كلام فارغ في وقت ضائع

نشر في 28-01-2014
آخر تحديث 28-01-2014 | 13:01
 باسم يوسف لا أعرف ما الفائدة من الكتابة، هل سأكتب شيئاً لم يكتبه أحد قبلي؟ هل ستقرأ اليوم ما لم تقرأه من قبل؟ هل سيكون لهذا المقال أو غيره دور في تغيير فكرك أو إنارة طريقك؟ أشك، كل ما يمكن كتابته قد كُتب من قبل، وفي مكان ما في ذاكرتك أشياء مشابهة لما تقرأه كل يوم.

يمكنني اليوم أن أكلمك عن الإرهاب والعنف والعنف المضاد، والقمع الذي يولّد الانفجار، وأخطاء "الداخلية" وغباء "الإخوان"، وما حدث في رابعة، وما حدث في الاتحادية، وخيانة "الإخوان" للثورة، وانتصار الدولة العميقة على الجميع، ولكنك تعرف ذلك.

فلماذا أضيع وقتك؟

أشاهد التليفزيون وأسمع تصريحات وزارة الداخلية والخبراء والمعلقين وبيان أنصار بيت المقدس، الذين أتوا بالقدس كلها إلى وسط القاهرة، ليمارسوا هوايتهم في الجهاد ضد المصريين، فتمر الكلمات من "الودن دي للودن دي" بدون أي أثر، فالموتى لن تعيدهم تصريحات، والجرحى لن يهمهم السبب.

يمكننا أن نفتح بوابة جحيم المؤامرات من عينة أن "الداخلية" هي التي خططت وفجّرت لتأليب الناس على معارضي السلطة، أو أن "الإخوان" يقتلون أنفسهم بأنفسهم، ولكن أنا وأنت مللنا هذا الهراء.

ما نراه هو شهادة وفاة لكل ما حلمنا به من ديمقراطية وعدالة وعيش وحرية والذي منه، فالخوف قد خيّم على كل شيء، والغضب يكسب.

لن تفلح محاولات الإخوان في إبعاد أنفسهم عن التُّهمة، ومحاولات تنصلهم من الجماعات الجهادية والتكفيرية، واقتباس فقرات من كتب الجهاديين الذين يكفرون فيها الإخوان أنفسهم... فات الآوان.

فالإخوان في عز قوتهم اختاروا أن يملأوا الصالة المغطاة في حضور مرسي لينشدوا "لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما"،

و"لون الكتاب غداً سيصنع من كتابي عزتي"، وجلس رئيسهم يستمع لسب الشيعة الأنجاس على لسان محمد حسان، وصمت حين دعا

عبدالمقصود على من ينزل في 30-6 بالويل والهلاك.

وإن كنت نسيت ذلك اليوم فمقاطع الفيديو لا تنتهي، والقنوات لا تتوقف عن إذاعتها ليل نهار، من أول البلتاجي الذي لبّس الجماعة في الحيط بتصريح هو الأغبى من نوعه، إلى الغوغاء في تظاهرات الإخوان الذين قالوا "حنفجّر مصر"، إلى صفوت حجازي الذي تعهد برشنا بالدم، إلى نجم نجوم الإرهاب "طارق الزمر"، الذي وعدنا أنه سيسحقنا إلى أدبيات الإخوان ومن حالفوهم التي تشع بلغة التكفير من اللايت إلى الهارد كور!

وإن تجاهلت كل ذلك فسيذكرك أحد ما أن مرسي ذات نفسه ذكر شيخ شيوخ الإرهاب عمر عبدالرحمن بالاسم وسعى إلى تحريره، وأن أبوإسماعيل ومن والاه يعتبرون بن لادن مثلهم الأعلى.

سيقولون إن هذه التصريحات لا تعبر عنهم أو تم أخذها خارج السياق، جميل، سيقولون إن هذه خطط خبيثة من "الداخلية" لإيجاد مبرر لمزيد من العنف، رائع، اذهب إلى البسطاء وقل لهم ذلك، وبالمرة قل لهم إن الجيش يسقط مروحياته في سيناء بصواريخ سام، لكن احرص على الجري قبل أن تكمل جملتك، فالبسطاء لا يشاهدون وزير الداخلية يهدد بحرق مصر، ولا يستمعون إلى قيادات أمنية تقول إن دم الشهداء سيملأ الشوارع، ولا يسمعون وزير الدفاع  ينادي بالجهاد وينعت الجيش بالخيانة، بل يقول لهم إنهم نور عينيه، تفتكر الناس حيصدقوا مين؟!

ومهما قامت "الداخلية" بانتهاكات ومهما زادت في القمع، فبالنسبة إلى الناس سيكون هذا لحمايتهم ممن تعهد "بسحقهم".

يقول الإخوان كيف نقوم بالتفجير ونرسل أولادنا إلى التظاهرات علانية، فالتفجير والإرهاب عمل إجرامي يتم في الخفاء لا العلن، حلو، كلام منطقي، قابلني لو حد سمعك، فهذا ليس وقت المنطق الذي قتلته أنت حين كنت في السلطة فاخترت التحالف مع عتاولة التخلف والإجرام والإرهاب، حتى إن كنت بريئاً براءة الذئب من دم يوسف، فالدم قد لطّخ قميصك بأفعالك وغبائك، والآن لا يفرق المواطن العادي بين الإخوان والسلفيين والجهاديين والقاعدة وأنصار بيت المقدس، ولا يفرق بين الرايات السوداء من منها علم القاعدة، ومن منها راية التوحيد، كلكم بالنسبة إلينا بن لادن.

ربما تظن أنه بما أن معظم القيادات الإخوانية في الحبس، فهناك فرصة ليستريح الناس من غباء تصريحاتهم فتنكشف الانتهاكات الأمنية للسلطة، ولكن هيهات، فهناك الآن رابطة للمعتوهين تقيم في فنادق الدوحة وتستمر في استفزاز الناس وإقناعهم بدون أي مجهود من السلطة انها فعلاً مؤامرة إخوانية قطرية- تركية، ففي حين يحرض أمثال زوبع والجوادي وبقية الشلة أتباعهم، يموت الأتباع ويستعدون هم لوضع المكياج قبل الظهور في ماراثون طويل للغباء على "الجزيرة مباشر مصر".

لن يجدي هنا الكلام عن سبب العنف، وأن العنف يولد العنف، وأن العنف يجيب العنف، وأن تجربة القمع مع التيار الإسلامي ستؤدي إلى مزيد من الإرهاب، لطيف، اذهب إلى البسطاء وقل لهم هذا.

لن يسمع لك أحد، ولن يصبر على تنظيرك أحد، فالرعب سيد الموقف، والهيستريا تقش، ومن أنت لتتعالى عليهم وتقول إنهم على خطأ.

بيان الإخوان واعتذارهم عما بدر منهم وقت حكمهم ومطالبتهم للجميع بالتوحد حتى يدحروا "الانقلاب" تكرار لبيانات مشابهة من عينة "والنبي سماح النوبة"، التي يأتي بعدها خيانة وكذب ونقض للعهود، فإذا فقدت مصداقيتك في الاعتذار فسيكذبك الناس في كل شيء، لأنهم رأوك تتحالف مع "الداخلية" وتحتمي بالجيش الذين يطالبون بإسقاطه الآن، فالكاذب المخادع لن يستمع إليه الناس حين ينفي عن نفسه تهمة الإرهاب، فأنت كاذب في كل الأحوال.

حين تسترجع كل الغباء والغشومية والكذب الذي رأيناه منهم، يمكنك أن تصدق عنهم أي شيء، كأن قياداتهم هي نفسها قد تآمرت لدفن ما يسمونه المشروع الإسلامي إلى الأبد، ومعه تدفن الديمقراطية، وأي كلام عن العدل وحقوق الإنسان، كلنا ندفع ثمن غبائكم وغباء خيرت الشاطر ورفاقه، لعنة الله عليهم جميعاً، فياليت الإخوان وحدهم دفعوا الثمن، فكل من يتكلم معارضاً للسلطة والنفاق والتطبيل أصبح يصنف معكم، وكلنا لكم كارهون.

كلمة "إخوان" أصبحت السيف المعلق على رقاب أي معارض، تم إلقاء القبض على نازلي حسين ابنة الحقوقية غادة شهبندر وآخرين، لمجرد رفعهم صور الشهداء في طريقهم إلى ميدان التحرير، وقبل أن تسأل عن التهمة، فهي جاهزة: إنهم إخوان، خلاص خلصت القضية.

قبضوا على نازلي وأصدقائها لأنهم يرفعون صور الشهداء، ولكن الذكي منهم من توقف لشراء صور الفريق السيسي ليعود إلى بيته بأمان.

فهيا بنا نحتفل بالذكرى السنوية لثورة يناير، التي دفنت في نفس الميدان، الذي ولدت فيه تحت أقدام من يرون أنها نكسة، والعزاء في حياة أولادك.

عزيزي الإخواني قبل أن تتباكى وتعيش في دور الضحية، استرجع في عقلك ما فعله شيوخك ورؤساؤك وكيف دمروا أية فرصة لهذه الثورة أن تنجح وتتحرك إلى الأمام، وقبل أن تتشدق بالكلام المحفوظ عن المشروع الإسلامي، انظر إلى مشروعك الذي جعلنا نشاهد في مصر أكثر المشاهد عبثية، فنرى سيدات محجبات تركض وراء رجل ملتح وتهتف "يا إرهابي يا ابن...".

الآن لن يستطيع أن يتكلم أحد في أي موضوع آخر، حاول أن تناقش فساد الحكومة أو فشل الصحة والتعليم والداخلية، حاول أن تتكلم عن عودة النظام السابق وألاعيبه ورجاله، اخرس، فلا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب.

من يموت الآن ليس له دية، ومن يعتقل يستاهل، فالقنوات الآن تجمع لك كل الموتى والمعتقلين تحت مسمى واحد: مثيري شغب، إخوان، إرهابيين حتى لو كان أستاذاً في الجامعة الأميركية مثل عماد شاهين.

أنتم أفضل هدية لمن يريد أن يحكم ومعه شيك على بياض لتفعيل أية قوانين استثنائية، والذي سيأتي سيلعن مبارك وعصره، ولكن لا مانع من استخدام نفس آلياته وأضعاف أضعاف سلطاته، اخرس، فكلامك عن الشفافية والمسؤولية والديمقراطية والرأي الآخر أكيد مؤامرة إخوانية.

هل قرأت شيئاً لم تكن تعرفه؟ هل اكتشفت ما لم تكن على علم به من قبل؟ هل أضاف المقال أي شيء جديد لحياتك.

ألم أقل لك؟ انت بتضيع وقتك.

(ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية)

back to top