تلوث البيئة البحرية... أزمة متمادية وحلول غائبة

نشر في 09-10-2014 | 00:15
آخر تحديث 09-10-2014 | 00:15
«الجريدة» التقت عددا من المعنيين والمتخصصين في المجال البيئي، حيث أكدوا ان البيئية البحرية الكويتية تعتبر حياة للدولة من النواحي السياحية والاقتصادية والعديد من النواحي الاخرى، مشيرين الى ان موضوع التلوث البحري وسواحل دولة الكويت موضوع كبير ويحتاج الى نظرة جادة لمواجهة التلوث الهائل فيها.

وقالوا ان الضغوطات الطبيعية على البيئة البحرية جاءت بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والتغير المفاجئ بدرجات الحرارة خلال العام، اضافة الى التأثيرات والضغوطات البشرية كالاستنزاف الكبير للمخزون العام للتنوع الاحيائي والصيد الجائر غير المقنن، اضافة الى بعض الممارسات الاخرى كالمخلفات الصحية والربط غير القانوني لشبكات الامطار بشكل عام.

واشاروا الى ان البيئة البحرية الكويتية تتعرض ايضا الى تسربات نفطية جراء حركة البواخر والانشطة النفطية يضاف الى ذلك مساهمة الانشطة داخل الموانئ في نقل بعض الملوثات مثل بعض الملوثات من البحار الاخرى الى البيئة البحرية الكويتية علاوة على ما تشهده المنطقة الساحلية من توسع عمراني واتساع الواجهات البحرية لانها تواجه مشكلة الدفان خلال انجاز انشطة البناء على السواحل.

وأوضحوا ان الشواطئ تعاني ايضا ممارسات بعض مرتادي الشواطئ مثل عمليات الشواء وترك المخلفات على الشواطئ وهو ما يعتبر من التلوثات البيئية التي يخالف عليها القانون، والتي ساهمت بتدهور البيئة البحرية الكويتية.

وأكدوا ان سوء استغلال مخارج الطوارئ لمياه البحر من بعض الجهات الخاصة عبر وصلات غير قانونية وقيام بعض الكراجات والمصانع بالقاء مخلفاتها السائلة مباشرة في  المناهيل الرئيسية في الشوارع العامة والتي تتجه الى الشاطئ مباشرة ودون معالجة اسفر عن ضرر كبير للبيئة البحرية، فضلا عن استخدام المناهيل كمخارج للطوارئ لبعض محطات الصرف الصحي دون معالجة كاملة او حتى اولية مما يؤدي الى تلوث السواحل والاحياء البحرية.

وطالبوا بضرورة ايجاد صناعة حقيقية تعتمد على احترام البيئة البحرية وسرعة تطبيق القانون من خلال شن حملة على مستوى عدة جهات حكومية ومن اهمها وزارة الاشغال والهيئة العامة للبيئة ووضع استراتيجية وخطة عمل لايجاد حل جذري لمشكلة القاء المخلفات في البحر، وفيما يلي التفاصيل:

حياة للدولة

قال نائب مدير عام الهيئة العامة للبيئة لقطاع الرقابة البيئية د. محمد الاحمد ان البيئية البحرية الكويتية تعتبر حياه للدولة من النواحي السياحية والاقتصادية والعديد من النواحي الاخرى، مبينا ان البيئة البحرية تتعرض لكثير من الضغوطات نتيجة بعض الانشطة البشرية والظواهر الطبيعية وتسهم هذه الضغوطات بتأثر التنوع الاحيائي ومعاناة الشعاب المرجانية وغيرهما من المشكلات البيئية.

واوضح الاحمد ان من اهم الضغوطات الطبيعية تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والتغير المفاجئ في درجات الحرارة خلال العام اضافة الى التأثيرات والضغوطات البشرية جراء وجود ملوثات للبيئة البحرية الكويتية التي ساهمت بالتدهور الحاصل في البيئة البحرية الكويتية.

التأثير الاقتصادي

واضاف ان «آخر دراسة قمنا بها بالتعاون مع البنك الدولي اثبتت ان الاقتصاد الكويتي في عام 2011 تأثر بالنسبة الى ميزانية الدولة لنفس العام بمعدل 560 مليون دينار في الميزانية العامة فيما يقدر 1,02 في المئة كتدهور غير مباشر نتيجة للتلوث البيئي، في حين كانت 60 في المئة من حجم هذا التدهور في دورة الهواء ويأتي تدهور البيئة البحرية في الدرجة الثانية».

واوضح الأحمد ان اكثر ما تعانيه البيئة البحرية هو الاستنزاف الكبير للمخزون العام للتنوع الاحيائي به والصيد الجائر غير المقنن احيانا اضافة الى بعض الممارسات الاخرى كالمخلفات الصحية والربط غير القانوني لشبكات الامطار بشكل عام.

واكد ان الحوادث الخاصة بالتلوث البيئي لم تعد كما كانت في السابق الا ان البيئة البحرية مازالت تعاني وجود بعض الانسكابات النفطية نتيجة حركة البواخر والانشطة النفطية يضاف الى ذلك مساهمة انشطة الموانئ في نقل بعض الملوثات مثل بعض الملوثات من البحار الاخرى الى البيئة البحرية الكويتية مشيرا الى معاناة المنطقة الشمالية من دولة الكويت نتيجة ما يسمى بالنهر الصناعي الذي احدثة النظام البائد في العراق حيث تغيرت فيها منطقة الاهوار العراقية التي كانت تعتبر بمثابة فلتر لمياه الانهار الواردة الى مياه الخليج العربي.

البدائل الاستراتيجية

واضاف نائب مدير عام الهيئة العامة للبيئة لقطاع الرقابة البيئية انه مقابل هذه السلبيات تعمل الحكومة على ايجاد بدائل استراتيجية لحل كثير من القضايا ومن ذلك وجود ما يسمى الخطة الوطنية للبرنامج لادارة البيئة البحرية والتي تحدد فيها مسؤوليات تجاه الدولة بشكل مفصل، لافتا الى ان الدولة مقبلة على اجراء اكبر مسح بيئي في تاريخ البلاد وهو المسح البحري الشامل للبيئية البحرية بالكامل وتأسيس قاعدة بيانات متكاملة عن كل شبر من البيئة البحرية بكل مكوناتها الامر الذي يؤدي الى اتخاذ قرار بيئي افضل في المستقبل باذن الله.

واشار الأحمد الى ان الكويت تمتلك كوادر بشرية مؤهلة وعلماء في قطاعات البيئة البحرية بشكل كبير ساهموا في ايجاد حلول لكثير من المشاكل الموجودة لكن الانشطة البشرية تحمل البيئة البحرية الكثير من الاعباء والضغوطات.

هياج المغذيات

واكد ان المواد غير الطبيعية التي تدخل في الجون الكويتي عبر المناهيل التي تصب في المياه البحرية ستعمل على تغير في النظام الطبيعي ودورة الحياة البحرية بشكل عام مبينا ان المجاري تؤدي الى هياج المغذيات مما يزيد الطحالب الموجودة في المياه والتي تعتبر بداية السلسلة الغذائية لكن وجود مياه المجاري تثري هذه الطحالب وتؤدي الى اتساع نموها وبالتالي تؤدي الى انخفاظ نسبة الاوكسجين نتيجة استهلاكها له مما يؤدي احيانا الى تأثر الكائنات الحية وتركيبة المياه والتربة داخل البيئة البحرية الامر الذي يمكن ان ينتقل الى الكائنات الحية ويتسبب بعدم صلاحيتها للاستهلاك.

واعرب الاحمد عن امله في ان يؤخذ بعين الاعتبار وجود بديل استراتيجي لادارة البيئة البحرية الكويتية، والتبه لتأثير اي انشطة بحرية على الساحل الكويتي تؤدي الى الاضرار بالبيئة البحرية.

أنشطة البناء

ومن جانبه، قال مدير ادارة الرقابة البحرية في الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية مرزوق العازمي ان التلوث البحري في سواحل دولة الكويت موضوع كبير ويحتاج الى نظرة جادة لمواجهة تلوث جميع السواحل مبينا ان التلوث في السنوات الاخيرة زاد بصورة كبيرة نظرا للتوسع العمراني ومواجهة اغلبية الواجهات البحرية، لمشكلة الدفان لانجاز انشطة البناء على الساحل، وهذه بحد ذاتها تعد تلوثا، فضلا عن النشاط البشري الذي يتسبب بالتلوث ايضا.

ودعا العازمي مرتادي السواحل الى عدم القاء اي مخلفات في الساحل مشيرا الى ان تلقيه المزاريب يعد نشاطا قويا في مياه البحر وخاصة في جون الكويت، وهو ما ترصده دوريات الرقابة البحرية بشكل يومي من السواحل الجنوبية من شاطئ الفحيحيل حتى جون الكويت اضافة الى وجود المواد الضارة بالبيئة البحرية مطالبا بحملة تقوم بها عدة جهات حكومية، ومن اهمها وزارة الاشغال والهيئة العامة للبيئة من خلال وضع استراتيجية وخطة عمل لايجاد حل جذري لمنع القاء اي مخلفات في البحر.

وشدد على ضرورة وجود موقف حازم وتفتيش صار على ما تلقيه المجارير سواء من تصريف مياه الامطار او حتى مياه الصرف الصحي التي ترمى في البحر الى جانب ما يلقى في مياه البحر من المخلفات الصناعية كالمواد الكيماوية شديدة التركيز، مؤكدا «اننا ما لم نحل هذه المشكلة فاننا سنرى ان الحياة البحرية بدولة الكويت معدومة».

مرتادو الشواطئ

من ناحيته اوضح مراقب النظافة ببلدية محافظة العاصمة مشعل العازمي أن التلوث البحري ليس من اختصاص البلدية، وإنما يقتصر دورها في الرقابة على نظافة الشواطئ، التي تتضرر نتيجة بعض ممارسات مرتادي الشواطئ، مثل عمليات الشواء وترك المخلفات على الشواطئ، وهو ما يعتبر من الملوثات البيئية التي يخالف عليها قانون البلدية، نتيجة اتلاف المرافق العامة والمزروعات، وترك النفايات وعدم رفعها ووضعها في الأماكن المخصصة لها من قبل البلدية، كون البلدية متعاقدة مع شركات نظافة للقيام بتلك الاعمال.

وقال: «نحن نعمل دائما على توعية الاهالي برفع نفاياتهم وعدم الابقاء عليها ملقاة في المرافق العامة والامتثال لقوانين ولوائح البلدية، إذ ان ترك المخلفات يسهم في التلوث البحري والبصري»، لافتا الى ان البلدية وضعت حاويات وسلالا على امتداد شواطئ الكويت والجزر، وذلك للقضاء على تلك الظاهرة والتزام الاهالي بوضع نفاياتهم بها.

اختصاصات البلدية

واضاف ان اختصاص بلدية الكويت ممثلا بإدارة النظافة العامة واشغالات الطرق في ما بعد الحد الأعلى من المد، وذلك من خلال رفع المخلفات والاطلاع على مدى التزام الاهالي بتطبيق لائحة النظافة بعدم ترك النفايات او رميها واتلاف المزروعات وعدم الشواء، مبينا انه تم وضع لوحات ارشادية لعدم الشواء وعدم رمي النفايات على امتداد شاطئ البحر وتم وضع حاويات ليتم القاء المخلفات بها لتعمل شركات النظافة بدورها برفع تلك المخلفات ونقلها الى الاماكن المخصصة لها.

وأشار الى ان القانون 9/1987 حدد غرامة مخالفة اتلاف المزروعات وعدم المحافظة على النظافة العامة بقيمة خمسة دنانير وتمتد الى 100 دينار في حالة الصلح و300 في حالة عدم الصلح، متمنيا من مرتادي الشواطئ التعاون والالتزام بقوانين ولوائح البلدية وعدم مخالفتها وذلك للقضاء على تلك الظاهرة ليكون دور البلدية بارزا وشواطئنا نظيفة.

تطبيق القانون

ومن جهته، قال رئيس لجنة البيئة بالمجلس البلدي العضو عبدالله الكندري ان بعض سواحل الكويت تعتبر مناطق خطيرة لروادها، مبينا ان الخط الساحلي للكويت من شماله الى جنوبه يضم العديد من الانشطة التي تعتبر مصادر لتلوث البيئة البحرية ما لم يتم مراقبتها ومعاقبة المسيء لها وذلك بتطبيق جميع الاشتراطات البيئية لكل نشاط.

وأضاف الكندري: «للاسف نجد التقصير من بعض الجهات الحكومية والتي يفترض بها حماية البيئة والتعاون مع باقي الوزارات والهيئات العامة والخاصة لحماية البيئة، كوننا نجد مخارج الطوارئ لمياه البحر تستغل اسوأ استغلال من قبل بعض الجهات الخاصة بالوصلات غير القانونية لبعض الكراجات والمصانع بإلقاء مخلفاتهم السائلة مباشرة للمنهول الرئيسي بالشوارع العامة دون رقابة ودون وعي وادراك، حيث ان هذه المخالفات ستتجه الى الشاطئ مباشرة ودون معالجة وبالتالي ينتج عنها ضرر للبيئة البحرية مباشرة ولرواد الشاطئ القريب من مخرج مياه الامطار.

واضف الى ذالك استخدام هذا المخرج الذي يعد للطوارئ من بعض محطات الصرف الصحي لصرف هذه المياه دون معالجة كاملة او حتى أولية مما يؤدي الى تلوث السواحل والضرر في البيئة والأحياء البحرية الى جانب التلوث الحراري

والناتج من إلقاء مياه التبريد من قبل محطات توليد الطاقة مما يؤثر سلبا على جودة المياه وبالتالي على البيئة البحرية، اضافة الى المراكب والقوارب المتواجدة بالجون من سفن البضائع والمواشي المتجهة الى ميناء الشويخ وترمي مخلفاتها بالجون دون رقابة أو مساءلة علاوة على السلوكيات الخاطئة لبعض مرتادي الشواطئ من رمي مخلفاتهم بالبحر وعلى الشاطى دون اي احترام حقيقي للبيئة.

احترام البيئة

وشدد الكندري على ضرورة ان تكون هناك صناعة حقيقية تعتمد على احترام البيئة من الناس، مشيرا الى ان قوانين النظافة لا تلبي احتياج الشواطئ من مرتاديها حيث ان الغرامة لا تتناسب مع إهمال المرتادين كظاهرة الشواء او رمي المخالفات كأكياس القمامة.

وتساءل الى متى تظل الرقابة غائبة على الشواطى من قبل البلدية والبيئة؟ مؤكدا ان الشواطئ الجميلة اصبحت نادرة في الكويت، حيث اصبح البحر عرضة لخطر متزايد في كل يوم وكل مد.

وأكد الكندري انه لا يمكن الانتظار حتى تحدث كارثة بيئية للاهتمام بالبيئة البحرية مثل مشكلة محطة مشرف ونفوق الاسماك، مشيرا الى ان المجلس البلدي اقترح العديد من الوسائل لحماية البيئة البحرية والشواطئ كإلزام الاشغال بتقديم جدول زمني لمعالجة المجاري والصرف الصحي في البحر كمجرور الغزالي، كما اقترح الاستعانة بخدمات المتقاعدين للرقابة على الشواطئ نتيجة ضعف الرقابة من البلدية لقلة المراقبين فيها.

استمرار الرقابة

ولفت الكندري الى ان حماية البيئة البحرية وشواطئها تتطلب الرقابة المستمرة من قبل الاجهزة الحكومية على الشواطئ، وايجاد التعاون بين الجهات المعنية وسرعة تطبيق القانون ٤٢/٢٠١٤ في شأن حماية البيئة ومكافحة التلوث والتدهور البيئي بأشكاله المختلفة، وتجنب اي اضرار بيئية وسرعة العمل بالمادة ١١٣ من القانون رقم ٤٢/٢٠١٤ بشأن الشرطة البيئية وإلزام وزارة الداخلية بإنشاء ادارة البيئة للعمل على تطبيق القانون، مشيرا الى انه بعد صدور قانون البيئة الجديد قضى الباب الرابع منه لحماية البيئة البحرية من التلوث هو اختصاص هيئة، وفوض المجلس الأعلى للبيئة بتحديد مسؤوليات الجهات المعنية.

واختتم الكندري بضرورة قيام المجلس الاعلى للبيئة بواجباته المنوطة به قبل وقوع كارثة بيئية لا قدر الله تكلف الدولة ملايين الدنانير لعلاجها، كما ان الشواطئ الجميلة لا تأتي مصادفة.

back to top