أزوف بحيرة روسية

نشر في 05-04-2014
آخر تحديث 05-04-2014 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف  لم يحفظ الأوكرانيون موقعهم في قلب موسكو ذلك الموقع الذي دفع بالرئيس نكيتا خورتشوف لأن يهديهم شبه جزيرة القرم في عام 1954، ولم يعوا ما لهذه المنطقة من أهمية عسكرية تطل بورسيا عبر أساطيلها الحربية من البحر الأسود على البحر المتوسط مرورا بمضايق البوسفور والدردنيل.

تأمل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت المسطحات المائية الممتدة أمام مقر إقامته في منتجع يالطا الواقع في شبه جزيرة القرم السوفياتية في عام 1945 إبان حضوره أعمال مؤتمر يالطا الذي قسّم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، فحدّثته نفسه بأن يورط الاتحاد السوفياتي بدخول الحرب ضد الإمبراطورية اليابانية، فيكون بذلك قد حدّ من غلواء اليابانيين المتعاظم ضد جيوش بلاده في الشرق الأقصى، وعندما اشترط السوفيات احتلال جزر الكوريل اليابانية الأربع كان للأميركيين والسوفيات ما أرادوا بعد ثلاثة أشهر من إبرام هذه الاتفاقية السرية التي كممت فم الولايات المتحدة إزاء مطالبة حليفتها (فيما بعد) اليابان باستعادة هذه الجزر.

هذه حادثة نبرهن بها على أن الولايات المتحدة طرف دولي هام، ولكن لا يوثق به، فهي تفتعل الأزمات فتؤلب طرفاً ضد طرف، ولكنها في النهاية تتملص من تعهداتها، فقد أغرت الثوار الكوبيين ضد نظام فيديل كاسترو في بداية الستينيات فيما عرف بواقعة "خليج الخنازير"، ولكنها بعد فشل عملية الإطاحة بكاسترو تبرأ جون كيندي منها، ثم عاودت الكرة مع الزعيم التشيكوسلوفاكي ألكسندر دوبتشيك فحرضته ضد الاتحاد السوفياتي في عام 1968، فلما احتلت قوات حلف وارسو تشيكوسلوفاكيا ترك الأميركيون رجلهم هناك لينتهي به المطاف عاملا في كراج سيارات، ثم استأسد ميخائيل شاكشفيلي رئيس جمهورية جورجيا بالأميركيين ضد روسيا الاتحادية في العقد الأول من القرن الحالي، معتقداً أن مشاركة قواته في العراق إلى جانب جيش الولايات المتحدة ستمحنه حصانة الحليف، فتمادى الضفدع في حضرة "قرش" كبيرة فكانت النتيجة انفصال أوستيا الجنوبية عن جورجيا.

اليوم يدفع الأوكرانيون الثمن الباهظ نتيجة اندفاعهم غير المتروي نحو الولايات المتحدة والغرب معتقدين أن الغرب الذي جردهم من سلاحهم النووي مجبرٌ على حمايتهم مثلما فعلت بريطاينا وفرنسا ضد هتلر عندما احتل بولندا في بداية الحرب العالمية الثانية، لقد تراجعت القيم وتبدلت المفاهيم، فقد أصبح الاقتصاد هو هم هذه الدول، فهي تريد أوكرانيا ضعيفة لتنهب ثرواتها من قمح وبترول، وسوقا لصادرات الغرب من سلع وخدمات تنهض باقتصاداته الموشكة على الانهيار.

 لم يحفظ الأوكرانيون موقعهم في قلب موسكو ذلك الموقع الذي دفع بالرئيس نكيتا خورتشوف لأن يهديهم شبه جزيرة القرم في عام 1954، ولم يعوا ما لهذه المنطقة من أهمية عسكرية تطل بورسيا عبر أساطيلها الحربية من البحر الأسود على البحر المتوسط مرورا بمضايق البوسفور والدردنيل.

 نعم لقد انتشى الأوكرانيون وعلى مدى عامين بكلمات المديح والإطراء التي كالها الغرب لهم فارتفع ضجيجهم وطال تراشقهم مهجع الدب الرابض بجوارهم يغمض عيناً ليفتح أخرى مراقباً ما يجري في مجالاته الحيوية وممراته الضيقة، حتى جنّ من فرط استفزاز الغرب له، فكانت الضحية شبه جزيرة القرم يبتلعها ويفتح شهيته لابتلاع المناطق الجنوبية والشرقية من أوكرانيا ذات الأغلبية الروسية.

 إصرار الدولة الأوكرانية (السادرة في أوهامها بمساندة الغرب لها) على محاربة جارتها الروسية حربا هي تعلم مدى عجزها عن خوض غمارها مغامرة بأن يتحول بحر آزوف الذي تتشاطؤه روسيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم الى بحيرة روسية خالصة في خضم أحداث شرق أوروبي جديد.

back to top