رحيل عقاب الخطيب رائد التربية والتجارة والمسرح

نشر في 15-11-2013 | 00:11
آخر تحديث 15-11-2013 | 00:11
سيرة ميزتها الإرادة والثقة وروح الدعابة والابتكار عن عمر يناهز الثانية والتسعين، ترجل العم عقاب الخطيب (الشقيق الأكبر للدكتور أحمد الخطيب) أمس عن صهوة جواده، ورحل بعد سيرة عطاء حافلة، تصدر فيها مجالات شتى ما بين التربية والتجارة والمسرح، متسلحاً بإرادة وثقة ممزوجتين بروح الدعابة والابتكار، تشهد بها طريقته التي اتبعها في التدريس عندما كان يعمل فيه.

بعد رحلة طويلة وكفاح استمر عقودا، ودعت الكويت أمس العم عقاب الخطيب، أحد أبرز رواد «التعليم النظامي» في الكويت، وواحد ممن احتلوا المركز الأول في أكثر من مجال، حيث كللت رحلته بالنجاح في شتى الجوانب التي عمل بها، جمع في حياته بين أعمال عدة فبرز فيها جميعا، وضع في كل منها بصمته الرائدة، سواء كان ذلك في العمل الحرفي أو المجال التربوي، أو حتى المجال التجاري الذي ذاع فيه صيته وأصبح من رجاله البارزين، فضلاً عن مساهماته التمثيلية في المسرح، وإشرافه على التمثيل في المدرسة المباركية.

اتخذ من مراحله ومهنه المتعددة التي مر بها، تجارب في الحياة، دون أن يرى بينها تعارضا أو تناقضا، حيث كان يحاول دائما تجربة كل شيء، وكل شيء عمله أو اشتغل فيه، اضاف إليه تجربة جديدة في حياتي وجد نفسه فيها.

ولد عقاب الخطيب عام 1921 في فريج الدهلة، بعدما قدمت عائلته من السعودية، وتلقى تعليمه عندما بلغ السادسة من العمر لدى الكتاتيب عندالملا عبدالعزيز العنجري والملا عبدالعزيز حمادة، كما تعلم القرآن الكريم وحفظه، وانتقل الى مدرسة المباركية في عام 1936 وأكمل تعليمه حتى الصف الثاني الثانوي (الحادي عشر)، وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم أرسل في بعثة لدراسة النجارة في الكلية الصناعية في البحرين ضمن اول بعثة رسمية خارج الكويت عن طريق شركة النفط عام 1940.

 وكانت شركة نفط الكويت ترسل كل سنة طالبين إلى البحرين للدراسة، وفي تلك الفترة كانت أغلب الأسر ترفض سفر الأبناء إلى خارج الكويت، غير أن الخطيب عندما استأذن والدته وافقت لإدراكها أن العلم يحتاج إلى سفر ومشقة، رغم أنها لم تكن تقرأ ولا تكتب، لكنها اختارت ما فيه مصلحة ابنها، فتعلم في البحرين النجارة خلال عام ونصف العام، ثم اشترى مستلزمات تلك الحرفة بعشر روبيات، ليعتمد عليها في كسب رزقه، والمفارقة أنه اختار هذه الحرفة لأن ثمن «عدتها» كان زهيدا، حيث كانت عائلته فقيرة، فوالدته كانت تخيط الثياب، أما والده فكان يتقاضى 40 روبية مع قلتين من تمر وخيشة عيش.

وبعد عودته من البحرين عمل في شركة نفط الكويت، وكان راتبه 45 روبية، غير أنه لم يستمر فيها لخلاف نشب بينه وبين أحد مديريها الأجانب، فقرر الاستقالة والتوجه إلى مجال آخر.

مدرس للنجارة

وبعد استقالته من شركة نفط الكويت طلب منه مدير إدارة المعارف آنذاك الأستاذ عبداللطيف الشملان أن يكون مدرسا للنجارة في مدرسة المباركية، ورغم أنه لم يكن مارس التدريس ولا يعرف عنه الكثير فإنه وافق على دخول هذا المجال الجديد، ليفاجأ بصعوبات كثيرة، ما دفعه إلى طلب إعفائه منها، لكن الشملان اقترح عليه أن يحضر حصة لأحد الأساتذة المتميزين ليتعلم منه طريقة التدريس، فاستجاب لاقتراحه، وتكون تلك نقطة انطلاقه في المجال التربوي.

واتجه عقاب الخطيب بعدما انفتحت شهيته للتدريس إلى محاولة تغيير منهج المادة العلمية المقررة للطلاب، حيث لم يجد نفسه في ذلك المنهج ولم ير فيه أي فائدة للتلاميذ، إذ كان المنهج يقتصر على مجرد تنفيذ أشكال فنية باستخدام الطين، حيث اعتبر أن من الأفضل إدخال منهج لتعليم النجارة وعمل الأبواب والنوافذ، وكل ما يحتاجه الطلاب في الواقع حتى كلل مجهوده بإقامة معرض من إنتاج الطلبة، بعدما نجح في إقناع المسؤولين بوجهة نظره.

التعليم باللعب

واختار الخطيب بعد ذلك التدريس للأطفال مشترطاً أن يكون ذلك بطريقته الخاصة التي تعتمد على اسلوب اللعب في التدريس، فضلاً عن الاناشيد والتصفيق، حتى إن الاهالي كانوا عندما يمرون على المدرسة يقفون ويشاهدون هذه الطريقة الحديثة في التدريس، فتمكن من إحداث ما يشبه «الثورة» في المدرسة، ما مكنه من تغيير ميول الأطفال وتحبيبهم في الدراسة، غير أنه واجه معارضة واحتجاجا شديدين من مجلس المعارف، فطلب من أعضائه أن يحضروا له حصة، وبعد ذلك يكون لهم حق في الاحتجاج، وبالفعل حضر الأعضاء، ما يدل على أن احتجاجهم لم يكن شخصيا بل من أجل المصلحة العامة، وكان ممن حضر الدرس الشيخ عبدالله الجابر وعبدالله الملا وبعض المسؤولين، وبدأ الدرس بالطريقة المرحة وبالتصفيق مع الطلاب وفي النهاية بدأ المسؤولون يصفقون مع الطلاب وقالوا له بارك الله فيك النتيجة ممتازة. وشرح لهم أسباب اختياره لهذه الطريقة في تدريس الأطفال، ليوافقوا على طريقته لما لمسوه فيها من نتائج إيجابية رائعة استخدم فيها ما كان يميزه من نقد ودعابة ساخرة.

واستمر الخطيب في تدريسه للاطفال من عمر 5 الى 7 سنوات، معلماً لمادة الرياضيات، وبعد ذلك جاءه مدير المعارف، وقال له انه سينقله والاطفال الذين يدرسهم الى مدرسة خاصة بهم بعيدا عن مدرسة المباركية، على أن يكون الخطيب ناظرها، فوافق على ذلك وتمت تسمية المدرسة «روضة البنين المستقلة»، ثم عين مديرا لمدرسة المثنى عام 1950، وساهم في تأسيس مرحلة رياض الاطفال، حيث يعتبر الخطيب اول تربوي في الكويت تخصص في مرحلة رياض الأطفال منذ الأربعينات، وهو اول من اطلق على نفسه وصف (آبل) للأطفال في مقابل كلمة أبلة للمعلمات.

ودرس الخطيب خلال تلك المرحلة لكثير من رجالات الكويت البارزين، ومنهم سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله، وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد والشيخ خالد الأحمد، وضرار يوسف الغانم، ورئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي وناصر الخرافي، وعبداللطيف الدعيج وأحمد الدعيج وجاسم القطامي ومحمد السلطان ومصطفى السلطان وسليمان العثمان، وغيرهم من الطلبة المتميزين.

وفي عام 1954 تقاعد الخطيب ورحل عن التدريس، رغم حبه وعشقه لهذه المهنة التي ظل يحن إليها بعد رحيله عنها، لينتقل إلى مجال آخر وليتفرغ للتجارة، بعدما أنشأ عام 1948 مصنعا لعمل الأبواب والمطارح، إلى غير ذلك من الأعمال المنزلية حيث كان يشرف على المصنع بنفسه ويتابع تطوراته مع حرصه على خروج كل إنتاجه بالصورة المطلوبة، ليتوسع بعد ذلك في العمل، ولأنه أحد محبي البحر، قرر التجارة في المعدات البحرية وكانت فكرة ناجحة، حيث بدأ استيراد المعدات من الخارج غير عابئ بما يلاقيه من متاعب في سبيل قيامه بهدفه.

إضاءات

• تزوج الخطيب سنة 1948 ولديه من الأبناء أربعة أولاد هم عبدالله وفضل ومحمد وزيد، وثلاث بنات هن طيبة وهند وجميلة، وكان يعتبر ابنه فضل هو الأقرب إليه لمشاركته في ميوله واهتماماته.

• مارس التمثيل عام 1936 في مسرحية إسلام عمر على مسرح مدرسة المباركية، ولذا يعد أحد الرواد الاوائل في هذا المجال.

• دخل إلى حقل التدريس والتربية بناء على اقتراح وطلب من الأستاذ عبداللطيف الشملان والذي كان مدير إدارة المعارف وقتئذ.

• عين عضواً في مجلس ادارة بنك التسليف والادخار وانتخب عضواً في المجلس البلدي.

• لعقاب أخ من أبيه اسمه جاسم، إضافة إلى أشقائه أحمد وشمة وفاطمة وطيبة التي توفيت.

back to top