هل تكرر آسيا أخطاء أوروبا؟

نشر في 17-02-2014
آخر تحديث 17-02-2014 | 00:01
تصدرت المقارنات مع عام 1914 عناوين الأخبار، عندما ذكر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال اجتماعٍ في دافوس أن الوضع بين اليابان والصين يشبه ما ساد بين ألمانيا وبريطانيا قبل نحو قرن من الزمن.
 يال غلوبل تحل المقارنات التاريخية عادة محل التحليل، خصوصاً إذا كانت نتائج هذه المقارنات مريعة جداً. وفي حين نستعد للذكرى المئوية لبداية الحرب العالمية الأولى، تُعقد مقارنات كثيرة بين التوتر الناشئ بين اليابان والصين من جهة والعداء بين ألمانيا وبريطانيا قبيل الحرب العالمية من جهة أخرى. تبدو هذه المقارنات ملائمة. صحيح أن الصين والولايات المتحدة وحليفتها اليابان اليوم لا تشبه تماماً القوى الأوروبية التي شاركت في الحرب، لكن التحالفات الناشئة، التي أدت إلى الصراع عام 1914، لا تزال تحمل الكثير لنا من العبر.

تصدرت المقارنات مع عام 1914 عناوين الأخبار، عندما ذكر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال اجتماع في دافوس أن الوضع بين اليابان والصين يشبه ما ساد بين ألمانيا وبريطانيا قبل نحو قرن من الزمن. حاول المسؤولون توضيح كلماته هذه لاحقاً، مصرين على أن آبي لم يُشِر إلى إمكان اندلاع حرب. ولكن بإثارة مسألة عام 1914، كان رئيس الوزراء هذا يدرك تماماً الصورة التي استحضرها.

يظهر رد الفعل تجاه تعليقات آبي أن المقارنات بين 2014 و1914 قد لا تكون مضللة فحسب، بل تؤجج أيضاً التوتر: فقد ردت الصين باتهام اليابان بأنها "تثير المشاكل"، دور نسبه كثيرون إلى ألمانيا خلال المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى.

إذا كانت مقارنات عام 1914 صحيحة، فستُعتبر الصين نظير ألمانيا: قوة ناشئة تتحدى القوة القائمة، أي الولايات المتحدة، التي تؤدي دور بريطانيا قبل قرن. يُطلق على ذلك عادة "شرك ثوكيديدس"، نسبة إلى المؤرخ اليوناني القديمة الذي دون أخبار الحرب البلوبونيزية، التي واجهت خلالها اسبرطة قوة أثينا المتنامية.

الاستدارة والريبة

من الواضح أن واشنطن وبكين تخشى كل منهما الأخرى، لكن من الجلي أيضاً أنهما تريدان تفادي الصراع. صحيح أن الاقتصاد الصيني سيواصل نموه بسرعة أكبر، متفوقاً على الناتج المحلي الإجمالي الأميركي خلال العقد المقبل تقريباً، إلا أن هذين البلدين يعتمد كل منهما على الآخر اقتصادياً ومالياً. كذلك تعمل الصين على تحديث جيشها، وتطور سلاحها البحري والجوي كي تؤمن الممرات البحرية التي تعتمد عليها راهناً لتستورد الطاقة والمواد الخام التي يحتاج إليها اقتصادها. لكن هذا يشكل تحدياً للهيمنة التي تمتعت بها الولايات المتحدة في بحار آسيا منذ الحرب العالمية الثانية.

سعت الإدارة الأميركية طوال السنوات الثلاث الماضية لتحقيق "إعادة التوازن" أو "الاستدارة" نحو آسيا. وقد شمل ذلك تركيز الاهتمام العسكري والاقتصادي على تلك المنطقة، ما أثار ريبة الصين حيث يعتبر كثيرون هذه السياسة سياسة احتواء تذكّر بالحرب الباردة. لكن المسؤولين الأميركيين يصرون على أن هدف هذه الاستدارة ليس الاحتواء بل تفادي أي مظاهر توحي بأن الولايات المتحدة تستفز الصين. ويحض المسؤولون الأميركيون بكين على التحلي بالمزيد من الشفافية بشأن قدراتها العسكرية، وتطوير آليات لإدارة الأزمات بهدف تجنب الصراعات العرضية.

أما حكومة الرئيس تشي جينبينغ من جهتها، فتدعو إلى نوع جديد من علاقات القوى العظمى مع الولايات المتحدة. ومع أننا نجهل ما يعنيه ذلك عملياً، تبدو بكين مستعدة لتحسين علاقاتها مع واشنطن.

لكن التوتر في شرق آسيا يتفاقم، خصوصاً بين الصين واليابان. فبخلاف العلاقات بين ألمانيا وبريطانيا قبل مئة سنة، يعود التوتر الحالي بين الصين واليابان إلى صراعات قديمة بين البلدين.

صدام عرضي

يعتقد صينيون كثر أن القيادة اليابانية لم تعترف كاملاً بمسؤولية هذا البلد عن غزو الصين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. كذلك يدرس الطلاب الصينيون الفظائع الكبيرة التي ارتكبتها القوات اليابانية بتفصيل مقزز، في حين يقلل الوطنيون اليابانيون من أهمية تلك التفاصيل، حتى إن الصين تدّعي أن الكثير من الكتب الدراسية اليابانية جمَّلت ذلك الغزو. وتشير كل هذه المسائل إلى أن ما من مصالحة حقيقية بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، تخوض الصين واليابان صراعاً طويلا على ملكية جزر "سينكاكو"/ "دياويو" في بحر الصين الشرقي. يرجع هذا الخلاف إلى الحرب الصينية- اليابانية الأولى في التاريخ المعاصر في تسعينيات القرن التاسع عشر. فقد ضمتها اليابان بعد تلك الحرب عام 1895. ولكن عقب الحرب العالمية الثانية بعد 50 سنة، لم تُعَد إلى الصين، بخلاف الأراضي الأخرى التي احتلها اليابانيون، بل شغلها الأميركيون. وعندما قررت الولايات المتحدة أنها ما عادت تحتاج إلى تلك الجزر في مطلع سبعينيات القرن العشرين، كانت الصين خاضعة لحكم الحزب الشيوعي، أما اليابان فكانت حليفاً لها. لذلك أعادت واشنطن تلك الجزر إلى السيطرة اليابانية.

عززت الصين، التي ازدادت قوة خلال السنوات الأخيرة، الضغط على اليابان لترغمها على الإقرار بالنزاع على تلك الجزر. فصارت الصين أخيراً ترسل بانتظام سفناً وطائرات لتجوب المناطق المحاذية لهذه الجزر. فترد اليابان بتسيير دوريات مماثلة، ما يفاقم خطر وقوع صدام عرضي.

إذاً، حتى لو لم تكن المقارنات مع عام 1914 دقيقة، يبقى الصراع بين الصين واليابان محتملاً.

يُعتبر آبي سياسياً قومياً يود أن تخرج اليابان من الحالة السلمية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة بعد عام 1945. صحيح أنه لن يذهب على الأرجح إلى حد تغيير العناصر السلمية في دستور بلاده، إلا أنه يريد تبديل موقف اليابان الدفاعي كي تتمكن القوات المسلحة من تأدية دور أكثر فاعلية. فلا تزال اليابان حتى اليوم تعتمد إلى حد كبير على الولايات المتحدة للدفاع عن المناطق المحيطة بها. وقد برر آبي رغبته هذه بالإشارة إلى قدرات الصين العسكرية المتنامية والشكوك المحيطة بنوايا بكين.

المقاطعة السهلة

في بكين، يصب تشي كل اهتمامه على إصلاح الاقتصاد والقضاء على الفساد الذي يقوض شرعية الحزب الشيوعي، ما يُظهر أنه لا يرغب في خوض حرب. ولكن كي تنجح هذه الإصلاحات، لا ضرر في الحفاظ على التوتر مع طوكيو والإحساس بخطر من الخارج لأن ذلك يعزز الولاء في الداخل. كذلك سيحتاج تشي إلى دعم الجيش والأجهزة الأمنية لإصلاحاته، بينما يستهدف مصالح ترتبط بقيادة الحزب، والحكومات الإقليمية، وشركات الدولة الكبرى، ما يجعل التسوية مع اليابان أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو الرأي العام الصيني معادياً لليابان، ويتضح ذلك من خلال استطلاعات الرأي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والسهولة التي تحدث بها عمليات المقاطعة المناهضة لليابان.

إذاً، تدفع السياسات المحلية والمسائل الجيو- سياسية الصين واليابان كلتيهما لتكونا أكثر عناداً، ما يقلق واشنطن. فعندما زار آبي ضريح ياسوكوني لقتلى الحرب اليابانيين المثير للجدل في نهاية شهر ديسمبر، لم يؤجج التوتر مع الصين وكوريا الجنوبية فحسب ويدفعهما للتنديد بهذه الخطوة، بل صرحت الولايات المتحدة أيضاً علانية أنها أُصيبت "بخيبة أمل".

في تعليقاته في دافوس، كان آبي يفكر في علاقات بلده التجارية القوية مع الصين عندما ذكر أن الروابط الاقتصادية بين ألمانيا وبريطانيا لم تمنع وقوع الحرب عام 1914. لذلك خرج بعض مَن استمعوا إلى رئيس الوزراء الياباني بانطباع أنه لا يعتقد أن المصالح التجارية قوية بشكل يحول دون نشوب صراع عسكري.

ولكن إذا وقع صراع عسكري بين بكين وطوكيو، فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تعول على حليفها الآخر في المنطقة، سيول، نظراً إلى العلاقات المتوترة بين اليابان وكوريا الجنوبية، التي لديها خلافاتها التاريخية والمناطقية الخاصة مع طوكيو. لذلك ستُضطر واشنطن إلى الاختيار بين التمسك بمعاهدتها الدفاعية مع اليابان وتفادي صراع مباشر مع الصين. وبما أن واشنطن ستواجه خطر خسارة ثقة حلفائها الكثر في المنطقة ولم تعتد التراجع في مواقف مماثلة، فمن المرجح أن تختار دعم اليابان. إذاً، يبقى الدرس الأهم الذي نستخلصه من عام 1914 الطريقة التي تؤدي بها التحالفات والالتزامات إلى حرب أوسع.

back to top