عندما تصبح منطقة الخليج هدية أوباما إلى طهران!

نشر في 22-03-2014
آخر تحديث 22-03-2014 | 00:01
يشكّل ما نراه في الخليج العربي اليوم نسخة مما تشهده الأجزاء الأخرى من العالم، من أوكرانيا وأوروبا الشرقية إلى آسيا والشرق الأوسط، بينما تنسحب الولايات المتحدة من دورها الذي أدته طوال عقدين بصفتها القوة المهيمنة على العالم.
 ذي تابلت لا شك في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيكون كثير الانشغال، عندما يزور المملكة العربية السعودية في وقت لاحق من هذا الشهر، علماً بأن هذه الزيارة تُعتبر بالغة الأهمية لإصلاح علاقاته المتدهورة مع الرياض. وستشمل مهمته الأولى إقناع الملك عبدالله أنه لا ينوي خيانة التحالف القديم بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، كي يحقق هدفه بعقد صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي.

سيُضطر أوباما بعد ذلك إلى حلّ صراع داخلي بين الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تشّكل فيه المملكة العربية السعودية العضو الأبرز. فقبل نحو أسبوعين، أعلنت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين أنها ستسحب سفراءها من قطر، نظراً إلى دعم الدوحة لـ"الإخوان المسلمين". كذلك طلبت الدول الثلاث من القطريين الكفّ عن استخدام شبكتهم التلفزيونية "الجزيرة"، التي تحظى بتمويل كبير، لانتقاد أعضاء مجلس التعاون. وشددت أيضاً على ضرورة وقف الداعية يوسف القرضاوي، الناطق باسم جماعة "الإخوان المسلمين" الذي ينتقد دول الخليج الأخرى، لأنها دعمت الحكومة العسكرية المناهضة لـ"الإخوان" في مصر.

لا شك في أن الخلافات في الخليج العربي هي آخر ما يريده البيت الأبيض راهناً. فقد اعتبرت واشنطن أخيراً دعم مجلس التعاون (الذي يشمل أيضاً الكويت وعمان) جزءاً من أولوياتها، وذلك بهدف البدء بتحميله بعض أعباء ضمان أمن الخليج العربي. على سبيل المثال، أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في شهر ديسمبر الماضي أن الولايات المتحدة ستبدأ ببيع السلاح إلى مجلس التعاون ككتلة. وذكر حينذاك: "نودّ توسيع تعاوننا الأمني مع شركاء في المنطقة من خلال تنسيق عملنا مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فهذه الخطوة التالية الطبيعية في تحسين الشراكة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون".

لكن هذه المهمة ستبقى بالغة الصعوبة، طالما أن "مجلس التعاون" يبدو أقرب إلى مجموعة من الممالك المتناحرة الغنية بالنفط منه إلى وحدة سياسية متماسكة. تكمن مشكلة البيت الأبيض الرئيسة في أن العامل الأساس في تحقيق ذلك الهدف يقوم على الدعم والتوجيه الأميركيين، علماً بأن هذا أمر لا يريد أوباما التعهد به. ولكن من دونه، سيبقى هذا المجلس في حالة صراع دائمة، ولن يتمكن من موازنة نفوذ الدولة الإيرانية التي ازدادت جرأة أخيراً.

***

على غرار معظم اتفاقات التعاون المشابهة والمنظمات المتعددة الأطراف حول العالم، صُمم مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة. فلا تُعتبر الأسلحة الأميركية واتفاقات الدفاع الصاروخي كافية وحدها لتبقي هذا المجلس مستقراً، لأن أعضاءه لا يملكون القدرة أو الرغبة في البقاء متماسكين من دون تأثير واشنطن المثبّت. ومهما حاول أوباما طمأنة الدول الأعضاء في هذا المجلس، يبقى حكّامها مقتنعين بأنهم يشاهدون تكراراً للانسحاب البريطاني من المنطقة عام 1971، علماً بأن هذا التطور لايزال متأصلاً في ذاكرتهم. لكن الأكثر سوءاً اليوم واقع أن ما من قوة عظمى أخرى تنتظر لتحل محل الولايات المتحدة وتقدّم الحماية، تماماً كما حدث مع واشنطن قبل أربعة عقود.

يشكّل ما نراه في الخليج العربي اليوم نسخة مما تشهده الأجزاء الأخرى من العالم، من أوكرانيا وأوروبا الشرقية إلى آسيا والشرق الأوسط، بينما تنسحب الولايات المتحدة من دورها الذي أدته طوال عقدين بصفتها القوة المهيمنة على العالم. تُعتبر الولايات المتحدة أساس النظام الدولي وضامن الاستقرار العالمي. ولكن عندما تقرر هذه الدولة الأميركية التعبة، التي سئمت الحرب (وفق أوباما)، الانعزال، يكون لغيابها تأثير واضح حول العالم.

خلال تعاطيه مع إيران، استخدم البيت الأبيض دولة أخرى في مجلس التعاون، عمان للتحاور مع إيرانيين في الكواليس. ففي الأسبوع الماضي، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني مسقط في أول زيارة رسمية له إلى عاصمة عربية. ويبدو العمانيون متحمسين جداً لكل أنواع المشاريع المشتركة، مثل ممر يصل بين جانبَي هذين البلدين في مضيق هرمز، فضلاً عن صفقة غاز. ولكن من وجهة نظر الرياض، بدا أوباما، باستخدامه إحدى دول مجلس التعاون كطعم لاستمالة الإيرانيين، كمن يؤلب العرب بعضهم على بعض ويُحدِث بينهم شرخاً خطيراً.

نتيجة لذلك، أوقعت سياسة البيت الأبيض في تعاطيها مع إيران (سواء أكان ذلك متعمداً أم لا) سائر أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المأزق ذاته نفس الإسرائيليين، الذي أمضوا الأيام القليلة الماضي في استعراض شحنة أسلحة إيرانية الصنع صادروها على متن سفينة متجهة إلى غزة، محاولين بذلك تذكير واشنطن أن طهران تبقى ملتزمة أشد الالتزام بالحفاظ على سباق التسلح في المنطقة. وتكثر الأحاديث اليوم عن لقاءات سرية وغيرها من مظاهر التعاون بين دول في المنطقة وتل أبيب. حتى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألمح في خطابه في مطلع هذا الشهر في مؤتمر سياسة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) إلى احتمال إقامة شراكة مفتوحة في مرحلة ما من المستقبل. فقد ذكر نتنياهو: "يمكن لخليط الابتكار الإسرائيلي وريادة الخليج العربي في مجال الأعمال أن يدفع بالمنطقة نحو الأمام".

يوجّه أوباما رسالة إلى إسرائيل ودول "مجلس التعاون" على حد سواء، مفادها أن التغيير قادم إلى المنطقة، وأن من الأفضل التماشي معه، سواء أعجبها ذلك أم لا. فقد أخبر أوباما جيفري غولدبرغ أخيراً: "أعتقد أن التغيير مخيف دوماً". حتى الإسرائيليون، الذين يُعتبرون من أهم اللاعبين السياسيين في واشنطن، يلاقون صعوبة في الاستحواذ على اهتمام البيت الأبيض. لكن نتنياهو يشعر ببعض الراحة لأنه يدرك أن إسرائيل، إذا قررت التصرف بمفردها وتوجيه ضربة أحادية إلى منشآت إيران النووية، فستحظى على الأرجح بدعم من دول في المنطقة.

من وجهة نظر الرياض، يبدو المستقبل مطابقاً للماضي. فهو في رأيها تكرار لمرحلة قاتمة من تاريخها المعاصر: مطلع السبعينيات حين تبنت إدارة نيكسون سياسة "العمودين التوأمين" في إدارتها الخليج العربي وتصديها للأنظمة المتطرفة في الشرق الأوسط، مثل حكم عبدالناصر في مصر. لم تولَد هذه الفكرة في واشنطن، بل في لندن عشية انسحاب بريطانيا العظمى. ويوضح المؤرخ روهام ألفاندي في مقال له نُشر عام 2012 بعنوان "نيكسون، وكيسنجر، والشاه: أصول التفوق الإيراني في الخليج العربي" أن وزارة الخارجية البريطانية أعدت عام 1967 تقريراً عن سياسة بريطانيا على الأمد الطويل في الخليج العربي. استندت هذه السياسة إلى "تشجيع توازن قوى محلي لا يتطلب وجودها العسكري". ويعتمد توازن القوى هذا، حسب ما يدعي التقرير، على المملكة العربية السعودية وإيران في المقام الأول. وهذا ما يريده أوباما اليوم أيضاً.

أوضح الرئيس أوباما لعدد من الصحافيين أن هدفه إنشاء "توازن جيو-سياسي" في الشرق الأوسط بالموازنة بين حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية، وإيران. ولكن عندما يعلن البيت الأبيض أنه يريد تقوية "مجلس التعاون"، يرى هذا المجلس أن الولايات المتحدة تهمّشه وتبدّي إيران عليه. نتيجة لذلك، لن يكون لكل ما يقوله أوباما في السعودية أي تأثير، لأن أعماله تعكس واقعاً مختلفاً: يستعد الأميركيون للانسحاب، وهم سعداء بالسماح لطهران بأن تحل محلهم.

* لي سميث | Lee Smith

back to top