نفضة شيخوخة

نشر في 15-11-2014
آخر تحديث 15-11-2014 | 00:01
 نوال أحمد الصالح دعيت إلى اجتماع أولياء الأمور في مدرسة ابني، التي مازلت أعاني كثرة استدعاءاتها لأن ابني لا يكتب بالصف ويحضر بدفاتر خالية حتى من تدوين التاريخ بالدفتر، والعجيب في الأمر أنه يفهم ما ذكر بالصف ويكتب إذا ما طلب منه ذلك!

في بداية الأمر عزي السبب إلى كونه طفلاً عنيداً ودلوعاً! غير أنني لاحظت أنه يعاني مشكلة التآزر البصري والحركي، كما أن حركة عضلات كفه تكون ضعيفة عند الكتابة، مما يجعله متأخراً في نقل ما يكتب على السبورة، رغم محاولته أن يجاري سرعة مدرسة الفصل في الكتابة، مما يشعره باليأس وينفره من الكتابة، ومع الوقت تطورت مشكلته إلى العصبية والغضب واللجوء إلى العنف أحياناً.

وكثيراً ما ذكرت هذا الأمر للمعلمة، التي شعرت بأنني، بشكلٍ ما، ألقي اللوم عليها، مما ولد فيَّ الشعور بأن طفلي لن يفلح في المدرسة، المهم ذهبت إلى اجتماع أولياء الأمور، لأفاجأ بأن معلمة الفصل حولت مشكلة ابني إلى الاختصاصية النفسية التي تم تعيينها حديثاً بالمدرسة، ولا أخفي عليكم الشعور بالخوف الذي اجتاحنى جراء أن ابني قد لا يكمل دراسته بهذه المدرسة الخاصة! لأنقله منها إلى مدرسة أخرى.

 دخلت مكتب الاختصاصية النفسية، وكان مزدحماً بأولياء الأمور، مما اضطرني إلى الجلوس ومراقبة حديثها معهم وطريقتها في عرض مشكلة كل طفل واحتياجاته، مع عرض حلول هذه المشكلة، لقد أدخلتني معها في عالم التشخيص وصرت مع الوقت أسمع أعراض الطفل وأقوم بتشخيص حالته قبل أن تذكرها لولي الأمر، لدرجة أنني نسيت سبب حضوري وانتظاري، والجميل في الأمر أنها استطاعت أن تحتوي أولياء الأمور ومخاوفهم تجاه أعراض أبنائهم مهما كانت معقدة وذات مصطلحات غريبة ووقعها مخيف علي السامع، بل جعلتهم متقبلين للتشخيص وحتى العلاج المطروح، مع الرغبة في التعاون معها إلى أبعد الحدود.

 وجاء دوري وبعدما دخلت عليها بروح المدافع وجدت نفسي أقبل عليها بروح العلم والرغبة في معرفة تشخيص أعراض ابني، وهل وفقت في تشخيص مشكلته أم أن عاطفة الأم غلبت عندي خبرة التشخيص، وما إن استرسلت هي في الحديث حتى شعرت بالسعادة لدرجة أنني شعرت بالرغبة في احتضانها وتقبيلها، إذ كان تشخيصها للمشكلة مطابقاً لتشخيصي، ومن ناحية أخرى اطمأن قلبي على ابني ومستقبله الدراسي، وقد وعدتني بأن تشرح المشكلة لمعلمات الفصل والتعاون فيما بيننا، كولي أمر واختصاصي نفسي ومعلم فصل ومعالج فسيولوجي لتقوية عضلات يده، وفي نحو شهرين استطعنا أن نعالج مشكلة كان يعانيها طالب منذ سنتين، كما رفعت عن كاهل ولي الأمر والمعلم مشكلة التعامل مع طالب لديه اضطرابات سلوكية.

أجل يا معالي وزير التربية والتعليم العالي إن وزارة التربية شاخت، ولكن شيخوختها لم تشمل فقط المناهج، فكم من وزير اجتهد بتطويرها وتعديلها، ولم تشخ بمعلميها فكم من وزير فتح باب استقبال المعلمين الجدد ووضع خططاً لتطويرهم وتدريبهم، إن وزارة التربية قد شاخت عن إيجاد خطة تنموية شاملة ومتكاملة تبدأ من إعطاء كل ذي خبرة مكانه، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إن وزارة التربية لا تحتاج إلى مناهج جديدة، ولا معلمين جدد، ولا إلى إداريين أو اختصاصيين نفسيين أو اجتماعيين لتطوير التربية والتعليم، إنها تحتاج ببساطة إلى فهم روح العمل الجماعي والتخصص الإداري والأكاديمي.

إن نفضة وزارة التربية تبدأ بالتغيير الذي نادي به كايزن، والذي يبدأ بالفرد، ليطول الكل، فإذا ما أردنا النجاح بهذه النفضة فيجب أن نبدأ بزرع روح الرغبة في التغيير لدى المسؤول عن التخطيط والمعلم أولاً، ثم الطالب والأسرة ثانياً، والهيئة الإدارية والأكاديمية ثالثاً، يجب أن نبدأ برسم خطة تغيير الأفكار السلبية تجاه التعليم والتربية، فالأفكار السلبية هي التي تولد المشاعر التي بدورها ترسم تصرفات الفرد تجاه التربية والتعليم، فيكون تصرف المعلمة تجاه ولي أمر الطالب الذي يبحث عن حل لمشكلة ابنه، وهي تشعر بأنها غير ملومة على هذه المشكلة، منفتحاً بما يشكل الرغبة في تقديم المساعدة أكثر من تلك المعلمة التي تفكر بأنها هي الملومة.

back to top