هل مستقبل مصر السياسي في «الشوقراطية»؟!

نشر في 27-11-2013
آخر تحديث 27-11-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي - 1 -

ماذا ستختار مصر غداً: الشورى، أم الديمقراطية، أم خليطاً جديداً بينهما؟ فقد عودتنا مصر، منذ أزمنة عدة أن تأتينا بالجديد في السياسة، والثقافة، والفن.

فكيف سيكون الخليط الجديد الشوقراطي (الشوري الديمقراطي) الذي نتوقعه غداً من مصر؟

بدايةً، علينا أن نُكمل ما تبقى من فروق سياسية وتاريخية، بين الشورى الدينية والديمقراطية اليونانية، وهو ما لم تسمح به المساحة المخصصة لمثل هذا المقال في الأسبوع الماضي، لكي تكون الفكرة واضحة في ذهن القارئ الكريم. وتتضح الفروقات بين الشورى التي كانت سائدة منذ أكثر من 1500 سنة، ولمدة قصيرة جداً من عمر الزمن، وبين النظام الديمقراطي المؤصَّل في الغرب، منذ بداية القرن التاسع عشر. ومن هنا سيفهم الجميع، لماذا يرفض الإسلاميون الديمقراطية، ولماذا يرفض الفريق الآخر الشورى الدينية؟

وهذه هي بقية الفروق بين الشورى والديمقراطية:

1- تتم إقامة مجلس الشورى- الذي هو مستحبٌ وليس مُلزماً للحاكم في رأي أغلبية فقهاء السُنَّة- منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى الآن بالتعيين من قِبَل السلطان للمؤيدين، الطائعين، المبارِكين، كما كان يفعل السلف، وليس بالانتخاب الحر المباشر من قِبَل الجمهور. وقد أصبحت هذه المسألة خلافية بين رجال الدين في العصر الحديث. فمنهم من يرى وجوب اختيار أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخاب الحر المباشر، ومنهم من يرى وجوب تعيينهم من قبل السلطان، ومنهم من يمزج بين الاختيارين.

2- لا تتناقض دولة الديمقراطية مع نفسها. فمن المبادئ السياسية التي لا يختلف عليها اثنان أن روح الديمقراطية هي قيام الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة. وأن الدولة الحرة هي دولة الأحزاب الحرة.

3 - تتمسك الشورى بحرفية الآلية البدائية العفوية، التي لا تتعدى النصيحة والاستشارة والقول الحَسن، والتي درجت عليها في العهد الراشدي القصير، ولا تغيرها حسب ما يُستجد في الحياة السياسية كل يوم من تطورات، وتغيرات، ومتطلبات، ومستلزمات.

4- تتم إقامة المجالس النيابية الديمقراطية على أساس الانتخاب المباشر الحر من الشعب، ولا تعيين فيها من قِبَل السلطان إلا في الدول ذات القشرة الديمقراطية الرقيقة المُزيَّفة، حيث يتم تعيين أعضاء مجلس الشيوخ (الأعيان) من قِبَل السلطان ومن المؤيدين، الطائعين، المبارِكين أبداً. أما في البلدان الديمقراطية العريقة فلا تعيين يتم، وإنما يأتي مجلس النواب ومجلس الشيوخ بالانتخاب الحر النزيه المباشر.

5- لا تتمسك الديمقراطية بمنهاج معين، بل هي مرنة أشد المرونة، وتُطوِّر وتُعدِّل من قوانينها من حين إلى آخر بما يتماشى واحتياجات الحياة السياسية، وما يستجِدُ لها، وما يتغير فيها. ولا تقف عند حد النصيحة بل إقرار الأنظمة، وإجبار السلطة على تنفيذها والرقابة على التنفيذ السليم.

6- تتغير مفاهيم الشورى من عهد إلى آخر ومن فقيه إلى فقيه، بحسب نوعية السلاطين، وبحسب طبقة الفقهاء ونوعيتهم وتقواهم. في حين تتغير مفاهيم الديمقراطية من عهد إلى آخر بحسب تغير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتطورها ومتطلباتها ومستلزماتها.

7- يقترن النظام الشوري دائماً بالسلطة السياسية الوراثية. فكما أنه لا انتخاب في مجلس الشورى، فكذلك لا انتخاب في رأس السلطة التنفيذية. أما الديمقراطية فتقترن دائماً بالسلطة السياسية التداولية. فكما يتم انتخاب رأس الدولة لمدة محدودة، يتم كذلك انتخاب الهيئات التشريعية.

8- يرفض مجتمع الشورى الإسلامي الاستبداد المُطلق الممنوع شرعاً. أما الاستبداد المُقيَّد فهو غير ممنوع في هذا المجتمع، وهو غير ممنوع في الشرع والعقل، كما يقول أصحابها. في حين أن مجتمع الديمقراطية الحقَّة يرفض كافة أنواع الاستبداد المُطلقة والمُقيَّدة. بل إن الديمقراطية الحقَّة ضد الطغيان وتنادي بالعدالة على مستويات الحياة كافة، وإن الديمقراطية والاستبداد لا يجتمعان.

 9- تُمارس الشورى دائماً في سياق حكم ديني. والديمقراطية تُمارس غالباً في سياق حكم لا ديني.

10- ليست الشورى ممارسة سياسية معزولة، وإنما هي نظام حياة كامل في الأسرة والمجتمع والمعاملات والعلم والسياسة، كما يقول أصحابها. الديمقراطية ليست ممارسة سياسية فقط، وإنما هي أيضاً نظام حياة كامل تبدأ من البيت وتنتهي تحت قبة البرلمان.

11- وأخيراً، لا تنفصل الشورى عن الدين، ومن ثم يظل نظامها مؤسَسَاً على رعاية المسؤولية أمام الله الذي يراقب النيات والأعمال والأسرار والظواهر. أما الديمقراطية فهي نظام ينطوي على طلاقة الهوى والشهوات السياسية من قيود الأخلاق، كما يقول أعداؤها من المفكرين الإسلاميين.

- 2 -

ومرة أخرى، وللتذكير جيداً، فمن المعروف، أن الفقهاء انقسموا إلى فريقين: فريق يرى الندب (الاستحباب) وفريق يرى الوجوب (التطبيق). وكان أقوى هذين الفريقين هو فريق الندب الذي يرى أن الشورى ليست من المبادئ التي تُلزم الحكام، ولكنها مُستحبة. فإذا قام بها الحاكم استحق الثواب في الآخرة والثناء في الدنيا، وإذا لم يقم بها وتركها فلا حرج عليه في ذلك.

وقال هؤلاء إنه لا يوجد في القرآن الكريم، نص صريح على "وجوب" الشورى. وإن قوله تعالى "وشاورهم في الأمر" (آل عمران: 159) نزلت في أبي بكر وعمر بن الخطاب فقط.

ويرى معظم المفسرين، أن هذه الآية، ليست من النوع الواجب اللازم، ولكنها من المُستحب الحسن، وذلك لأن النبي المؤيد بالوحي من الله، ليس بحاجة إلى الشورى، حيث أغناه الله بتسديد خطاه، وتوفيقه للصواب.

وقال ابن كثير: "إن الرسول كان يشاور أصحابه في الأمر تطييباً لقلوبهم، ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه".

- 3 -

فماذا ستختار مصر الثورة غداً، الشورى الدينية، لكي تُرضي بها "الأزهر" والجماعات الإسلامية، أم ستختار الديمقراطية لكي تُرضي بها الجانب المخالف الآخر، أم ستختار "الشوقراطية"- وهي صيغة سياسية للحكم، نراها في تركيا وماليزيا مثلاً. وهي خليط حكيم بين الشورى الدينية والديمقراطية اليونانية، لكي تُرضي بها الجميع؟

وعندها سيكون التطبيق صعباً، وستحصل أخطاء كثيرة في السنة الأولى للتطبيق، ولكنها ستخف في السنوات التالية، الى أن يصبح التطبيق دون أخطاء تُذكر.

فهذه هي حال المفاهيم والقيم السياسية الجديدة، في كل زمان ومكان.

back to top