية في مجالات العلوم، الأعمال، والإعلام. نتيجة لذلك، صار تعلّمها يشكّل ثمناً بخساً للانضمام إلى عالم يزداد ترابطاً.

تشمل تأثيرات هذا الواقع الجانبية تراجع عدد من اللغات الأخرى. يقدّر عالم اللغات البارز ديفيد غرادول أن نحو 90% من لغات العالم الستة آلاف إلى سبعة آلاف ستنقرض خلال القرن الحالي. ويوافقه في هذا التخمين المدروس بدقة جون وارتر، بروفسور متخصّص في علم اللغات في جامعة كولومبيا. يستند رأيهما إلى أدلة تقدمها دراسة نُشرت عام 2014. أعدّ الباحثون في الدراسة نماذج عن تراجع مئات اللغات، فاكتشفوا أن لغة تنقرض كل أسبوعين كمعدل. وإن استمر هذا الميل خلال القرن التالي، فستزول 2600 لغة. يوضح الباحثون أن الرغبة الملحّة في الاستفادة من النمو الاقتصادي تدفع اللغات المستخدمة على نطاق صغير إلى الزوال. فضلاً عن ذلك، يتوقّف التعليم والتوظيف على القدرة على التواصل مع المجتمع العصري. ويعني هذا أن الأهل لا يعلّمون أولادهم لغاتهم النادرة، التي شارفت على الزوال.

في مقال له في صحيفة “وول ستريت”، تناول وارتر هذا الوضع، موضحاً:

“من السهل أن يربط المتحدثون اللغات الأكبر بالفرص والأصغر بالتخلّف. نتيجة لذلك، يتوقفون عن التحدث باللغات الأصغر إلى أولادهم. وإن لم تكن اللغة مكتوبة، تزول ما إن يتوقّف جيل واحد عن تمريرها إلى أولاده حين تكون عقولهم مرنة جداً. فكلنا نعرف مدى صعوبة تعلّم لغة في الكبر”.

إذاً، مع زوال اللغات الغريبة، يبقى عدد أقل بكثير منها. ولكن هل تنجح الإنكليزية في التغلّب عليها؟

يكتب وارتر: “قد يعترض البعض معتبراً أن اللغة العالمية لن تكون الإنكليزية بل الماندرين الصينية بسبب عدد سكان الصين الضخم وتنامي قوة هذه الأمة الاقتصادية. لكن هذا أمر مستبعد. أولاً، سبقتها اللغة الإنكليزية في التحوّل إلى لغة عالمية، وصارت اليوم واسعة الانتشار في الطباعة، التربية، والإعلام. نتيجة لذلك، يتطلّب الانتقال إلى لغة مختلفة عملاً شاقاً. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب جداً تعلّم اللغة الصينية بعد تخطي مرحلة الطفولة. أما إتقان نظام كتابتها، فيستلزم حقاً أن تتعلّمه منذ نعومة أظفارك”.

لغة العصر

صحيح أن الصينية تبقى أكثر لغة محكية نظراً إلى عدد سكان الصين الكبير والمتنامي، غير أن الإنكليزية ستبقى اللغة الأهم. ويعود ذلك في المقام الأول إلى أنها رسّخت مكانتها كلغة عصرنا العالمية الأبرز. في دراسة أُجريت عام 2010، توصّل غاري لوبيان من جامعة بنسلفانيا وريك دايل من جامعة ممفيس إلى بيانات تشير إلى أن أعداداً متزايدة من الناس يتعلّمون الإنكليزية كلغة ثانية، فيساهمون عن غير عمد في تخليص هذه اللغة من تفاصيلها المعقدة الغريبة. هكذا، تزداد اللغة الإنكليزية وضوحاً وبساطة بمرور الوقت، ما يسهّل تعلمها. ومن المؤكد أن الإنكليزية تطوّرت كثيراً على مرّ السنين. يكفي أن تقارن أعمال جون أدامز وأبراهام لنكولن بكتابات هيلاري كلينتون ودونالد ترامب المبسّطة.

لا شكّ في أن التطورات التكنولوجية قد تزعزع بالكامل التطور اللغوي، فيُعتبر مترجم عالمي على غرار ما نراه في أفلام Star Trek الحلم الأكبر في مجال الخيال العلمي. وتعمل شركات مثل “غوغل” بدأب للتوصل إلى ابتكار مماثل. وإن نجحت يوماً في التوصّل إلى تطويره، فقد يقوّض هذا “برج بابل” نهائياً.

back to top