الولايات المتحدة وباكستان... الثنائي المتناقض

نشر في 08-11-2013
آخر تحديث 08-11-2013 | 00:01
تقدم باكستان الطرق البرية الأسرع والأقل كلفة لتحقيق غاية الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ولا شك أن باكستان من جهتها ستحقق مكاسب مالية بفرض رسوم مرور، بينما تستفيد شركاتها للنقل الخاص من ميزانية تُقدر بنحو 7 مليارات دولار خصصتها «البنتاغون» لعملية الانسحاب.
 يال غلوبل تشكل الولايات المتحدة وباكستان ثنائياً متناقضاً، فلا تستطيعان الكف عن الاقتتال، مع أنهما تدركان أن الطلاق بينهما خيار مرفوض تماماً، وقد تجلت هذه العلاقات المضطربة بوضوح خلال ظهور رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف معاً على نحو غريب في مؤتمر صحافي مشترك عقداه بعد اجتماعهما في البيت الأبيض في 23 أكتوبر، حين رفضا الإجابة عن أي أسئلة من الصحافيين، لكن هذه العلاقة المختلة قد تبلغ ذروتها مع سحب الولايات المتحدة قواتها وعتادها من أفغانستان عبر باكستان خصوصاً.

خلاصة القول أن الغراء الذي يوحد هذين البلدين يتألف من عناصر سلبية وإيجابية، فتحتاج واشنطن إلى إسلام أباد في حربها المتواصلة ضد الإرهاب، وهذه ضرورة لا غنى عنها على الأقل حتى تسحب قواتها من أفغانستان، أما باكستان التي تفتقر إلى المال، فتعتمد على نحو مذل على إعانات واشنطن وقروض صندوق النقد الدولي التي تدعمها الولايات المتحدة.

يُعتبر هذا الاعتماد بين الدولتين راسخاً، رغم عدم الثقة الأميركي-الباكستاني المتبادل على المستوى الشعبي.

يُظهر استطلاع للرأي أجراه "مركز بيو للأبحاث" عام 2013 أن 11% فقط من الباكستانيين يملكون نظرة إيجابية إلى الولايات المتحدة. وكشفت دراسة سابقة أجراها "مركز بيو" و"معهد كارنيغي للسلام الدولي" أن 10% فقط من الأميركيين ينظرون إلى باكستان بمقدار كبير أو مقبول من الثقة، كذلك أظهرت هذه الدراسة أن 97% من الباكستانيين المطلعين جيداً على ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار يملكون نظرة سلبية إليها.

 تذكر الدراسة: "تعتقد أغلبية المطلعين على حملة الطائرات بدون طيار (94%) أن هذه الاعتداءات تقتل الكثير من الأبرياء، ويقول نحو الثلثين (74%) إن هذه الحملة ليست ضرورية للدفاع عن باكستان في وجه المنظمات المتطرفة".

وفي تناقض واضح، أشارت دراسة أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة ABC News في شهر فبراير عام 2012 إلى أن 83% من الأميركيين يدعمون عمليات الطائرات بدون طيار الأميركية.

عكس شريف موقف الشعب الباكستاني حين ذكر وهو يقف إلى جانب أوباما: "لا يشكل استعمال الطائرات بدون طيار انتهاكاً لسيادة أراضينا فحسب، بل يسيء أيضاً إلى جهودنا للتخلص من الإرهاب في بلدنا"، وأضاف مؤكداً أن حكومته مصممة على إنهائها.

لم يتوقف أوباما عند كلمات شريف هذه، التي أدلى بها خلال ذلك المؤتمر الصحافي الوجيز بلهجة خافتة كان المراسلون يجاهدون لسماعها، ولم يعلق عليها البتة. واللافت للنظر أن عبارة "طائرات بدون طيار" لم ترد في بيانهما المشترك المؤلف من 2500 كلمة، بخلاف كلمة "إرهاب" التي وردت 13 مرة و"نووي" التي ذُكرت 10 مرات، ولم تأتِ هذه العبارات والكلمات في إطار الحديث عن الاتفاق الشبيه بالاتفاق النووي الأميركي-الهندي الذي يريده شريف، بل في إطار الحديث عن "الإرهاب النووي".

علاوة على ذلك نجحت إدارة أوباما المتمرسة في فن التسريبات المفيدة سياسياً في تبديد تأثير احتجاجات شريف على حملة الطائرات بدون طيار (التي منحته دعم كل الأحزاب في الجمعية الوطنية الباكستانية) بتمرير معلومات إلى غريغ ميلر وبوب وودوارد من صحيفة "واشنطن بوست". نشرت صحيفة "واشنطن بوست" رواية هذين الصحافيين يومَ التقى شريف أوباما، فقد رجع ميلر وودوارد إلى وثائق تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومذكرات دبلوماسية باكستانية لا تزال سرية حتى اليوم ليُظهرا أن الحكومة الباكستانية، بخلاف تنديدها القوي بضربات الطائرات بدون طيار منذ سنوات، وافقت على هذه الحملة سراً وتلقت تقارير سرية بشأن هذه الهجمات وعدد الضحايا.

لكن هذه الحملة توسعت على مر السنين. كانت في البداية موجهة ضد أهداف "بالغة الأهمية" في تنظيم "القاعدة"، وكان عددها محدوداً. فخلال عهد جورج بوش الابن، نُفذ 15 هجوماً مماثلاً بين ديسمبر 2007 وسبتمبر 2008، لكن العدد ارتفع إلى 117 في عام 2010 خلال عهد أوباما، حين كان علي آصف زرداري من حزب الشعب الباكستاني يتربع على كرسي الرئاسة في باكستان.

وتشير إحصاءات وزارة الدفاع الباكستانية إلى وقوع 317 ضربة بطائرات من دون طيار في باكستان منذ عام 2008 حتى اليوم، وأدت هذه إلى وفاة 2227 شخصا 67 منهم من المدنيين.

من المتوقع أن تستمر هذه الضربات رغم أن التقرير، الذي صدر في 18 أكتوبر عن بن إيمرسون، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو الإعدام بدون محاكمة أو الإعدام التعسفي، استخلص أنها تنتهك القانون الدولي. ومع هذه العمليات ماتت أي فرصة لتوصل حكومة باكستان إلى اتفاق سلام مع حركة "طالبان" في باكستان، وهي منظمة تضم عدداً من المجموعات المجاهدة الباكستانية المقاتلة.

في منتصف شهر سبتمبر، حصل شريف على تأييد كل الأحزاب في الجمعية الوطنية لعقد مفاوضات سلام مع حركة طالبان في باكستان من دون شروط مسبقة، لكن قادة هذه الحركة رفعوا بعد ذلك المعيار بإصرارهم على ضرورة أن يضع رئيس الوزراء أولاً سياسة توقف حملة الطائرات بدون طيار التي تنفذها الولايات المتحدة ضدهم في المناطق القبلية الحدودية الباكستانية خلال فترة المفاوضات.

تؤدي باكستان دوراً بارزاً في خطط وزارة الدفاع الأميركية للانسحاب من أفغانستان، الذي يُفترض أن ينتهي في شهر ديسمبر عام 2014. فتحتاج الولايات المتحدة إلى نقل ما لا يقل عن 1.4 مليون قطعة من المعدات تتراوح بين أسلحة صغيرة وآلات ضخمة تسير على دواليب أو جنازير، وتقدم باكستان الطرق البرية الأسرع والأقل كلفة لتحقيق هذه الغاية، ولا شك أن باكستان من جهتها ستحقق مكاسب مالية بفرض رسوم مرور، بينما تستفيد شركاتها للنقل الخاص من ميزانية تُقدر بنحو 7 مليارات دولار خصصتها وزارة الدفاع الأميركية لعملية الانسحاب هذه.

اضطرت إدارة أوباما، نتيجة اعتمادها اللوجستي على باكستان، إلى التغاضي عن اكتشافاتها الاستخباراتية بشأن علاقة أجهزة الاستخبارات الباكستانية في إسلام أباد بـ"شبكة حقاني"، منظمة قبلية في شمال وزيرستان تهاجم أهدافاً غربية وهندية في أفغانستان.

بالإضافة إلى ذلك، تجاهلت حكومة شريف رفض واشنطن المفترَض، وبدأت بإطلاق سراح سجناء طالبان أفغانستان، بمن فيهم عبد الغني بارادار، نائب زعيم "طالبان"، في شهر سبتمبر بهدف تسهيل ما دعته عملية "المصالحة" في أفغانستان. ولكن ما من إشارات حتى اليوم تُظهر أن الملا محمد عمر، القائد الأعلى لـ"طالبان" أفغانستان الذي يسود الاعتقاد أنه يحظى بحماية باكستانية سرية، مستعد للتفاوض مع حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، الذي طالما ندد به عمر معتبراً إياه مجرد دمية أميركية.

بدا الملا عمر متشدداً إلى أقصى حد في رسالته السنوية التي وجهها بمناسبة حلول عيد الفطر في شهر أغسطس الماضي. فقد دعا إلى مواصلة الصراع ضد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تقودها الولايات المتحدة. كذلك حض القوى الأمنية في كابول على توجيه بنادقهم نحو الجنود والمسؤولين الحكوميين الأجانب والأفغان المتعاونين مع قوات وزارة الدفاع الأميركية. في المقابل، رحب شريف وأوباما في بيانهما المشترك بالتحضيرات التي تقودها أفغانستان استعدادا للانتخابات الرئاسية في شهر أبريل المقبل.

ولكن لمَ تعكس كلمات شريف موقف أوباما، في حين أن أعماله تتعارض مع المصالح الأميركية؟ يكمن الجواب في وضع الاقتصاد الباكستاني المزري، فتوسع الناتج المحلي الإجمالي الباكستاني بنسبة 3% يعجز عن مجاراة النمو السكاني، كذلك يُعتبر عجز موازنة باكستان البالغ 9% من الناتج المحلي الإجمالي مرتفعاً، في حين تُصنف جباية الضرائب، التي تشكل 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، الأدنى حول العالم. ولمواجهة هذه الأزمة الاقتصادية، تقدمت حكومة شريف الحديثة العهد بطلب قرض من صندوق النقد الدولي، وبفضل دعم واشنطن، جرت الموافقة في مطلع شهر سبتمبر على قرض بقيمة 6.7 مليارات دولار يُسدد على مدى ثلاث سنوات، رغم أن إسلام أباد تدين لصندوق النقد الدولي بنحو 5 مليارات دولار من قروض مُنحت لها عام 2007.

بعد بضعة أيام من اجتماع شريف-أوباما، وافقت الولايات المتحدة أيضاً على إعطاء إسلام أباد 322 مليون دولار من صندوق دعم الائتلاف وأعلنت خططاً لتخصيص 1.6 مليار دولار تقريبا لباكستان خلال السنة المالية الحالية.

لا شك أن عمليات التسوية هذه تبعد شبح الإفلاس عن باكستان وتبقي الطائرات الأميركية بدون طيار فوق المناطق القبلية المتمردة على طول الحدود الأفغانية-الباكستانية. إلا أن من المتوقع أن تصل هذه القصة إلى خواتمها في عام 2014، بدءاً من الانتخابات الرئاسية الأفغانية في شهر أبريل وصولاً إلى انتهاء الانسحاب الأميركي في شهر ديسمبر... نتيجة لذلك، قد يشهد الزواج الأميركي-الباكستاني اضطرابات كثيرة السنة المقبلة، ما قد يهدد بالطلاق.

Dilip Hiro

* مؤلف كتاب Apocalyptic Realm: Jihadists in South Asia.

back to top