الإحسان وتقدم الشعوب

نشر في 02-08-2014
آخر تحديث 02-08-2014 | 00:01
 د. نجوى الشافعي الإحسان يعني في اللغة القيام بالفعل على أحسن وجه، وهو درجة رفيعة عالية من أداء العمل يؤدي إلى الإتقان، ويمتلئ القرآن الكريم بآيات تمدح المحسنين وترفعهم إلى درجة محبة الله وتقديره لهم وحسن الثواب الذي ينتظرهم. يعلمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين سأل جبريل عليه السلام عن معنى الإحسان قال: "أخبرني عن الإحسان. قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"؛ ذاك هو الضمير اليقظ في لغة الاجتماع الذي يراقب صاحبه حين يعمل فيدفعه إما للإجادة أو إلى عدمها، فيكون الناتج راقيا أو دون ذلك.

سترى هذه القاعدة على كل الأعمال من أدناها إلى أقصاها، وتفرق الأمم المتقدمة الناجحة عن تلك المتخلفة الفاشلة في درجة إتقان عمل أبنائها وإخلاصهم فيما يقدمونه لأوطانهم؛ فالعامل في مصنعه والزارع في حقله والطالب في معهده والمعلم في مدرسته؛ حتى النادل في المقهى، كل أولئك يحتاج الوطن إلى تجويدهم لعملهم وإخلاصهم في عطائهم والبذل من وقتهم وجهدهم لإنجاح مهامهم في منظومة تسمى الضمير ومراعاة الخالق في القيام بما هو مطلوب من كل فرد في المجتمع، وما مثل اليابانيين عنا ببعيد، وهم بالمناسبة لا يتبعون أيا من الديانات السماوية.  أما العبادات فلها مذاق خاص مع الإحسان والإخلاص في مناجاة الله والخشوع والتذلل له؛ حلاوة تحلق بها الأرواح عاليا في السماء الدنيا لتتواصل بها مع عالم خفي يتسرب إلى النفوس فتشرق الوجوه بنور الإيمان، فالذين يقيمون الصلاة في خشوع والذين ينفقون المال على حبه لوجه الله ولا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى محسنون، والصائمون عن الطعام كما عن اللغو واللهو محسنون، والقائمون الليل والمسبحون بالنهار محسنون، والذين يخافون الله ويخشون معصيته في السر كما في العلن محسنون، كل أولئك رضي الله عنهم وأعد لهم أجرا عظيماً.

وتتسع دائرة الإحسان لتشمل المعاملات، فحين تجيد اختيار كلماتك في التعامل مع الناس فأنت محسن، وحين تحترم الكبير بحق وتحنو على الصغير بعطف فأنت محسن، وحين تشارك الناس الآمهم وآمالهم بصدق وتبذل من مالك ووقتك للآخرين فأنت محسن.

 ومن رحمة الله وسنته على الأرض أن إحسان العمل يؤتي ثماره في الدنيا قبل الآخرة، فيقبل الناس على العامل الذي يحسن صنعته والتاجر الذي يحسن معاملته، والمنتجات ذات السمعة الحسنة، والأماكن التي اهتمت بها المؤسسات وأحسنت إعدادها واستكمال خدماتها، وهكذا الحال في كل ركن من أرجاء الحياة على الأرض، وفقنا الله وإياكم وجعلنا ممن يحسنون لدنياهم وآخرتهم.

back to top