إذا أراد بوتين شرق أوكرانيا فليأخذه!

نشر في 13-08-2014
آخر تحديث 13-08-2014 | 00:01
 فيسكال تايمز فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقوبات انتقامية على الغرب، حادًّا من استيراد بعض السلع والمواد الزراعية والخام، لكن هذه العقوبات تُعتبر مجرد حدث عابر مقارنةً بالحدث الرئيس على طول الحدود الأوكرانية،

حيث يذكر حلف شمال الأطلسي أن روسيا حشدت نحو 20 ألف جندي، وكان بوتين قد خفض في شهر مايو عدد الجنود عند الحدود في خطوة اعتبرها كثيرون في المجتمع الدولي علامة على حسن نواياه، ولكن بعد أن فرضت الولايات المتحدة وأوروبا أخيراً العقوبات الاقتصادية الأشد على موسكو منذ الحرب الباردة، عاد الجنود إلى الحدود.

في الوقت عينه طالب بوتين باجتماع طارئ لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بغية معالجة ما يصفه المسؤولون الروس بالأزمة الإنسانية، وأعلن سفير روسيا إلى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين: "سنعقد اجتماعاً طارئاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بغية مناقشة الوضع الإنسانية في أوكرانيا"، ثم أضاف وزير الخارجية الروسي أن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر "أكدتا أنهما تشاطراننا مخاوفنا بشأن التأثيرات الإنسانية الكبيرة الناتجة عن عملية كييف العسكرية في جنوب شرق أوكرانيا، ورحبتا عموماً بمبادرتنا وعبرتا عن استعدادهما للانضمام إلى مناقشة تنظيم مهمة إنسانية".

يتنامى التوتر في أوكرانيا بسبب تزايد عدد الجنود الروس، ويُعتبر هذا الوضع حيلة تقليدية من حيل الاستخبارات السوفياتية (KGB)، التي يتقنها بوتين جيداً بما أنه جاسوس سابق في جهاز الاستخبارات هذا. فبعد أن اختلق سبباً كاذباً ليضم القرم، بدأ يؤجج نيران الصراع في شرق أوكرانيا، ومع "الأزمة الإنسانية" المزعومة قدّم اليوم حجةً لشن غزو بغية وقفه.

بكلمات أخرى، اختلق بوتين سبباً، وإن زائفاً، لغزو أوكرانيا، وقد أخذ حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة خطر الغزو هذا على محمل الجد، حتى إنهما أصدرا تحذيرات منفصلة.

أعلنت المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي أوانا لونغيسكو: "لن نحاول تخمين نوايا روسيا، إلا أننا نستطيع رؤية ما تقوم به على الأرض، وهذا مصدر قلق كبير، فقد حشدت روسيا نحو 20 ألف جندي متأهب للقتال على حدود أوكرانيا الشرقية".

أضاف وزير الدفاع تشاك هيغل خلال زيارة له إلى قاعدة عسكرية أميركية في شتوتغارت: "عندما نرى حشد هؤلاء الجنود وتدريبهم وتجهيزهم المتطور ومعداتهم العسكرية الثقيلة التي تُنقل إلى الحدود، ندرك أن هذا واقع، وأنه ممكن بالتأكيد".

ما المكاسب المنتظرة؟

يبقى السؤال الذي يشغل بال الجميع: ماذا سيكسب بوتين من غزو أوكرانيا؟ لا يُعتبر شرق أوكرانيا منطقة غنية جداً بالموارد الطبيعية، مع أن هذا البلد يضم بعض أعمق مناجم الفحم في أوروبا، وكما أظهرت تغطية إسقاط الطائرة الماليزية الرحلة 17، لا يتمتع هذا الجزء من أوكرانيا ببنية تحتية صناعية متطورة.

في شهر مارس، ذكر فلاديسلاف إينوزيمتسيف، مدير مركز الدراسات ما بعد الصناعية في موسكو وباحث زائر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الاستيلاء على شرق أوكرانيا يلحق الضرر بروسيا، فسيُرغم ذلك موسكو على دفع مليارات الدولارات كإعانات للحكومات المحلية، علماً أن هذه الكلفة تقع راهناً على عاتق كييف.

كتب إينوزيمتسيف: "بالسعي إلى السيطرة على مناطق أوكرانيا الشرقية، تخوض روسيا قضية غير عادلة بالمفهوم السياسي وقضية خاطئة بالمفهوم الاقتصادي. كتب لينين أن السياسة تشكّل التعبير الأكثر تركيزاً عن الاقتصاد، ولو أخذ بوتين كلام لينين في الاعتبار لأدرك أن ضم القرم وشرق أوكرانيا إلى روسيا أو بروزهما كدولتين تابعتين شبه مستقلتين سيكلّف موسكو عشرات المليارات من الدولارات سنوياً كإعانات، وسيولد منافسة أكبر لقطاعات روسية عدة، منها معالجة المعادن، والصناعة الكيماوية، والسياحة".

في الوقت عينه، سيصبح بوتين أكثر عزلة عن المجتمع الدولي، وسيدفع اعتداؤه هذا على الأرجح الدول الأوروبية، التي لا تنفق الكثير على الدفاع، إلى إعادة تقييم قراراتها هذه.

ذكر إدوارد غولدبرغ، بروفيسور في كلية باروخ ومركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك، أن الوضع لم يتبدل منذ شهر مارس، إذاً، يُعتبر غزو أوكرانيا خطأ قد تقترفه موسكو وفق كل معايير المصالح المنطقية.

سأل غولدبرغ: "حتى لو وضع يده على شرق أوكرانيا، فماذا يجني من ذلك؟ يكون قد دفع بغرب أوكرانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي، كذلك يكون قد أعاد إحياء حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى ذلك، سيعزز بوتين بهذه الخطوة مكانة ألمانيا كقوة، علماً أن هذا ما تخشاه روسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وسيعيد أيضاً إحياء مناظرة تصدير الطاقة الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي، ما يكرهه بوتين بالتأكيد".

رجل غامض

لا شك أن سلوك بوتين الذي يبدو غير عقلاني يجعل مواجهة هذا الوضع بالغة الصعوبة، فقد أقر مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية لصحيفة "نيويورك تايمز" أنهم لا يعرفون ما ستكون خطوته التالية... وأوضح مسؤول بارز في وزارة الدفاع لتلك الصحيفة: "إذا قرر بوتين غزو أوكرانيا، فقد يقوم بذلك بدون أي إشعار مسبق، لا نعرف بماذا يفكر بكل بساطة"... يثبت كل هذا مدى صحة ملاحظة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بداية الأزمة.

يوضح غولدبرغ: "كما ألمحت أنجيلا ميركل في الربيع الماضي، يعيش بوتين في عالم آخر، فقد أظهرت استراتيجيته انعدام فهمه لعالم اليوم المترابط، ولا بد من أن الأحقاد والاعتقاد أن روسيا لا تزال تحتاج كما في الماضي إلى دول عازلة قد شوهت نظرته إلى الواقع إلى درجة ألحقت معها أفعاله الأذى بالمصالح الروسية الطويلة الأمد".

يضيف غولدبرغ: "بدأ الخناق يضيق على بوتين من جهة صنع القرارات، فبتأجيجه الجنون السياسي بشأن أوكرانيا في وسائل الإعلام الروسية، معتمداً على تلميحات غريبة وأكاذيب سافرة لم نسمع بمثلها منذ أيام غوبلز، ومنها صلب الأوكرانيين الأولاد، يكون بوتين قد قيد نفسه سياسياً... يحارب بوتين اليوم من أجل عهده وحياته على حد سواء".

ديفيد فرانسيس David Francis

back to top