اتفاق إيران النووي مليء بالثغرات

نشر في 17-04-2015
آخر تحديث 17-04-2015 | 00:01
يحمل الاتفاق الذي أُعلن في «لوزان» ثغرات أكثر مما نراه في الجبنة السويسرية، ولا شك أنه سيفتح شهية إيران النووية، مؤدياً في الوقت عينه إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط وربما خارجه.
 نيويورك بوست من الطبيعي أن تشعر الولايات المتحدة بالأسى حيال نتيجة المحادثات الأولية، فما نملكه كتابةً عن مجالات الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1، التي تقودها الولايات المتحدة، مليء بالثغرات، والأسوأ من ذلك أنه بدأ يوصف بطريقة مختلفة باللغتين الإنكليزية والفارسية، علماً أن هذه المسألة ستعّقد بالتأكيد مهمة التوصل إلى مسودة نهائية ملزمة بحلول الثلاثين من يونيو. حتى البيان الذي حصلنا عليه نُشر باسم ملكة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وظل غير موَّقع لأنه لا أحد تقريباً يملك صلاحية التوقيع في هذه المرحلة.

يعود الكثير من نقاط الاتفاق بفائدة واضحة على إيران، حيث:

• ستمضي إيران قدماً في برنامجها النووي الكامل من دون أن تقفل أياً من مواقعه، بما فيها فوردو، وأصفهان، وناتانز، وأراك، علماً أن وقف العمل فيها كان أحد المطالب الرئيسة التي طرحتها الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال العقد الماضي تقريباً.

• ستُكمل محطة الماء الثقيل النووية في "أراك"، مع أن هذه كانت إحدى النقاط التي عارضتها الولايات المتحدة بشدة.

• تستطيع إيران تحديث منشآتها في "فوردو"، إلا أنها ستركز عمل الموقع على إنتاج نظائر لأغراض زراعية وطبية (لا شك في أن إيران تستطيع العودة إلى إنتاج مواد الأسلحة عندما تشاء).

• ما إن يوافق مجلس الأمن في الأمم المتحدة على المسودة النهائية، حتى تُرفع كل العقوبات المفروضة على إيران، وفي هذه الأثناء، توافق مجموعة 5+1 على ألا تفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب المسألة النووية.

• ما إن يمرر مجلس الأمن في الأمم المتحدة قراراً يلغي كل قراراته السابقة بشأن المسألة النووية الإيرانية، حتى يوضع جدول زمني لتطبيق الاتفاقات التي توصلت إليها إيران والقوى الأخرى. وهكذا تشرع الصفقة المرتقبة الجزء الأكبر مما قامت به إيران حتى اليوم، منتهكةً بالتالي التزاماتها السابقة المتفق عليها، كما تحرر هذه الصفقة الإيرانيين من العقوبات المفروضة بسبب هذه الانتهاكات.

ولكن بمَ تَعِد إيران في المقابل؟

• تحافظ على معدل تخصيب اليورانيوم الذي تعتمده راهناً طوال 10 سنوات، ولا تعود بعدها ملزمة بأي قيود، كذلك تستطيع الاحتفاظ بستة آلاف جهاز طرد مركزي تعمل بكل طاقتها، علماً أن هذا العدد يفوق بأشواط ما طالبت به الولايات المتحدة سابقاً.

• "تعطّل" اليورانيوم الذي سبق أن خصبته إلى نسب تفوق الستة في المئة، إما بتحويله إلى قضبان وقود أو مبادلته بوقود يورانيوم من الخارج، وهكذا تخلت الولايات المتحدة عن طلبها نقل أكثر من 2700 كيلوغرام من المخزون إلى خارج إيران.

• تنضم إلى البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما يمنح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حقوقاً أكبر تتيح لهم التوجه حيث يحلو لهم.

مرة أخرى، انتهكت إيران مراراً بروتوكولات معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما جعلها، وفق ملاحظات الرئيس باراك أوباما أخيراً، على بُعد أشهر قليلة من التحول إلى قوة تملك أسلحة نووية، ولكن هل تضم الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدداً كافياً من المفتشين لتفرض تطبيق البروتوكول الإضافي في أمة تعد 76 مليوناً؟

من الطبيعي أن تشعر الولايات المتحدة كأمة بالأسى حيال نتائج المحادثات الأولية: فهذه الصفقة المحددة تجعل إيران، حسبما يأمل أوباما، على بُعد سنة من التحول إلى دولة نووية، منتهكة في النهاية هذا الحد أيضاً.

ورغم ذلك، قد تكون إدارة أوباما سعيدة لأنها حققت بعض أهدافها التكتيكية:

فأولاً، لن يتخذ الاتفاق النهائي شكل معاهدة، لذلك لا داعي لطرحه على مجلس الشيوخ. ثانياً، يوشك أوباما أن يضع إطار عمل يكبل يدي مَن يخلفه طوال 10 سنوات على الأقل، فإذا حاول أي رئيس في المستقبل إعادة النظر في المشروع النووي الإيراني، فسيواجه عقبة كبيرة تتمثل بمجلس الأمن في الأمم المتحدة، حيث تتمتع روسيا، التي تدعم إيران، بحق النقض.

إذاً، يحمل هذا الاتفاق الذي أُعلن في "لوزان" ثغرات أكثر مما نراه في الجبنة السويسرية، ولا شك أنه سيفتح شهية إيران النووية، مؤدياً في الوقت عينه إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط وربما خارجه.

يشكل هذا اتفاقاً بين فصيلين، حيث أراد الفصيل الأميركي بقيادة أوباما أن يجعل أي تبديل في المستقبل في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران صعباً، إن لم نقل مستحيلاً، وهو يأمل بكل وضوح أن يكون دعمه لإيران كقوة إقليمية، مقنعاً لها لكبح سياساتها المغامرة.

أما في إيران، فيأمل فصيل رفسنجاني (الذي يشمل ظريف والرئيس حسن روحاني) أن يستطيع، بادعائه تحقيق انتصار دبلوماسي كبير، إضعاف الفصائل الأكثر تطرفاً، والفوز بالأكثرية البرلمانية السنة المقبلة، وربما الحصول على الجائزة الكبرى: منصب "القائد الأعلى" في إيران الذي يتولاه اليوم علي خامنئي (75 سنة).

وكما كان أوباما مستعداً للتضحية بمصالح الولايات المتحدة الوطنية في خدمة أهدافه الضيقة، كذلك يبدو شركاؤه الإيرانيون مستعدين لوضع الجزء الأكبر من سياسات إيران في مجال الصناعة، والطاقة، والأمن تحت إشراف دولي طوال عقد.

بعد كل ما تقدم، يشير البيان الذي نُشر صراحة، إلى أنه لا قيمة قانونية له، بل يجب اعتباره مجرد تعبير عن النوايا، ربما مع رشة ملح إضافية، ويجب ألا ننسى أن تبدلات كثيرة قد تطرأ حتى لو بدت النتيجة واضحة.

back to top