مدى تأثير أوباما على بوتين في الأزمة الأوكرانية

نشر في 13-03-2014
آخر تحديث 13-03-2014 | 00:01
 ناشيونال جورنال باراك أوباما ليس أول رئيس أميركي يواجه استفزازات وأعمالا عسكرية من جانب موسكو، فقد واجه كل الرؤساء الأميركيين الـ12 الذين حكموا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل تلك التحديات، لكن أوباما هو أحد من توافرت لديه طائفة واسعة من الردود غير العسكرية لاستخدامها- معيار مدى اندماج روسيا ضمن النظام المالي العالمي منذ سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة.

ذلك هو سبب اقتناع صناع السياسة في الولايات المتحدة بشدة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخطأ في حساباته عندما أرسل قوة عسكرية الى شبه جزيرة القرم. وسبب سماعنا مراراً وتكراراً من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية أن بوتين لا يبدو أنه يفهم تداخلات القرن الحادي والعشرين. ويقول أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية في هذا الصدد "ما نراه هنا هو قرارات ترجع بجلاء إلى القرنين التاسع عشر والعشرين اتخذها الرئيس بوتين لمعالجة المشاكل، عبر نشر قوات عسكرية بدلاً من التفاوض. ولكن ما يتعين عليه أن يفهمه هو أنه من حيث اقتصاد بلاده فهو يعيش في القرن الحادي والعشرين الذي يتسم بالاعتماد المتبادل".

وأضاف ذلك المسؤول "قد تكون لاحظت أن اقتصاده ليس في أفضل أوضاعه... وقد تضرر الروبل بشدة كما أن بوتين يعتمد على علاقات تجارية جيدة معنا كلنا، خصوصاً مع أوروبا. وسوف يكون من الصعوبة بمكان بالنسبة إليه الحفاظ على تلك العلاقات الطيبة مع العالم الخارجي مع قيامه باستخدام قواته العسكرية لتهديد جارته وترهيبها". ويقول مسؤول رفيع آخر في الادارة الأميركية مشيراً الى أن الروبل فقد 8.3 في المئة من قيمته في هذه السنة "إن الاقتصاد الروسي معرض للضرر بصورة حقيقية" بسبب تكامله مع الأسواق العالمية.

تأثر الروبل

وتشكل حالة الانكشاف للضرر مظهراً جديداً نسبياً بالنسبة إلى موسكو، ويقول جيفري مانكوف، مستشار سابق في وزارة الخارجية الأميركية في الشؤون الروسية ويشغل الآن منصب نائب مدير "برنامج روسيا وأوراسيا" في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية": "كان الاتحاد السوفياتي معزولاً من الناحية الاقتصادية ولم يتمكن من المشاركة في التجارة العالمية بأي درجة ملموسة. ولم يكن لديه عملة قابلة للتحويل. وبالطبع، كان مستوى التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات بين الاتحاد السوفياتي والغرب محدوداً للغاية، وقد أصبح الأمر في الوقت الراهن مختلفاً بصورة واضحة".

وفي حقيقة الأمر، كان مصدر إحباط شديد بالنسبة إلى العديد من رؤساء فترة الحرب الباردة كون خياراتهم غير العسكرية لمواجهة العدوان السوفياتي قليلة جداً. عندما قام الاتحاد السوفياتي بغزو هنغاريا في سنة 1956، كان كل ما استطاع أن يفعله الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة فقط، وعندما سحقت القوات السوفياتية ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا في سنة 1968 توجه الرئيس ليندون جونسون، بالمثل، الى الأمم المتحدة. ولم تكن لدى إحداهما الرغبة في الدخول في مجازفة تنطوي على حرب أوسع من أجل وقف الغزو السوفياتي، وقام الرئيس جون كيندي بحسابات مماثلة عندما تم تشييد جدار برلين في سنة 1961، وكان ذلك ما قام به أيضاً رونالد ريغان في سنة 1983 عندما أسقط السوفيات طائرة مدنية كورية جنوبية اخترقت المجال الجوي السوفياتي. وقد اعتبرها ريغان "جريمة ضد الإنسانية" و"عملاً بربرياً" ولكن تصرفاته كانت ضعيفة عندما تناقضت مع كلماته، وكان كل ما قام به هو إلغاء اتفاقية حول التعاون في مجال النقل، وتأكيد حظر قائم على هبوط أي طائرة تابعة للخطوط الجوية السوفياتية "أيروفلوت" في الولايات المتحدة.

ثمن الكبار

وقد شرعت الديناميكيات والآليات في التغير بانتهاء الحرب الباردة، فلم تعد روسيا قادرة على إبقاء تجارتها ضمن حدود الكتلة الشرقية. واعتباراً من سنة 1989 أرادت موسكو بصورة يائسة تحويل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى G7 إلى مجموعة الدول الثماني الكبرى G8، وكانت الرسالة التي بعث بها الغرب هي أن ثمن القبول ينطوي على تحولات نحو ديمقراطية حقيقية وتكامل اقتصادي. ثم بدأت الإصلاحات، وبحلول سنة 1991 بدأت قمم الحلفاء السنوية يطلق عليها "7 الكبار زائد واحد". وفي قمة دينفر في سنة 1997 كوفئت روسيا على انضمامها إلى "نادي باريس" للدول الدائنة، بعضوية كاملة في ما أصبح يعرف بمجموعة الدول الثماني G8.

وأعطى ذلك الرئيس جورج دبليو بوش خيارات جديدة في سنة 2008 عندما قامت روسيا بغزو أجزاء من جورجيا، فقد اختار عدم استخدام أي إجراء يمكن أن يضر بموسكو، وعمد بدلاً من ذلك إلى إرسال مساعدات إنسانية إلى جورجيا، وتعليق اتصالات حلف شمال الأطلسي العسكرية مع روسيا واتفاقية مدنية نووية وشيكة. ولكن حتى مع هذا الرد المحدود والمقيد انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 8 في المئة بين 2008 و2009 وتعرض لضرر كان أسوأ مما تعرض له أي اقتصاد آخر في العالم في تلك السنة، وأبلغ مانكوف "ناشيونال جورنال" "لقد بوغت العديد من الأقلية الحاكمة والمسؤولين الروس والنخب في موسكو بمدى تعرضهم فعلياً للضغوط المالية العالمية".

بعد 6 سنوات

وبعد 6 سنوات كان لدى الرئيس أوباما المزيد من الخيارات، وبسبب وضع معظم النخبة والأقلية الحاكمة في روسيا أموالهم في بنوك أوروبية فإن العقوبات قد تستهدفهم بما في ذلك تجميد أصولهم المالية ومنعهم من السفر، وفي حقيقة الأمر فإن أول عقوبات تم الإعلان عنها في الأسبوع الماضي كانت تتعلق بتأشيرات الدخول، كما أن مجالات التجارة والطاقة والتعاون العسكري يمكن أن تمسها العقوبات أيضاً. وبعد كل جهودهم الرامية إلى الانضمام لمجموعة الدول الثماني الكبرى G8، قد يجد الروس أنفسهم معزولين ويشاركون بمفردهم في قمة هذه السنة المقرر إجراؤها في يونيو إذا قاطعت الولايات المتحدة والدول الحليفة والغربية الأخرى تلك الاجتماعات في مدينة سوتشي.

لكن صناع السياسة في الولايات المتحدة قد يجدون أن بعض الأمور لم تتغير منذ القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن روسيا قد تكون أكثر إدراكاً لقابليتها للتعرض للأضرار من الوجهة الاقتصادية وبقدر يفوق ما كانت عليه في السابق فإنها لا تزال مدفوعة بما تعتبره المصالح الوطنية الروسية. من الناحية التاريخية، كان الروس يرون أوكرانيا أكثر أهمية من جورجيا- وقد رغبوا بتحمل الضغوط الاقتصادية بسبب توغلهم هناك. وإضافة إلى ذلك يستطيعون التعويل في العادة على تردد القادة الأوروبيين في السير وراء واشنطن في ما يتعلق بالعقوبات لأن الدول الأوروبية أكثر انكشافاً وتعرضاً من الولايات المتحدة إزاء العقوبات الروسية ضد أوروبا.

لذلك، ينصح المسؤولون الأميركيون حتى هذه اللحظة بالتحلي بالصبر، ويصرون على أن الوقت ليس في مصلحة روسيا. ويقول أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية "بمرور الوقت سوف يجد الروس أنفسهم أكثر عزلة عن المؤسسات الدولية وسوف يتعرض اقتصادهم لتأثيرات أشد، لكن ذلك سوف يحتاج إلى بعض الوقت لإدراكه من قبلهم".

George E. Condon Jr.

back to top