المعضلة الروسية... لمَ تُعتبر عقوبات الاتحاد الأوروبي خدعة؟

نشر في 19-05-2014
آخر تحديث 19-05-2014 | 00:01
المستويان الأول والثاني من العقوبات مجرد خطوات رمزية ولم تفرض عبئا حقيقيا على الاتحاد الأوروبي، لكن المستوى الثالث مختلف، ما يحد من احتمال موافقة الاتحاد على عقوبات قد يكون لها تأثير كبير في روسيا، لذلك يصبح سلاح أوروبا الأقوى مجرد خدعة.
 شبيغل صحيح أن الاتحاد الأوروبي يعرب راهناً عن وحدته في مسألة فرض عقوبات اقتصادية محتملة على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، إلا أن هذا الوضع قد يتبدّل عندما تُطرح عقوبات أكثر جدية على الطاولة، إلا أن ألمانيا تناضل للحفاظ على مظاهر الوحدة هذه. يكره سياسيو الاتحاد الأوروبي أن يتفوق عليهم أحد في المسائل التي تتطلب الإعراب عن العزم والتصميم، فقد ذكر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أخيراً أنه إذا واصل الروس تصرفهم على هذا النحو، فلا مفر في هذه الحالة من فرض عقوبات قاسية جديدة، أما نظيره البريطاني وليام هيغ، فقد أعلن أن العقوبات الاقتصادية قيد الدرس، وهددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفرض «المزيد من العقوبات»، إن نشأت مشاكل تعرقل الانتخابات الأوكرانية.

تشكّل هذه العبارات القوية ردّ الغرب على نزعة موسكو التوسعية، فهدفُ ما يُدعى المستوى الثالث المحتَمل من العقوبات، أي العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق، حملُ بوتين على التراجع، علماً أن هذه العقوبات تُعتبر أكثر فاعلية من أي تدبير آخر، فبما أن الأوروبيين استبعدوا استخدام الوسائل العسكرية، تبقى هذه العقوبات السلاح الأقوى الذي يملكونه؛ لذلك تُعتبر هذه الخيار النووي الدبلوماسي في المعركة الدائرة لتحديد مستقبل أوكرانيا.

 لكن هذا السلاح يصطدم بمشكلة واحدة: لا يمكن استخدامه إلا بموافقة كل أعضاء الاتحاد الأوروبي، ففي هذا الاتحاد، من الضروري اتخاذ أي قرار بشأن العقوبات بالإجماع، وقد نجحت هذه الخطوة مع المستويين الأول والثاني لأنهما شكّلا في المقام الأول مجرد خطوات رمزية أثرت في أشخاص مقربين من بوتين ولم تفرض أي عبء حقيقي على الاتحاد الأوروبي، لكن المستوى الثالث مختلف، مما يحد من احتمال موافقة الاتحاد الأوروبي على عقوبات قد يكون لها تأثير كبير في روسيا، نتيجة لذلك، يصبح سلاح أوروبا الأقوى مجرد خدعة.

الصقور مقابل الحمائم

خلال حوار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيراً مع زيغمار غابرييل، نائبها ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري المعتدل، أشارت إلى أن الكثير من الشركاء في الاتحاد الأوروبي يبدون خلال المشاورات بشأن العقوبات أكثر اهتماماً بالحديث عن تأمين الاستثناءات لاقتصادات بلدانهم، في حين يحاول آخرون تفادي هذا الموضوع تماماً.

ولكن ثمة مسائل كثيرة من الضروري مناقشتها، فنرى من جهة دولاً تتبنى موقفاً متشدداً (منها معظم دول أوروبا الشرقية وبريطانيا العظمى) وتفضّل فرض العقوبات القاسية عاجلاً لا آجلاً، ونلاحظ من جهة أخرى أن بعض الدول الأكثر حذراً، مثل دول البينولوكس، تراهن على الدبلوماسية أو تخشى، على غرار كل دول جنوب أوروبا، الكلفة الاقتصادية التي قد تترتب على المقاطعة التجارية. أما فرنسا وألمانيا، فتتبنيان موقفاً وسطياً: لا تريدان العقوبات، إلا أنهما ستدعمانها في حال واصل بوتين زعزعته استقرار أوكرانيا، وتراهن ألمانيا خصوصاً على العقوبات المالية، التي تعني استخدام بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بهدف الضغط على موسكو، وقد أعدّ بنك الاستثمار الأوروبي لائحة بمشاريع يمكن تجميدها عند توسيع العقوبات.

لكن دولاً مثل بريطانيا العظمى وقبرص تعارض بشدة خطوة مماثلة، لأنها ستؤثر في قطاعاتها المالية؛ لذلك تدعم بدلاً من ذلك مقاطعةً في مجال الطاقة، إلا أن هذا الطرح يصطدم أيضاً برفض دول أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا وسلوفاكيا، التي تعتمد على روسيا بالكامل تقريباً في مجال الغاز.

من الواضح أن العقوبات الاقتصادية الفعلية ستكبّد الأوروبيين كلفة كبيرة، فقد ذكر تقرير سري صادر عن المفوضية الأوروبية أن ألمانيا ستعاني خسارة في النمو تبلع 0.9% هذه السنة و0.3% السنة المقبلة، ويبدو الوضع أكثر سوءاً في دول أخرى.

العقوبات قد تخفق

تشكك حكومات كثير في قدرة هذه العقوبات على حمل بوتين على التراجع، ففي الأوساط الأمنية الألمانية، تُعتبر هذه النتيجة شبه مستحيلة، فالخطوات المحدودة التي اتخذها الغرب حتى اليوم «لم تزرع الخوف» في قلب بوتين وشركائه، حسبما أشار أحد المسؤولين الأمنيين. لا تعاني روسيا ديناً خارجياً كبيراً، في حين تملك احتياطات كبيرة من العملة، مما يمنحها فترة انتقالية تدوم سنتين على الأقل، وتُعتبر هذه الفترة كافية للعثور على مشترين جدد للغاز الروسي وطرق توزيع مختلفة. يذكر مسؤول أمني: «سنعاني البرد قبل أن ينفد المال الروسي».

بالإضافة إلى ذلك، يرتبط تصميم بوتين على ترسيخ نفوذه في شرق أوكرانيا بأهمية هذه المنطقة في قطاع صناعة الأسلحة الروسية، فتشير المعلومات الغربية إلى أن الجزء الأكبر من محركات طائرات الجيش الروسي وعلب التروس ومعدات الصواريخ يُصنَّع في شرق أوكرانيا؛ ولهذا السبب خطط الكرملين أيضاً، وفق المسؤول الأمني، لفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة من جانبه. يوضح: «إذا كانت القيادة الروسية تعتبر نفسها قوية، حتى لو لم نرها نحن على هذا النحو، فستتصرف بقوة، ولا شك أنها تشعر راهناً أنها بالغة القوة».

مع أن الدول الأعضاء الثماني والعشرين في الاتحاد الأوروبي تحاول جاهدة التأكيد للعالم الخارجي أنها موحدة، وتبرز الاختلافات الكبيرة في آرائها بوضوح في اجتماعاتها الداخلية، وتخشى ميركل أن تظهر هذه الانشقاقات في الاتحاد إلى العلن، فيكون بوتين بذلك قد حقق أحد أهم أهدافه: تقسيم الأوروبيين.

البحث عن سبل

يشكّل هذا سبباً آخر يدفع الحكومة الألمانية إلى السعي، مهما كلّف الثمن، إلى تفادي وضعٍ تصبح معه العقوبات محتمة، فقد أشار وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى أن موسكو كفّت أخيراً عن التشكيك في شرعية الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، التي ستُعقد في 25 مايو، وتتمسك الحكومة الألمانية بإشارات مماثلة لأنها قد تشكّل سبباً لتجنب تطبيق المستوى الثالث من العقوبات.

قبل تحديد الخطوات الملموسة، يحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى مناقشة متى يجب تطبيق المستوى الثالث، مما يشكّل طريقة للتحايل على هذا الوضع الدقيق، ويذكر مسؤول حكومي بارز: «من الواضح أننا سنفرض عقوبات اقتصادية في حال خرّب بوتين عملية الاقتراع، لكننا لا ندرك بوضوح ما يُعتبر تخريباً».

تشمل الطرق المتاحة لإرجاء المناظرة بشأن العقوبات حض الأوكرانيين على تأجيل عملية التصويت، لكن الحكومة الألمانية ترفض هذا الحل لأنه سيبدو أشبه برضوخ لمشيئة بوتين، فقد أوضح أخيراً ماركوس إديرير، مسؤول في وزارة شتاينماير الخارجية، خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني: «التأجيل غير وارد البتة».

Christoph Schult و Ralf Neukirch و Jörg Schindler

back to top