نحن... وهم!

نشر في 03-06-2014
آخر تحديث 03-06-2014 | 00:01
 حمد نايف العنزي ليلة 4 أبريل عام 1968، كانت جين اليوت، معلمة المدرسة الابتدائية في "أيوا" بالولايات المتحدة الأميركية، تشاهد التلفاز، فإذا بخبر عاجل ينبئ باغتيال الزعيم الأسود مارتن لوثر كينج، على يد عنصري متعصب يدعى جيمس ايرل راي، وهو سجين محكوم عليه بالسجن 20 عاما، كان قد هرب قبل أيام من سجنه لينفذ هذه الجريمة، فأي حقد وأي كراهية هذه؟!

جين اليوت شعرت بالحزن والغضب حالها حال الملايين، لكنها فكرت في أن عليها دورا يجب أن تؤديه نحو طلبتها الصغار، لتجعل منهم أشخاصا ينبذون الكراهية والتعصب ويعاملون الناس على حد سواء مهما كانت ألوانهم وأجناسهم ومعتقداتهم، كانت في رأسها فكرة قررت أن تطبقها في الصباح التالي!

طلابها في الصف الثالث الابتدائي كانوا كلهم من البيض المسيحيين، لم يكن هناك أعراق أخرى في هذه المدرسة، ولم يكن أي منهم يعرف أحدا من غير عرقه ودينه، وقد حاولت أن تشرح لهم جسامة الحادثة ومدى قسوتها وغبائها، قالت لهم:

- هل تعرفون كيف يشعر الإنسان بالظلم والغبن إن كان يحكم عليه من لون بشرته؟

- نعم... نعرف!

- لا أظنكم تعرفون، لن تعرفوا إحساسا كهذا إلا إن مررتم بأنفسكم بهذه التجربة!

في اليوم التالي قررت أن تشركهم في تجربة يتعلمون منها الكثير، فقامت باختيار مجموعة معينة منهم بناء على صفة مشتركة تجمعهم، لا يستطيعون السيطرة عليها بتاتا، قالت:

- سوف أفصل بينكم اليوم بناء على لون أعينكم، هل تريدون تجربة ذلك؟

- نعم، نعم!

- حسنا، سأقول لكم الحقيقة، الأشخاص ذوو العيون الزرقاء هم الأفضل في هذه الغرفة!

- لا، لا

- نعم، هذه حقيقة، هم الأفضل، فهم أكثر ذكاء وجمالا من ذوي العيون البنية، لذلك سيبقى ذوو العيون البنية في الفصل، ولن يشاركوا في الأنشطة المدرسية، وكذلك عليهم ألا يشربوا من براد المياه هذا، وألا يلعبوا في باحة المدرسة مع ذوي العيون الزرقاء، فهم ليسوا جيدين ولا أذكياء مثلهم!

ردة الفعل كانت فورية، فقد غضب ذوو العيون البنية، وبدا عليهم الارتباك والحزن والانعزال، أما ذوو العيون الزرقاء ففرحوا وصاروا يتصرفون بغرور، لقد أحسوا أنهم أسمى من الآخرين، وراحوا يتعاضدون بعضهم مع بعض، وتصرفوا بخبث مع ذوي العيون البنية، مع أنهم كانوا في اليوم السابق جميعهم أصدقاء!

اثنان منهم تعاركا فسألت جين:

- ماذا حدث يا جون؟

- لانس نعتني بألقاب سيئة فضربته في بطنه!

- بماذا نعتك لانسلو؟

- بذي العيون البنية!

- وما المشكلة في ذلك؟

- إنه يعني أننا أغبى، نعم نحن أغبى، لكننا لسنا سيئين!

يتدخل طالب محايد:

- هذا هو تماما ما يفعله بعض الناس البيض بالسود!

جين اليوت ذهلت من السرعة التي عرف بها طلاب الصف الثالث معنى العنصرية والتمييز، وكيف لهما أن يكونا مدمرين لأي مجتمع، حتى إن كان صغيرا، لا يتجاوز عشرين طالبا في الصف الابتدائي!

بعد أكثر من ثلاثين سنة أعادت نفس التجربة على طلبة كبار في إحدى الجامعات، فلم تختلف ردود الفعل والمشاعر عند الطلبة الكبار، عنها عند أولئك الطلبة الصغار!

والعنصرية ليست عنصرية اللون وحده، فهناك عنصرية الأصل والفصل، وعنصرية المعتقد والمذهب الديني، وعنصرية المستوى المادي، وكل الحروب الأهلية تبدأ شرارتها الأولى من "نحن... وهم"، وبـ"شيطنة الآخرين"، وهي الوسيلة المفضلة عند كثير من الطغاة الذين يفضلون أسلوب "فرق... تسد" للبقاء في الحكم عبر إشغال فئات المجتمع بمحاربة بعضها البعض، وليضرب كل واحدة منها بالأخرى، كلما اعترضت فئة منهم، أو تجاوزت خطوطها الحمراء، القصيرة جدا... جدا!  

back to top