5 عناصر أساسية لتحقيق الازدهار في أفغانستان

نشر في 22-12-2013
آخر تحديث 22-12-2013 | 00:01
هناك الكثير في الميزان بالنسبة إلى الأفغان وإلى بقية العالم، بما في ذلك مستقبل تنظيم "القاعدة"، وسلامة باكستان النووية وصفقة كبيرة مع إيران حول برنامجها النووي. ومع رغبة الولايات المتحدة وأوروبا في ترك هذه المنطقة لأساليبها الخاصة بها، يظل من المهم جداً تركها وشأنها.
 سبكتاتور من واشنطن إلى كابول وفي كل عاصمة بينهما، تتساءل الحكومات والجيوش ووكالات الاستخبارات ووسائل الإعلام عما سيحدث في أفغانستان في السنة المقبلة عندما تغادر الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) أخيراً تلك الدولة بعد حرب استمرت 12 سنة لم يتمكنوا فيها من تحقيق نصر.

ورغم توافر قدر كبير من المعلومات الاستخباراتية، فإن الحقيقة أنه لا أحد يعرف، ولا حتى الأفغان أنفسهم. ويمكن لأفضل التكهنات أن تعتمد على معرفة ما يجري بصورة صحيحة، وبصورة خاطئة وما الذي يمكن القيام به من أجل تقليص حجم الأخطار التي تفضي إلى ما هو أسوأ.

طوال أكثر من سنة غرقنا في ما يدعى قصة نجاح الانتقال العسكري مع انسحاب القوات الغربية، وقيل لنا مراراً إنه مع انسحاب القوات الأميركية- الأطلسية ستتهيأ القوات الأفغانية للقيام بدورها.

وحقيقة الأمر أن الانتقال العسكري قد يكون أكثر سهولة. وحتى ذلك تبين أنه صعب لأن هجمات "طالبان" والإصابات في صفوف القوات الحكومية ازدادت بصورة هائلة في السنة الماضية.

كانت خسائر الجيش الأفغاني كبيرة إلى درجة أحجمت وزارة الدفاع معها عن ذكر الأرقام، ولكن متحدثاً رسمياً أخبرني أن 1273 من رجال الشرطة و770 من شرطة القرى قتلوا في الفترة ما بين شهري مارس وأكتوبر من هذه السنة. وخلال تلك الفترة شنت "حركة طالبان" 6600 هجوم في 30 من أصل أقاليم البلاد البالغة 34 إقليماً. وهذا سجل مؤثر بالنسبة إلى قوة يفترض أنها تتراجع وتضعف.

توجد 4 عمليات انتقال أخرى يتعين أن يتم التعاطي معها بكثافة شديدة خلال الـ12 شهراً المقبلة. والأكثر أهمية بينها هو الانتقال السياسي وما إذا كانت الانتخابات الرئاسية في شهر أبريل المقبل ستكون نزيهة وحرة بشكل نسبي لإيجاد حكومة شرعية معتدلة، فمستقبل استقرار البلاد سيتوقف على ذلك، وليس على شدة هجمات "طالبان".

ورغم أن حامد كرزاي لا يستطيع الترشح لفترة رئاسية أخرى فإنه من دون شك سيختار شخصية مفضلة من بين الأحد عشر مرشحاً الذين تقدموا حتى الآن. وهو يريد المرشح الذي يستطيع بشكل أفضل حمايته وحماية عائلته الكبيرة (خصوصاً من تهم الفساد)، وربما يقدم له دوراً يقوم به في المستقبل. المرشحان الأكثر احتمالاً لنيل تأييده هما شقيقه قيوم كرزاي أو وزير خارجيته زلماي رسول.

يتوقف الاستقرار الانتخابي على كيفية لعب الورقة الإثنية. وفي سنة 2009 يزعم كرزاي أنه حصل على أكثرية بسيطة بدعم من قبائل الباشتون في الجنوب والشرق، حيث كانت أشد صناديق الاقتراع كثافة. ورفض غير الباشتون في الشمال والغرب نتائج الانتخابات بحجة أنهم من فازوا فيها إلى أن حدث تدخل من قبل وسطاء أميركيين وتخلى مرشح الشمال عبدالله عبدالله راضياً عن خوض جولة ثانية. ذلك السيناريو قد يتكرر ثانية في شهر أبريل المقبل، مع نتائج أكثر تدميراً.

وفي هذه المرة لن يتراجع الباشتون إذا ظنوا أن كرزاي عمد إلى تزوير الانتخابات. وليس لدى الغرب رافعة لدفع النظام إلى تسوية. وكانت الغلطة الأكبر خلال السنتين الماضيتين تخلي الولايات المتحدة والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والمؤسسات الغربية الأخرى عن أي سيطرة على العملية الانتخابية الأخيرة. والانتخابات المزورة قد تفضي إلى حرب أهلية متعددة الجوانب مع محاربة الخاسرين للفائزين ومحاربة "طالبان" للجميع.

والشيء الناقص بالمثل هو الانتقال الاقتصادي- فعلى الرغم من مبلغ الـ100 مليار دولار الذي أنفق على الخدمات الاجتماعية في البلاد منذ سنة 2001، فإن الغرب فشل في بناء اقتصاد محلي يوفر الوظائف للشباب والدخل للدولة.

والأكثر من ذلك، ومع الملل الذي تملك الكونغرس الأميركي والبرلمانات الغربية من أفغانستان، فإن من غير المحتمل أن يقدموا على الوفاء بوعدهم حول توفير مساعدة إلى الجيش والاقتصاد والتربية بما يصل إلى 10 مليارات دولار في السنة خلال السنوات الخمس المقبلة. وما ينقص أيضاً هو الانتقال الإقليمي- فالجهد الدبلوماسي اللازم مع دول مجاورة مثل ايران وباكستان والصين وجمهوريات آسيا الوسطى ودول مهمة قريبة أيضاً مثل الهند وروسيا والمملكة العربية السعودية لدفعها جميعا إلى الموافقة على عدم التدخل في شؤون أفغانستان، وعدم تسليح وتمويل أمراء الحرب بالوكالة المفضلين، كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضي. وعليهم بدلاً من ذلك إعادة توجيه تنافسهم السياسي واستخدام موقع أفغانستان الاستراتيجي لتحقيق مزيد من التجارة عبر الحدود وأنابيب النفط والغاز وفرص العمل للمنطقة برمتها، وجعلها قصة نجاح بدلاً من حالة الفشل التي هي عليها في الوقت الراهن.

هذه العمليات الانتقالية الثلاث تعتمد قبل كل شيء على عنصر رابع هو التصالح مع "طالبان" واتفاقيات لانخراطها بعيداً عن البرودة السياسية. و"حركة طالبان" منقسمة مثل الحكومة الأفغانية حول ما إذا كانت المحادثات ستفضي إلى نتائج. وقد انهارت المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة في قطر في 2010- 2011، لكن وفد "طالبان" لايزال في الدوحة، ويمكن استئناف المحادثات فقط إذا توافر رئيس جديد يتمتع بدعم واسع وتستطيع "طالبان" أن تثق به، بينما الولايات المتحدة أكثر استعداداً لتقديم تسويات مثل إطلاق سجناء "طالبان" من معتقل غوانتنامو.

"حركة طالبان" ناضجة الآن لمحادثات وتسويات، وقضيتها المتمثلة في الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي ستنتهي عندما تغادر القوات الأميركية. ويسعى العديدون إلى وقف القتال وخفض الإصابات القاسية التي يواجهونها. وهم يريدون مغادرة مواقع اللجوء في باكستان والخلاص من رقابة وكالات الاستخبارات الباكستانية والعودة إلى الوطن.

المصالحة فقط يمكن أن تبعد المأزق النهائي للجيش الأفغاني، فمن دون سلاح جو أو أسلحة ثقيلة وتعرضهم لهبوط في المعنويات والفرار والتجاهل، فإن رجال الجيش الأفغاني لا يستطيعون محاربة "طالبان" بالقوة ذاتها التي حققها الأميركيون. وقد يتمكن ذلك الجيش من الصمود في مواقعه فترة تمتد من 6 أشهر إلى 12 شهراً على أقصى تقدير. ولأجل السلامة سيأمر النظام بعدئذ الجيش باعتماد استراتيجية "كابول القلعة" التي جربت واختبرت من قبل النظام الشيوعي في الفترة ما بين عامي 1989 و1992 بعد مغادرة السوفيات لأفغانستان.

وسوف يعمل الجيش على تأمين المدن الرئيسية وبعض الطرقات الرئيسية التي يعتمد عليها في الإمداد من الخارج. ولن يعمد إلى الهجوم من أجل استعادة أرض فقدها. وبعدها ستسقط المناطق الريفية- في الجنوب أولاً ثم  في الشمال حيث ستكون المقاومة شرسة- بصورة بطيئة في يد "طالبان" وتترك البلاد مقسمة بين مناطق ريفية كبيرة تسيطر عليها "طالبان" ومدن ضعيفة بقدر أكبر يسيطر النظام عليها.

ويعقب ذلك وقوع الآلاف من الإصابات وعشرات الآلاف من اللاجئين وأزمة إنسانية ومجموعات إرهابية دولية في الأرياف. ولن تتوافر الإرادة لدى العالم للتدخل ثانية، كما أن الدول المجاورة ستضخ الأموال والأسلحة في محاولة للسيطرة على بعض أمراء الحرب وتقرير نتيجة الحرب لمصلحتها- وستنتشر الفوضى بصورة مربكة.

هذا سيناريو يريد الكل تفاديه -النظام و"طالبان" والدول المجاورة- لأنه ينطوي على تدمير تام مع احتمال حدوث حرب أهلية لانهاية لها. تنظيم "القاعدة" والمجموعات الأخرى التي تخشى فقدان ملاذاتها ستريد مثل هذه الحصيلة، وستفعل كل ما في وسعها من أجل تخريب اتفاق سلام بين كابول و"طالبان" والدول المجاورة.

لكن نتيجة قاتمة ليست محتمة. وخروج القوات الغربية- وهي مصدر إزعاج للكثيرين- سيجعل جلوس الأجنحة الأفغانية بعضها مع بعض للتوصل إلى اتفاق مسألة أكثر احتمالاً. وإضافة إلى ذلك، ليس بين الدول الإقليمية دولة قوية اقتصادياً أو سياسياً بما يكفي لتحديد النتيجة في أفغانستان بصورة منفردة، ولذلك ستحتاج الى تعاون مشترك.

ما تدعو الحاجة إليه هو وجود وسيط حيادي حقيقي يستطيع مساعدة كل العناصر في هذه المعادلة المعقدة. وفي وسع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أو الأفراد ودول غير مثيرة للجدل مثل النرويج أو ألمانيا -مع دعم دولي لها- القيام بمثل هذا الدور. وتتمثل المأساة في أن الولايات المتحدة والحرب التي قادها حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد أضعفت صناع السلام والوسطاء المحتملين، وكان على الولايات المتحدة إشراك طرف ثالث وسيط عندما بدأت محادثاتها الفاشلة مع "طالبان" في سنة 2010، ولكن العنجهية والانقسامات الحادة داخل إدارة أوباما حالت دون تحقيق ذلك.

وفوق كل شيء، سيضغط الأفغان العاديون على حكومتهم المقبلة من أجل إنهاء الحرب. كما أن حركة مدنية في داخل البلاد، وفي الدول المجاورة تستطيع عمل الكثير من أجل المساعدة في تحقيق عملية سلمية. والسلام وحده قادر على إقناع الغرب بتنفيذ التزامات المساعدة إلى أفغانستان- وما من أحد سيمول حرباً أهلية لا نهاية لها.

هناك الكثير في الميزان بالنسبة إلى الأفغان وإلى بقية العالم، بما في ذلك مستقبل تنظيم "القاعدة"، وسلامة باكستان النووية وصفقة كبيرة مع إيران حول برنامجها النووي. ومع رغبة الولايات المتحدة وأوروبا في ترك هذه المنطقة لأساليبها الخاصة بها، يظل من المهم جداً تركها وشأنها. ويستحق الأفغان الحصول على فرصة للسلام وعلى نهاية للحروب التي بدأت قبل 35 سنة، ولكنهم غير قادرين على تحقيق ذلك بمفردهم، وهم في حاجة إلى جيرانهم وإلى استمرار التزام الغرب إذا كان للسلام أن يحصل على أي فرصة للتحقيق هناك.

back to top