حركة «طالبان» وحروب الوكالة في أفغانستان

نشر في 19-03-2014
آخر تحديث 19-03-2014 | 00:01
الانسحاب التام للقوات الأميركية والأطلسية سيؤثر بشدة في القوى التقدمية والليبرالية للأقليات في باكستان وأفغانستان، ومن المؤكد أن الانتخابات المقبلة في أفغانستان وانسحاب قوات حلف «الناتو» سيرسمان شكل السيناريو الأمني في جنوب آسيا.
 ذي دبلومات أصبحت حركة "طالبان" والجهاديون الذين يتفقون معها فكرياً أكثر توحداً في تصميمهم على فرض طريقتهم في تطبيق الشريعة على أفغانستان وباكستان معاً، وذلك بمساعدة من مرشديهم الدوليين تحت راية تنظيم "القاعدة".  وفي الوقت الذي يسارع فيه الإرهابيون خطواتهم نحو تحقيق هذه الوحدة في الهدف والمصير، تشهد مواقف حكومتي باكستان وأفغانستان انقسامات بشأن مسألة معالجة التطرف المتنامي، وتنشغل إسلام أباد في متابعة المحادثات في قت تتصاعد فيه "هجمات الداخل" لأن حركة "طالبان" تمكنت من تجنيد عناصر من قوى الأمن الأفغانية. وقد أرغم التصاعد الأخير للعمليات في ما يطلق عليه هجمات "الأخضر على الأزرق" شركاء الائتلاف على تعليق تدريبات قوات الأمن الأفغانية.

الخلفية التاريخية

تتعرض جنوب آسيا، وهي وريث حضارة وادي الإندوس العظيمة، للترنح والقلاقل بعد ثلاثة عقود من الحرب. وقد امتدت الحرب المتواصلة في أفغانستان إلى الشرق ويعمل المتطرفون بصورة منتظمة عبر "خط ديوراند"، الذي يفصل بين أفغانستان وباكستان. كما أن الوضع الأمني في المناطق القبلية الخاضعة لإدارة فدرالية هو الأسوأ منذ عقود من الزمن في ظل سيطرة فعلية لحركة "طالبان"، وشهد إقليم "خيبر بوختنخوا" المجاور أسوأ أعمال عنف منذ بداية الحرب الأفغانية في سنة 1979. وقد قتل عشرات الآلاف في هجمات في تلك المناطق الواقعة في شمال غرب باكستان خلال السنوات الأخيرة.

 يعتبر إقليم كشمير المتنازع عليه الذي تحيط به باكستان والهند والصين المصدر الرئيسي لحرب الوكالة الهندية – الباكستانية في أفغانستان، وتم في هذا الإقليم تدريب بعض المجموعات الجهادية الحالية التي تعمل في الوقت الراهن من إقليم البنجاب الباكستاني. وقد تم تنفيذ هجمات "فندق مومباي" الدموية في سنة 2008 من قبل إحدى تلك المجموعات التي يطلق عليها "عسكر طيبة".

يبدو أن الهدف النهائي لهذه المجموعات هو إقامة خلافة إسلامية تمتد من شرق إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا على خطى ما حدث في القرن الثامن إبان أوج هيمنة الإسلام.

وتعمل المجموعات الإرهابية الباكستانية في الوقت الراهن تحت أسماء متعددة: "تحريك طالبان باكستان"، و"صباح الصحابة في باكستان"، و"تحريك نفاذ الشريعة المحمدية"، و"لشكر الجهانغفي"، و"حركة المجاهدين" و"عسكر طيبة" والعديد غيرها. وإلى جانب الإرهابيين المحليين يوجد عدد كبير من المقاتلين (من الشيشان والأوزبكيين بشكل رئيسي) من آسيا الوسطى والدول العربية الذين يقيمون بصورة دائمة الآن في المناطق القبلية الخاضعة لإدارة فدرالية. وكان هؤلاء جزءاً من مجموعات المجاهدين الذين قاتلوا الروس في أفغانستان.

وتظهر مجموعات إرهابية جديدة بصورة منتظمة لإعلان المسؤولية عن الهجمات اليومية بشكل تقريبي على "خط ديوراند". وكانت إحدى تلك المجموعات، التي يطلق عليها "أحرار الهند"، مسؤولة عن الهجوم الأخير على مبنى المحاكم في العاصمة إسلام أباد الذي أفضى إلى مقتل أحد كبار القضاة مع كثيرين غيره. وبغض النظر عن تباين أسماء تلك المجموعات الإرهابية وعدد حروفها، فهي تتوحد وتتشارك في هدفها القصير الأجل الذي يدعو إلى فرض الشريعة الإسلامية في جنوب آسيا.

الرد السياسي في باكستان

من جانبها تقوم الأحزاب الدينية- السياسية في باكستان- مثل "جماعة الإسلام" و"جمعية علماء الإسلام"- بتأييد حركة "طالبان" بقوة، وعلى الرغم من تمتع "جماعة الإسلام و"جمعية علماء الإسلام" بقدر قليل من الدعم الانتخابي فإنهما تتمتعان بقوة أعلى في الشارع مقارنة بالأحزاب العادية. وأحد هذه الأحزاب السياسية وهو حزب "التحريك والانصاف" في باكستان بزعامة نجم الكريكت السابق عمران خان، يدعم علانية حركة "طالبان" ويضغط من أجل فتح مكتب لها في "خيبر بوختنخوا". وتمثل هذه الأحزاب الثلاثة المصدر الرئيسي للإنعاش الذي تحتاج إليه بشدة "طالبان" والمجموعات الإرهابية الأخرى. وقد تعطل بصورة فعلية أحد طرق إمداد حلف شمال الأطلسي (الناتو) من عمال حزب "التحريك والإنصاف" لشهور عدة قبل أن تعلن محكمة عليا في "خيبر بوختنخوا" أن مثل هذا الإجراء غير قانوني. ويعمد قادة تلك الأحزاب بعد كل هجوم إرهابي إلى ابلاغ أتباعهم عن تورط "يد أجنبية" (تنسب في العادة إلى وكالة المخابرات المركزية أو الموساد الإسرائيلي أو جناح البحث والتحليل في الهند) في تلك الهجمات وذلك في محاولة لتخريب العملية السلمية.

حزب نواز شريف

يعتقد حزب رئيس الوزراء نواز شريف بقوة أن حركة "طالبان" يمكن دفعها إلى المسار السياسي عن طريق المفاوضات، ويكمن دور وكالة التجسس الباكستانية في دعم يقتصر فقط على مجموعات "طالبان" التي يمكن استخدامها في وقت لاحق للتأثير في أفغانستان بعد سنة 2014.

ويهدف الأسلوب التدريجي الحالي لكل من إسلام أباد وكابول إلى شراء ما أمكن من وقت قبل أن تصبح الأوضاع الغامضة لسنة 2014 أكثر شفافية. وتعمل إسلام أباد وروالبندي في هذه الأثناء على تقييم خياراتهما بغية تحديد مجموعات "طالبان" التي يتعين دعمها وتلك التي يتعين استبعادها. لكن هذا الأسلوب لن ينجح، وقد أخفقت الجولة الأولى من "محادثات السلام" بين حركة "طالبان" والحكومة الباكستانية بصورة مريعة لأن الهجمات على المدنيين والعسكريين لم تتوقف. وعلى العكس عمدت "طالبان" إلى تصعيد جهودها لتفكيك بنية الدولة وهي أكثر جرأة على أحد جانبي "خط ديوراند".

وقد أعلن وزير الداخلية الباكستاني أخيراً عن أول "سياسة أمنية" لبلاده تفيد بأن القوات الباكستانية سوف تقوم بعد كل هجوم إرهابي بقصف مقرات المسلحين في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفدرالية. وستفضي الضربات الموجهة إلى قلة من المواقع إلى إيقاع مزيد من البؤس في صفوف السكان المحليين وإضافة مئات الآلاف من المهجرين في الداخل.

السيناريو الدولي

يراقب عملاقا الاقتصاد الهند والصين بقلق الأحداث التي تشهدها الباحة الخلفية للبلدين. وقد أشارت الصين بوضوح إلى أنها لن تحتمل استيلاء حركة "طالبان" على أفغانستان. وتواجه الصين موجة من التهديد الإرهابي في المناطق الغربية من البلاد، وقد أنحت باللائمة على الانفصاليين الإسلاميين في عملية استخدام الأسلحة البيضاء في كانمينغ أخيراً. وتشعر الهند بقلق أكبر من التنامي الداخلي للمجموعات الإرهابية، على الرغم من أن ازدياد التوجه نحو الفكر "الطالباني" في باكستان يمكن أن يعطل بصورة حادة وضعها الاقتصادي. زحف الفكر الطالباني وتمدده لا يمكن احتواؤه وقصره داخل حدود أفغانستان وباكستان، فسينتشر إلى داخل الهند والصين على الأقل. وعلى أي حال قد تؤدي التطورات الأخيرة في أوكرانيا إلى تغير أصول اللعبة في جنوب آسيا. ويرجع ذلك إلى احتمال أن تصبج أوكرانيا بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي سمكة، أكبر من أفغانستان، يسعى لاصطيادها، ويضاف إلى ذلك البيان الأخير الذي صدر عن المجموعة الإسلامية الجهادية التي يطلق عليها "حزب التحرير"، الذي قال "لن تستقر الحالة في أوكرانيا ما لم تتحقق دولة الخلافة للمسلمين".

الانسحاب التام للقوات الأميركية والأطلسية (خيار الصفر) سوف يؤثر بشدة في القوى التقدمية والتيارات الليبرالية للأقليات في باكستان وأفغانستان. ومن المؤكد أن الانتخابات المقبلة في أفغانستان وانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي سيرسمان شكل السيناريو الأمني في جنوب آسيا. وفي ظل غياب تام للقوات الدولية يمكن أن تستهدف حركة "طالبان" كل من يشارك في العملية الانتخابية. وكانت المشاركة في الماضي متدنية للغاية، وتكرارها هذه المرة سيثير شكوكا بشأن النتائج. وقد تآكلت صدقية الحكومة الأفغانية بمرور الوقت وتتعرض العملية السياسية إلى خطر شيوع الفوضى وسيطرة العنف على الوضع.

ويشكل تصاعد الإرهاب وتمدده تهديداً وجودياً للسلامة الإقليمية لدول جنوب آسيا، وسيتعين على إسلام أباد وكابول الانتقال بجهودهما إلى مستوى آخر.

Asim Yousafzai

back to top