حصاد بوتين في الشرق الأوسط

نشر في 24-04-2014
آخر تحديث 24-04-2014 | 00:01
على أي حال لا تبدو أي دولة في العالم الإسلامي بشكل تقريبي قابلة لتدخل خارجي مفيد، ولا تبدو أي دولة تقليدية كبرى أو حتى إقليمية مستعدة للتدخل بصورة فعالة.
 ناشيونال بوست بالنسبة إلى أولئك الذين يأملون في تجاهل منطقة الشرق الأوسط خلال فترة عيد الفصح أنا أمثل الشخص السيئ "غرينش" سارق الأفراح الذي سوف يخطف فرحة العيد. مات ما يقارب الـ140 ألف شخص خلال ثلاث سنوات من الأزمة المروعة في سورية، وقد حصدت روسيا، على الرغم من ضعفها وإفلاسها المعنوي في السياسة الخارجية نتائج مثابرتها وتفرد قرارها، ودعمت بصورة تامة وراسخة نظام بشار الأسد، كما استخدمت وضعها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي لنقض أي قرار معارض وزودت الحكومة السورية بأسلحة متطورة لمحاربة الأكثرية من شعبها. وتتجاهل روسيا الرفض الأوروبي والأميركي وتعمل ما هو ضروري من أجل الحفاظ على قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، وتدعي بالاستمرار كمنافس لقوة الأسطول السادس الأميركي في البحر الأبيض المتوسط.

كان سلوك الولايات المتحدة من النوع الذي يصعب تقبله وتبريره، وقد بدأ مع إشارة هيلاري كلينتون السيئة إلى الأسد "كمصلح" ثم عمدت واشنطن إلى دعم المنشقين لأن من الواضح أنهم كانوا يمثلون أكثرية الشعب، ولأن إطاحة الأسد سوف تضمن نهاية خطوط المساعدات الإيرانية إلى "حزب الله"- وإلى حد ما- إلى "حماس" وتقليص المصائب المروعة التي ألحقاها بلبنان وإسرائيل. لكن الولايات المتحدة ترفض تزويد ثوار سورية بالأسلحة المضادة للطائرات التي هم في أمس الحاجة إليها على الرغم من كونها دفاعية تماماً، وذلك لثلاثة أسباب هي: تخشى الحكومة الأميركية وقوع تلك الأسلحة في يد المتطرفين السنّة، وحرصها الشديد على العلاقة الأكثر أهمية مع روسيا (وهي علاقة أثبتت أنها عدائية تماماً وتقوم على حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصحيحة في أن استرضاء واشنطن يمكن أن يتحقق من دون تكلفة) ولأن الشعب الأميركي وبعد 10 سنوات وتريليوني دولار وأكثر من 50 ألف إصابة بات يكره أي تورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط.

قشة أوباما

الاستفزاز الوحيد الذي كان يمكن أن يدفع الولايات المتحدة الى التدخل هو استخدام الأسد للغازات السامة ضد شعبه، وعندما تم ذلك أعلن الرئيس باراك أوباما أنه سوف يعاقب الأسد وقام بنشر سفن حربية أميركية لتوجيه صواريخ كروز ضد السوريين، ثم تنازل عن حقه الدستوري كقائد أعلى إلى الكونغرس، وعندما بدا أن المشرعين سوف يرفضون على الأرجح أي تخويل لمهاجمة سورية على الرغم من تأكيدات وزير الخارجية جون كيري بأن مثل ذلك العمل سوف يكون "صغيراً إلى حد لا يصدق"، (وبالتالي فإنه لن يمثل ربما عقاباً أو ردعاً قاسياً جداً) عمد أوباما وبصورة مثيرة للشفقة إلى تلقف القشة التي عرضها بوتين عبر إشراف روسيا على تسليم سورية لمخزونها من الغازات السامة.

تعرضت الولايات المتحدة للهزيمة- ويستمر الأسد بوصفه دمية في أيدي السوفيات والإيرانيين بينما خصومه الرئيسيون هم من الجهاديين والمنظمات الداعمة للإرهاب، مع وجود أكثر من 2.5 مليون سوري يشكلون أكثر من 10 في المئة من السكان كلاجئين يعيشون في ظل ظروف مزرية مثيرة للشفقة. أما الولايات المتحدة فهي ضالعة في ذلك الخطأ، على الرغم من الاقتصار على السلبية والإهمال ولكنها لا تسعى إلى تحقيق ميزة.

رعت تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية الأجنحة الثورية في الحرب الأهلية السورية، وتخوض السعودية صراعاً إقليمياً ضد إيران على النفوذ- وهو بشكل جزئي نزاع سنّي شيعي- ولا تنسى في الوقت نفسه جهود المجموعات الأصولية في المنطقة من أجل إطاحة العائلة المالكة السعودية في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد كانت تركيا وقطر أقل تمييزاً وأيدت أنقرة جماعة "الإخوان المسلمين" في حين أيدت قطر الميليشيات السلفية المحلية، والتزمت الدولتان بالعمل على إسقاط الأسد ولكنهما حافظتا على علاقاتهما مع إيران، وتستمر الخطط والمؤامرات من دون نهاية وفي كل الاتجاهات ومن قبل كل الأطراف مثلما يحدث دوماً في الشرق الأوسط فقط.

معارك منهكة   

كسبت سورية دعم إيران الراسخ لأنها استمرت في السراء والضراء في لعب دور قناة التواصل مع "حزب الله"، وكانت طهران المورد الثابت للسلاح والنفط المنخفض السعر والتدريب العسكري المكثف لقوات الأسد شبه العسكرية حتى قواته النظامية. ومع قيام الولايات المتحدة بتقهقر لافت بدت روسيا وإيران على درجة من القوة تكفي لإبقاء الأسد في الحكم وتمتعه بسلطة على أجزاء من سورية تفوق أي شخص آخر. ويستفيد الأسد بشكل عام من مساعدات أكبر ومن معارضة منقسمة بصورة حادة، وقد أخفقت محاولات توحيد المجموعات المعارضة المتعددة السورية وهي كلها مشوشة بصورة مروعة بسبب خلافات ضبابية وبلاغية كما حدث قبل ثلاثة أشهر عندما انسحب أفراد من المجلس الوطني السوري من الائتلاف الوطني المعارض. والكثير من القوى الأكثر اعتدالاً (ويتعين الحذر الشديد في استخدام تلك الكلمة في أي مكان في الشرق الأوسط) تنتظر الآن الأحداث وقد أنهكها القتال العنيف وغير الفعال، وتصعب معرفة من يعمل في الجيش السوري الحر، والمجلس العسكري الأعلى والجبهة السورية للثوار وأين تنتهي كل واحدة وتبدأ الأخرى، وتبدو "الجبهة الإسلامية"، التي تضم حوالي 50 ألف مقاتل، واحدة من أكثر المجموعات قوة وتماسكاً، وهي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة، أما "جبهة النصرة"، التي تتبع نظام "القاعدة" المحلي، فهي أكثر انضباطاً ولكنها أصغر عدداً وكانت أكثر حذراً من الكل إزاء إلحاق أضرار جماعية.

على صعيد إقليمي، كانت إشاعة الفوضى في سورية والهزيمة السريعة لحركة "الإخوان المسلمين" في مصر حيث كانت قوة مرعبة طوال 60 سنة خدمة جلية لإسرائيل، ولم يقلل من وقعها سوى الضعف الأميركي والدولي إزاء البرنامج النووي الإيراني. لكن الرسالة الفورية المتعلقة بسورية كانت أنه وفي كل الظروف وعلى الرغم من كون عائلة الأسد ليست ذات سمعة حسنة وغير مقبولة كما شأن رعاتها من الإيرانيين والروس ليس من الواضح وجود بديل موضوعي مفضل يتمتع بفرصة نجاح عملية حقيقية.

كانت تلك هي الرسالة التي طرحت كما يبدو من جانب معظم أنحاء العالم العربي، وكان هناك القليل من التقاليد الديمقراطية أو المدنية، وسادت فقط أنظمة استبدادية تعتمد على الجيش أو الشرطة من أجل منع التفكك الناجم عن مجموعات من الإسلام الراديكالي، وبينما تسخر تماماً من معظم حملة جورج دبليو بوش لإحلال الديمقراطية ومعظم الصراخ المبهج الذي ساد خلال المراحل الأولى من الربيع العربي، فإن عجز القوى العربية قد خفض مستوى الفساد السياسي المصدر إلى العالم، وثمة من يأمل في أن النزاع المدني على هذا المستوى سوف يفضي في نهاية المطاف إلى مستويات أكثر تعقيداً للحوكمة المدنية لتتحول إلى طموح واسع النطاق.

القدرات النووية

من الجلي أن إيران تقترب من امتلاك قدرات نووية، وإذا تمكنت من تحقيق ذلك فإن تركيا والسعودية ومصر سوف تحذو حذوها، ومن ثم سوف تصبح مسألة وقت فقط قبل أن تصل كمية صغيرة من الأسلحة النووية إلى أيدي إرهابيين يطلقونها عندما تسنح لهم فرصة معقولة للقيام بذلك من دون افتضاح أمرهم. الهجمات ضد إسرائيل من جانب دولة أخرى غير مرجحة لأن الرد الانتقامي سوف يكون طاغياً، ولأن الدفاعات الإسرائيلية المضادة للصواريخ متطورة جداً، ولا يمكن معرفة مدى الضرر الناجم عن ضربة أولى. وما تدعو الحاجة إليه هو اتفاقية عامة بين دول كبرى لإبقاء الأسلحة النووية بعيداً عن الأيدي غير المسؤولة تماماً نظراً لأن الاتفاقية الحالية لمنع الانتشار النووي غير مجدية على الإطلاق، وكذلك من أجل تحديد الدول التي لا تلتزم والتدخل فيها من خلال منظمات دولية بغية منع تلك الدول من التحول إلى مرتع للإرهاب، كما فعلت أفغانستان واليمن والصومال والسودان.

وفي ضوء مشاكل روسيا المحلية مع الإرهاب والتي ظهر تأثيرها بقوة إبان الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة، كان من المتعين التعامل مع الكرملين حول هذه القضية، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن، وما غاب عن الأنظار إلى حد كبير حقيقة وجود بعض التقدم في العالم الإسلامي، وربما كان العراق وتونس وليبيا في حال أفضل مما كانت عليه قبل الثورة، كما أظهر المغرب والأردن وتركيا والإمارات العربية المتحدة، حتى السعودية، وبعض دول الخليج الأخرى وإندونيسيا وماليزيا قدراً من القابلية للحوكمة الذاتية والنمو الاقتصادي، ولكن على أي حال لا تبدو أي دولة في العالم الإسلامي بشكل تقريبي قابلة لتدخل خارجي مفيد، ولا تبدو أي دولة تقليدية كبرى أو حتى إقليمية مستعدة للتدخل بصورة فعالة.

لا يبدو من الطبيعي بالنسبة إلى الغرب أن يحقق أمل وجود حكومات جيدة آخذين في الاعتبار سوء الإدارة السياسية لمعظم الدول في الآونة الأخيرة، لكن انتظار تحقيق العالم الإسلامي مستوياتنا غير المرضية من السياسة العامة المسؤولة قد يكون عملية محبطة وطويلة للغاية.

Conrad Black

back to top