النظام السوري على خط الهجوم مجدداً

نشر في 09-03-2015
آخر تحديث 09-03-2015 | 00:01
 معهد واشنطن في أوائل فبراير شن نظام الأسد وحلفاؤه هجومين كبيرين ضد قوات المعارضة في سورية، استهدف الهجوم الأول مجموعات من الثوار تنفذ عمليات في جنوب وجنوب غرب دمشق، أما الثاني فطال ثواراً قرب مدينة حلب يحافظون على بقاء آخر خط اتصال لهم مفتوحاً مع المدينة. وعلى الرغم من أن القوات الحكومية وتلك الحليفة لها ناشطة في جميع أنحاء البلد، فإن هاتين العمليتين هما الأكثر أهمية بالنسبة إلى النظام في هذا الوقت، وليس أي منهما موجهاً ضد قوات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام". حتى الآن أحرز هذان الهجومان تقدماً بطيئاً ضد المعارضة الشديدة من الثوار، ومن غير الواضح إذا كان النظام سيحقق أهدافه الشاملة، ومع ذلك فإن العمليات تتناسب جيداً مع الاستراتيجية العسكرية المتأنية والفعالة إلى حد معقول والتي انتهى الأمر بالنظام بتطبيقها بعد أربع سنوات من القتال.

استراتيجية النظام العسكرية

يشكل الاستنزاف والتموضع عنصرين من العناصر الرئيسة في مقاربة النظام، إذ تسعى هذه المقاربة إلى إنهاك قوات المعارضة وإرادتها، وذلك بإلحاق خسائر مادية ومعنوية بها في القتال المتواصل، حتى لو لم تكن تلك الاشتباكات شديدة أو حاسمة بالضرورة. كما تهدف إلى السيطرة على المراكز الرئيسة، مثل عواصم المحافظات والمطارات والنقاط المحصنة وخطوط الاتصال والأراضي الهامة، وذلك على المستوى الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي.

الحملات الأخيرة

يوفر الهجومان في دمشق وحلب فرصاً، ويمثلان مخاطر على حد سواء بالنسبة إلى النظام، فالحرب الطويلة التي يخوضها تتيح له العمل بشكل منهجي للحد من زخم معارضيه، إذ يمكن له ترتيب أولويات أهدافه والعمل على تحقيقها من دون تسرع، وهو نوع من الصبر الاستراتيجي، ومع ذلك، كلما خصص موارد كبيرة لعملية ذات أهداف هامة، لا بد له من تحقيق ما يكفي من النجاح الواضح لادعاء "النصر" وجعْل هذا النجاح يستحق الخسائر الحتمية التي تكبدها، أما الفشل الواضح، كما كانت الحال في محافظة الرقة في الصيف الماضي، فيؤدي إلى تعرض النظام لنكسات عسكرية وسياسية على حد سواء.

عمليات جنوب غرب دمشق

تهدف "عملية شهداء القنيطرة" التي أُطلقت في 7 فبراير إلى تطهير سهل حوران الشمالي من قوات الثوار واستعادة سيطرة النظام على محافظة القنيطرة، بما في ذلك عاصمتها، ويبدو أن الهدف التكتيكي الأساسي هو تل الحارة، وهي أرض هامة يسيطر عليها الثوار، وفي حال نجاحها، فإن الحملة ستعزز من الدفاعات الجنوبية لدمشق وستسمح لـ"حزب الله" بفرض وجود عسكري في هضبة الجولان.  وفي هذا الإطار، خصص النظام لهذه العملية نحو 4000 إلى 5000 مقاتل، وتم دعمهم بعمليات إطلاق نار- جوية وأرضية- ثقيلة، وقد ادعت مصادر المعارضة وتلك المرتبطة بالنظام أن عناصر من الفرقة التاسعة والسابعة والخامسة من الجيش النظامي شاركت في المعركة، إلى جانب جنود غير نظاميين من "قوات الدفاع الوطني" و"حزب الله" و"فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، والشيعة العراقيين والأفغان. وقد شددت مصادر المعارضة على الدور الذي لعبه "حزب الله"، في حين شددت المصادر المرتبطة بالنظام على دور وحدات الجيش.

ويواجه النظام في هذه العملية عشرات الوحدات من الثوار، بما فيها "جبهة ثوار سورية" و"جبهة النصرة" على الجبهة الجنوبية. ويتم تنسيق عمليات الثوار الدفاعية من خلال عدة "غرف عمليات"، وقد كانت فعالة نسبياً في التصدي لهجوم النظام، وتمكن الثوار من الاستفادة من العديد من التلال البركانية والتلال الصغيرة والقرى في المنطقة لمقاومة الهجمات؛ وقد ركزت الكثير من العمليات القتالية على هذه الميزات للأراضي الطبيعية، وتسبّبت فترة من الأحوال الجوية السيئة في مساعدة المعارضة أيضاً في منتصف فبراير، وأدت إلى تراجع قدرة النظام على توفير الدعم الجوي للقوات البرية.

ومن الناحية التكتيكية، اعتمد النظام على القوة النارية الثقيلة التي تقدمها وحدات الجيش النظامي وقوات المشاة الماهرة التابعة لـ"حزب الله"، وقد أظهرت أشرطة الفيديو "المجموعات القتالية" التابعة للنظام والتي تتألّف من مدرّعات ومدفعية وقوات نظامية وغير نظامية وهي تشارك في الهجوم، وتلجأ وحدات النظام وحليفاتها إلى القصف لإضعاف قوات الثوار، وإلى التسلل ليلاً للتغلب على مراكز الثوار المحصنة، والهجوم المباشر عند الضرورة للاستيلاء على المواقع. بعد تحقيق النظام بعض النجاح الأولي عبر عامل المفاجأة، تباطأ تقدمه، ولكنه لا يزال يضغط على المدافعين ويحرز تقدماً مدروساً، وقد ألحق بعض الإنهاك- وربما أحدث استنزافاً كبيراً- في صفوف الثوار واكتسب بعض المواقع في قمم التلال والقرى.

إلى الشمال من مدينة حلب

بدأت عملية حلب في 17 فبراير عندما غادرت قوات النظام مواقعها التي أقامتها شمال المدينة وحاولت التقدُّم غرباً، وقد كمن هدفها في قطع خط الاتصال الأخير الخاص بالثوار والوصول إلى بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين المحاصرتين، وذُكر أن القوات المشاركة شملت عناصر من الجيش النظامي و"قوات الدفاع الوطني" وميليشيا "حزب البعث" و"حزب الله"، فضلاً عن مقاتلين إيرانيين وفلسطينيين وأفغان، وقبل بدء العملية، أفادت التقارير أنه تم إرسال تعزيزات مدرعة من محافظة حماة لتعزيز القدرات الهجومية للنظام، ويُقال إنه تم توفير مجموعتين إضافيتين من التعزيزات منذ بدء الحملة. كما تشير المصادر إلى أن أحد قادة النظام الأكثر فعالية، العقيد سهيل الحسن، قد أُرسل إلى هناك. ووفقاً للتقارير ألحقت قوات النظام استنزافاً شديداً بالثوار ولكنها تكبدت خسائر كبيرة أيضاً، وخصوصا في صفوف "قوات الدفاع الوطني" والعناصر المتحالفة المستخدمة في إطار الدور الهجومي، وفي حين أن أعداد الضحايا في هذه الحرب مشكوك فيها بشكل متواصل، فإن الجانبين قد عانيا بشكل واضح في هذه المعركة، فالتعزيزات التي أُرسلت إلى حلب تشير بالتأكيد إلى أن النظام قد تكبد الخسائر، ولكنها في الوقت نفسه تظهر عزيمة الأسد على تحقيق النصر في تلك المنطقة.

تداعيات

لا يزال الهجومان مستمرين، لذلك من الصعب تقييم التقدم المحرز، وفي هذه المرحلة يبدو أن النظام حقق بعض النجاحات التكتيكية، ومع ذلك يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانه تحويلها إلى نجاحات كبرى.  وتُعتبر النجاحات الصغيرة مهمة للنظام ولحلفائه في هذه المرحلة، فبعد أربع سنوات من الحرب، تدرك دمشق أنه لا يمكنها الفوز وهي في عجلة من أمرها، ولكنها قد تكون قادرة على الانتصار من خلال الاستنزاف والجهود المستدامة للاستيلاء على مواقع مهمة والإبقاء عليها في جميع أنحاء البلاد، ويفرض ذلك حرباً طاحنة على الثوار، الذين ما زالوا منقسمين، ومجردين من القيادة المتماسكة، ومن دون حلفاء خارجيين أقوياء، وبالتالي غير مناسبين تماماً لمقاومة نهج النظام الطويل الأناة، ويكمن الخطر هنا في أنه حتى من دون تحقيق انتصارات مذهلة في المعركة، لا يزال بإمكان النظام أن يحقق النصر في الحرب. سيتم تحديد النتائج، إلى حد كبير، من خلال قدرة كل من النظام والمعارضة على تعبئة الموارد الداخلية والخارجية لهذه الحرب الطويلة، وقد يمتاز الثوار بإمكانات القوى البشرية الداخلية، ولكن النظام يتمتع بمزايا على صعيد دعم الحلفاء وقدرته على تنظيم القوى البشرية وتدريبها وتجهيزها. إن طبيعة الحرب البطيئة لا تزال توفر الفرص لأولئك الذين يرغبون في منع انتصار النظام، ولم يفت الأوان بعد على بناء قوات فاعلة من الثوار، ومع ذلك أصبحت مهمة هزيمة الأسد وحلفائه أكثر صعوبة يوماً بعد يوم.

* جيفري وايت | Jeffrey White ، أستاذ شؤون الدفاع في "معهد واشنطن"، ومتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في بلاد الشام، العراق وإيران.

back to top