معركة إدلب: التداعيات العسكرية

نشر في 06-04-2015
آخر تحديث 06-04-2015 | 00:01
 معهد واشنطن مُني النظام السوري بهزيمة كبيرة في الأيام القليلة الماضية، حيث مدينة إدلب التي كان يسيطر عليها منذ فترة طويلة لمصلحة ائتلاف مكوّن من قوات الثوار يسيطر عليه المقاتلون الإسلاميون؛ ولهذا الحدث انعكاسات مهمة على مسار الحرب في سورية، فمن المحتمل أن يؤثر في العمليات الدائرة على جبهات رئيسة أخرى، وينتج في الوقت نفسه فرصاً جديدة للثوار وتحديات جديدة للنظام، وقد شكّلت المعركة اختباراً مهماً لقدرة النظام على تنفيذ استراتيجيته العسكرية، إلا أن الاختبار باء بالفشل، فقد تُركت قوات بشار الأسد أمام عقبات تكتيكية وعملياتية فورية في محافظة إدلب، مثل إعادة تنظيم دفاعاتها وقواتها، والحفاظ على خط الاتصال الخاص بها، وربما شن هجوم مضاد لاستعادة السيطرة على المدينة، أما بالنسبة إلى الثوار فهم يتمتعون الآن بالفرصة لاستغلال نجاحهم من خلال شن عمليات هجومية في المحافظات الأخرى ذات الآثار الاستراتيجية المحتملة، إذا افترضنا أن بإمكانهم الحفاظ على وحدة الجهود والأهداف.

وعلى الرغم من أن آثار المعركة الكاملة لن تتوضح قريباً، فإنه من الواضح أن أرض المعركة قد تغيّرت، وخصوصا حول إدلب، مما يشير إلى أنه سيتوجب على كل الأطراف إعادة تقييم خططها في المرحلة القادمة.

العمليات الدفاعية للنظام

أفادت التقارير أن معظم قوات النظام التي كانت تدافع عن إدلب تكونت من عناصر من "قوات الدفاع الوطني" غير النظامية ومن الفرقة (11) للجيش، وذكرت بعض المصادر المرتبطة بالنظام أنه تم إرسال تعزيزات من القوات الخاصة للجيش وعناصر إضافية من الفرقة (11)، وإذا كان ذلك صحيحاً فلم يكن لهذه العناصر تأثير يُذكر على النتيجة. إذ يبدو أن قوات النظام حاربت بشدة للحفاظ على الدفاعات الخارجية للمدينة، ولكنها لم تتمكن من إيقاف تقدم الثوار المتسارع، وفي بعض الأحيان كانت تخاطر بالوقوع بهزيمة كارثية أخرى مثل تلك التي عانتها قوات النظام في محافظة الرقة في الصيف الماضي، وقد شنّت الوحدات الجوية ووحدات المدفعية العديد من الهجمات ضد مناطق الثوار في جميع أنحاء المدينة وأوقعت إصابات في صفوف المقاتلين والمدنيين، لكنها لم تكن قادرة على تحويل دفة الأمور.

مما يثير الدهشة هنا حول سقوط إدلب هو رد النظام الضعيف نسبياً على هجوم الثوار، فقد كان أمام قوات الأسد ما لا يقل عن بضعة أيام من الإنذار المسبق، واعتمدت على القوة الجوية للرد الفعّال، وأرسلت تعزيزات محدودة (إن وجدت)، ونفذت دفاعاً غير فعال أساساً، وقد تكون هذه القوات قد سحبت بعض الأسلحة والأفراد عندما تم اختراق الدفاعات الخارجية، وربما منع ذلك وقوع هزيمة أكبر.

التداعيات

رغم أن قوات الثوار حققت نجاحاً مهماً في إدلب، فإنه من المرجح أن تظل العواقب النهائية غير مؤكدة لبعض الوقت، فكثير من الهجمات المبالغ بها من الطرفين فقدت قوتها عندما تبدّدت المكاسب الأولية وجرى حشد المدافعين لمواجهة التهديد، ومع ذلك، فإنّ بعض النتائج الأولية واضح بالفعل.

ومن أبرز هذه النتائج، تغيّر طاقم المسؤولين في عاصمة المحافظة، مع كل التأثيرات السياسية والعسكرية التي تترتب عن ذلك، وقد حسّن الثوار من وضعهم العسكري بشكل ملحوظ في محافظة إدلب وربما على نطاق واسع في شمال سورية، في حين أن وضع النظام الباقي في المحافظة هو في حالة خطرة.

وقد عانى الجانبان أيضاً الاستنزاف في الجنود والعتاد، على الرغم من أن الخسائر لا تبدو جسيمة، فقد النظام بعض الأسلحة الثقيلة والذخيرة، ولكن أشرطة الفيديو بعد المعركة لم تظهر الكثير من الخسائر من هذا النوع، أما بالنسبة إلى الخسائر الأهم في المقاتلين فقد وقعت في صفوف قادة الثوار، الذين تم الإبلاغ عن مقتل عدد منهم.

وبالنسبة إلى النظام فإن التداعيات ليست جيدة، فحتى لو تمكّن من سحب بعض القوات وإثبات قدرته على فرض سيطرته على بقية النتوء، إلا أن الأمر يشكل خسارة سياسية واضحة وعلنية وفشلاً عسكرياً استراتيجياً، وسيتعيّن على النظام إعادة تقييم مفهومه حول السيطرة على نقاط مكشوفة وربما التخلي عن بعض المناطق التي اختار الدفاع عنها حتى الآن، الأمر الذي يحتمل أن يشكل تغييراً جوهرياً في مسار الحرب، كما يتوجب عليه بشكل خاص أن يفكر في مواقعه في محافظتي دير الزور ودرعا، حيث تقع المدينتان في نهاية نتوءات طويلة في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أو الثوار. ومن المرجح أن النظام السوري يواجه متاعب أيضاً بسبب فشل قواته في إدلب، فقد خاض هذه المعركة جنود النظام، لا "حزب الله" أو العراقيون أو الإيرانيون، ولم يكونوا أكفاء في تأدية هذه المهمة، ويثير ذلك الشكوك حول قدرتهم على الحفاظ على الأماكن الأخرى غير المدعومة من قوات حليفة، مما يدل مرة أخرى على اعتماد الأسد على هؤلاء الحلفاء لإنشاء وحدات برية فعّالة.

أما من ناحية جماعات الثوار التي تشارك في المعركة، فقد اختبرت إدلب قدرتها على شن عملية خطرة ضد موقع رئيس أراد النظام الحفاظ على سيطرته عليه، لا بل حاول ذلك، وقد التزمت الفصائل الإسلامية بشكل خاص بتقديم الموارد البشرية والمادية الكبيرة اللازمة للعملية، ووضعت نفسها في موقف لإلحاق هزيمة استراتيجية، ولا سيما: تدمير فعّال لمركز النظام في محافظة إدلب، وفقدان المدينة، وفقدان القوات المشاركة في الدفاع عنها، وقد حققت هذه الأهداف جزئياً على الأقل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن الجماعات الإسلامية قادت هذا الانتصار ستساعد هذه الأخيرة على تعزيز موقفها في إدلب وربما تمنحها عاصمة إسلامية لمنافسة عاصمة "داعش" في الرقة، كما أن الزيادة المترتبة على ذلك في الدعم والتجنيد يمكن أن تؤدي إلى المزيد من التقليل من الاحتمالات المطروحة أمام الثوار المعتدلين.

الخطوات المقبلة

استحوذ الثوار على بعض الأسلحة الثقيلة الإضافية وربما الذخيرة من قوات النظام المهزومة، مما يمكن أن يؤدي إلى تنشيط المزيد من العمليات الهجومية، فقد يختارون التحرك ضد الأجزاء المتبقية من نتوء إدلب، كما ستُتاح أمامهم خيارات على جبهات أخرى أيضاً.

ولكن الحفاظ على الوضع الهجومي ليس بالسهل، فمن أجل تحقييق ذلك، سيتوجب على الثوار:

• تعزيز مكاسبهم في إدلب.

• التعامل مع الجيب الذي شكلته البلدات الشيعية إلى الشمال من المدينة.

• إعادة تنظيم قواتهم وإعادة إمدادها.

•اتخاذ قرار حول أهدافهم المقبلة مع عدم المساس بتحالفهم القتالي.

لقد انتهت العديد من هجمات الثوار في الماضي بسبب فقدان التركيز وعدم المبادرة والاقتتال السياسي، ولكن إذا استطاعوا الحفاظ على رباطة جأشهم، يبدو أنه سيكون أمامهم ثلاثة خيارات تتخطى محافظة إدلب، وسيطرح كل منها مشاكل خطيرة بالنسبة إلى الأسد:

1- بإمكانهم ضرب قوات النظام التي تهدد حلب لتخفيف الضغط عن تلك المدينة والقضاء على مراكز مقاومة النظام في نبل والزهراء.

2- بإمكانهم الانتقال إلى محافظة اللاذقية لتهديد المنطقة التي تشكل قلب النظام.

3- بإمكانهم التحرك باتجاه مدينة حماة ومطارها العسكري الرئيسي.

الكلمة الأخيرة في هذه المعركة لم تُقل بعد، وفي الواقع، أظهرت أربع سنوات من الحرب في سورية أن الآثار المترتبة حتى عن التطورات المفاجئة والمريعة يمكن أن تخف مع مرور الوقت، فالمتمردون منقسمون جداً في كثير من الأحيان بحيث لا يستطيعون أن يضمنوا استمرارية الجهود على المدى الطويل، أما النظام فقد أثبت أنه قادر على التكيف مع النكسات، ففي حرب استنزاف لا توجد معركة واحدة حاسمة.

وتشمل الأسئلة الجوهرية حول المستقبل ما يلي:

• كيف سيتكيف النظام مع الهزيمة استراتيجياً وعملياً وتكتيكيا؟

• يشير الفشل في إدلب إلى أن النظام سيصبح أكثر اعتماداً على حلفائه الأجانب، فهل ستقوم إيران و"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية بزيادة مشاركتها في سورية؟

• كيف سيستغل الثوار انتصارهم، وأي من الخيارات الثلاثة المذكورة أعلاه سيختارون، إذا فعلوا ذلك؟

• كيف ستؤثر النتائج في التوازن داخل المعارضة وبين المتمردين وتنظيم "الدولة الإسلامية"؟

• كيف سيؤثر ذلك في موقف واشنطن من سورية، وعمليات الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" وعناصر مرتبطة بتنظيم "القاعدة" في البلاد، وخطط إدارة أوباما لتدريب قوات معتدلة من الثوار وتجهيزها؟

مهما كانت الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن نتيجة المعركة تشير إلى أن بعض الاستراتيجيات المستخدمة قبل المعركة وأثناءها قد لا تكون مناسبة بعد الآن، ليس في محافظة إدلب، وربما ليس في بقية أنحاء سورية أيضاً.

* جيفري وايت | Jeffrey White ، أستاذ شؤون الدفاع في "معهد واشنطن"، ومتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في بلاد الشام، العراق وإيران.

back to top