كلنا ميكيافيللي

نشر في 11-02-2014
آخر تحديث 11-02-2014 | 13:01
 باسم يوسف الأسبوع الذي سبق ٣٠/٦، قلق، توتر، خوف من المستقبل، يسألني صحافي أجنبي "ماذا تعتقد أنه سيحدث الأسبوع القادم؟"، رددت بالإجابة المفضلة لديَّ "إذا كنا تعلمنا أي شيء من آخر عامين فيجب أن تتأكد أنك لا تستطيع التنبؤ بما سيحدث في مصر"، ثم أضفت ما كان يشغلني فعلاً، "أنا لا أعرف ماذا سيحدث، ولكنني أستطيع أن أقول لك إنه لو مرّ هذا اليوم بدون تغيير على أرض الواقع فسوف يتوحش علينا الإخوان".

كان هذا هو الشعور العام، سواء فرحت بعزل مرسي أو كان عندك تحفظات عما حدث بعد عزله، أستطيع أن أجزم أن هذا كان الشعور السائد: ماذا سيفعل بنا الإخوان؟ وأيضا الكارهون لتدخل الجيش كان بداخلهم توجس مما قد يفعله الإخوان بهم إذا تخطوا "كمين" ٣٠/٦.

أتذكر أنه في آخر أسبوع في يونيو شاهدت فيديو على الـ"يوتيوب" أنتجه وصوره شباب جماعة "الإخوان"، كان ذلك واضحاً من اسم الشركة المنتجة التي صورت أفلاماً أخرى مؤيدة لمرسي، إلى جانب طبعاً السماجة المعروفة عن الإخوان، وروح الدعابة القاتلة المشهورين بها.

كان الفيديو يصور واحداً "شكله شمام" المفروض أنه يمثل الذين سينزلون استجابة لحملة "تمرد"، وكان كلما هتف ضد مرسي يخرج الشاب الإخواني صحيح البدن مهندم الثياب ليضربه على قفاه، ويستمر الفيديو حتى يقوم الشاب المتدين بالقضاء عليه بطريقة المفروض أنها "كوميدية"، ولكن الفيديو فيه تحريض واضح على العنف بل والقتل، ولكنهم في الواقع لم يكونوا في حاجة إلى هذا الفيديو، فالجو العام في حضور مرسي نفسه كان مشحوناً بالتهديد والوعيد، وكانت برامجهم تمتلئ بالتكفير والاتهامات التي طالت الكل.

أتذكر وسائل الإعلان الخاصة، وهي تندد وتشجب هذا الأسلوب العدائي والمحرض، وأتذكر كيف كانت القنوات "بتاعتنا" تنتفض للهجوم على المؤتمرات الشعبية، والتحريض على العنف والقتل باسم الدين.

أتذكر أيضاً كيف سخرت "قنواتنا" من استخدام الدين لصالح مرسي والإخوان، فعبارات مثل "الله أرسل مرسي إلى مصر"، و"ماذا فعل الرسول في مئة يوم لتحاسبوا مرسي"، و"حفيد عمر بن الخطاب"، وغيرها كانت محل سخرية وانتقاد لاذع.

اليوم، سبحان الله، انقلبت الآية تماماً، ولكنك لا تجد القنوات الخاصة (هي الوحيدة الباقية بصراحة) يهتز لها طرف حين تنتشر دعاوى القتل والتحريض بلا دليل.

اليوم يخرج الشيوخ والدعاة ليقولوا بالفم المليان، إن التصويت على الدستور "بنعم" واجب شرعي، وإن المشير عبدالفتاح السيسي قد أرسله الله إلينا، ومن يعارضه فهو آثم، وان هذا الدستور "يرضي الله ورسوله"، وان الفريق السيسي من نسل سيدنا الحسين، وانه مع وزير الداخلية من "جنود الله".

تمر هذه التصريحات و"قنواتنا" كأنها ليست هنا، فيبدو أنها بعد أن تأكدت أن مرسي ليس حفيد عمر بن الخطاب، ربما مازالت تبحث في إمكانية أن يكون المشير حفيد الحسين.

أتذكر أيام اعتصام مجلس الوزراء حين كان يعرض خالد عبدالله مقاطع فيديو مسرّبة من كاميرات المراقبة هناك، ليشوه الذين يقومون بالاعتصام، وأذاع هذه المقاطع ليشوه الكثير من رموز التيار المدني، يعني رجل إعلامي يعرض فيديوهات المفترض أنها من كاميرات المراقبة التي تسيطر عليها الجهات الأمنية، على الملأ في انتهاك صارخ للخصوصية، يعتبر إدانة واضحة للجهات السيادية التي سمحت بعرض هذه المقاطع.

اليوم قنواتنا لا تمانع أن يقوم المذيع الأمنجي الطبال بانتهاك خصوصيات نفس الأشخاص وبطريقة أكثر قذارة، فإذا سربت الجهات السيادية فيديوهات المراقبة لأبوذقن بالأمس، فلا مانع من تسريب مكالمات خاصة لأبوطبلة اليوم، وفي الحالتين الحجة هي الخوف على البلد.

نحن لم نمانع برمي المولوتوف على قصر مرسي، ولكننا لن نتسامح مع من يرفع إيديه بإشارة رابعة.

نحن جيشنا القنوات والمحللين لمهاجمة دستور الإخوان، ولكننا لم نسمح بظهور أحد ليعارض الدستور الحالي.

قلبنا الدنيا على موضوع سد إثيوبيا، وقام مرسي باستخدام الموضوع للاستهلاك المحلي، وقام بحشد أنصاره في مؤتمر لا يقل بلاهة عن طريقة إدارته للأزمة، ولم نخرج منها إلا بصداع وكام نكتة حلوة عليهم.

اليوم تقول لنا السلطة إن موضوع السد تمام، ويخرج محلل استراتيجي فيقول إن إثيوبيا مرعوبة من الدستور، ونستخدم موضوع السد للاستهلاك المحلي مرة أخرى ولكن بشياكة، وفي هذه الأثناء يستمر بناء السد على قدم وساق، وإعلامنا ولا هو هنا.

الإخوان الذين يشتكون الآن لطوب الأرض من القمع لم يهمهم قتل المعارضين أمام الاتحادية أو في المقطم، وإن كنا نحن مكانهم بعد ثلاثين يونيو لما ذرفوا دمعة واحدة علينا، وكانوا سيستخدمون مقولة رئيس الوزراء البريطاني التي تستخدم ضدهم الآن "إذا كان الأمر يتعلق بأمن بريطانيا فلا تحدثني عن حقوق الإنسان".

بالمناسبة هم استخدموا هذه المقولة قبل ذلك في برامجهم فلا ده تنجيم ولا سحر ولا شعوذة.

وبالمناسبة أيضاً هذه المقولة تذكر في غير سياقها.

ورغم أننا جميعا نتشدق بالمثاليات، فالحقيقية هناك ميكيافللي صغير بداخل كل واحد فينا، نحن يهمنا المثاليات والأخلاقيات فقط حين نكون نحن الطرف الأضعف.

نحب الجرائد الأميركية حين تشتم الإخوان، ونبرز تحقيقات فوكس نيوز عن الإرهاب والجماعات المتطرفة، ولكننا ننعت نفس وسائل الإعلام الأميركية بالخيانة والتحيز وعدم المهنية حين تنتقد الحكومة الانتقالية وتهاجم قمع الداخلية.

تشتم هذا الكاتب أو ذاك ثم تضع مقالته التي تشتم أعداءك على صفحتك على الـ"فيسبوك" حين يكون الكلام على المزاج.

الإخوان قالوا عني إنني أراجوز، وان السخرية حرام "لا يسخر قوم من قوم"، ثم الآن تنشر صفحاتهم مقالاتي إذا أحسوا أنها تخدمهم، والآن يستخدم شبابهم السخرية "التي كانت محرمة" والشتائم، بل الألفاظ النابية ضد الجيش ومن يسمونهم انقلابيين، ومن وقف معنا بالأمس يأتي اليوم ليصنفنا كمهرجين وأراجوزات وخونة، لأننا لم نعد نمشي على هواه.

الإخوان كانوا يهاجمون معارضيهم ويتهمونهم بحرق المقرات والهجوم على الشرطة وقت رئاسة مرسي، لأن ذلك فيه امتهان لهيبة الدولة، أما الآن فصفحاتهم تنشر بكل فخر فيديوهات يتم فيها حرق عربيات الشرطة، ويتم إلقاء المولوتوف على الضباط في عرباتهم المدرعة، ولتذهب هيبة الدولة إلى الجحيم حتى يرجع مرسي.

الإخوان كانوا يطبلون بشدة لوزير الداخلية بل قالوا إنه بقيامه بقمع التظاهرات فقد قدم أوراق اعتماده، وكان أعداء الإخوان يتهمونه وقتها أنه إخواني، بل اتهم هؤلاء السيسي بأنه إخواني أيضاً قبل أن يقعوا الآن في حبه.

الموضوع موضوع أغلبية ومن يملك القوة، الموضوع ليس له علاقة بأخلاق ومثاليات، هي غابة والبلد والمنطقة والكوكب بأسره لمن غلب.

نحن نحب حقوق الإنسان ولكن أي إنسان؟ نحن نحب الديمقراطية ولكن أي ديمقراطية؟

إنه الإنسان الذي في صفنا والديمقراطية التي لا تأتي بأحد غيرنا.

لن يخدعني الإخوان ولا مزايداتهم ولا بكائياتهم ولا اعتذاراتهم الزائفة من عينة "عديها المرة دي وحابقى كويس"، فالفرق الوحيد بينهم وبين السلطة الحالية أنهم لم يكونوا قد تمكنوا بعد.

لن يخدعني من يتظاهر بالليبرالية والحرية، فهي ليبرالية على المقاس وحرية منتقاة، وإذا خاصمت فجرت مثل عدوك الإسلامجي بالضبط.

أنا لا أنتقدك ولا أهاجمك، أنا مثلك تماماً ولا أحاول الترفع عنك بمثالية فارغة، ربما إن كانت بيدي الأمور كنت سأتحول إلى ميكيافللي آخر، ربما كنت سأحيط ممارساتي الفاشية بمعسول الكلام عن حب الوطن أو الدين، فكما قلت لك، نحن كلنا ميكيافيللي. عناوين حب الشريعة وحب الليبرالية التي نرفعها هي عناوين ليست لها أية لازمة إلا لتجميل أنفسنا في المرآة وتبرير نرضي به ضمائرنا حين ننتهك أبسط مبادئ الشريعة أو أقل درجات الليبرالية.

ربما من الأفضل أن نتوقف عن التمثيل على بعضنا، ربما من الأفضل أن نحاول أن نبرر تصرفاتنا بوضع صفة في آخر الجملة التي تصف مصر مثل دولة إسلامية أو دولة مدنية.

ربما من الأفضل لنا وللأجيال المقبلة أن نغير اسمنا إلى "جمهورية مصر الميكيافيللية".

الاسم وحده، يفسر الكثير

ينشر باتفاق خاص مع

«الشروق» المصرية

back to top