«متلازمة فيتنام» الثانية... مخاطر الملل من الحروب في أميركا

نشر في 10-01-2013
آخر تحديث 10-01-2013 | 00:01
من الواضح أن الولايات المتحدة في عهد أوباما تحاول تجنب التدخل العسكري بأي ثمن، لكنّ التراجع الأميركي (كما حصل خلال السبعينيات) لا يضمن انتشار السلام في العالم.
 نيويورك بوست يبدو أن «طالبان» مقتنعة بأن كل ما تحتاج إليه في هذه المرحلة هو الانتظار حتى تهرب الولايات المتحدة من أفغانستان (سيحصل ذلك قريباً)، قبل أن تستعيد البلد وتحوّله مجدداً إلى معقل جهادي.

ورد في أحد تصريحات طالبان: "يريدون الهرب من أفغانستان مثلما عادوا أدراجهم وهربوا من فيتنام. حين واجهت الولايات المتحدة الدمار في فيتنام، ابتكرت صيغة "إعلان الفوز والهرب". هم يريدون الآن استعمال صيغة "تسليم الأمن والهرب" هنا في أفغانستان".

من المعروف أن فيتنام هي المكان الذي خسرت فيه الولايات المتحدة هيبتها، لكنها عادت واستعادتها، أليس كذلك؟

توفي في الأسبوع الماضي الجنرال نورمان شوارزكوف، وهو مقاتل مخضرم خدم في حرب فيتنام وقاد الحملة لإخراج القوات العراقية من الكويت في عام 1991. ذكرت بعض نشرات النعي أن نجاحه العسكري أنقذ الولايات المتحدة من الخيبة التي أصابتها منذ أن هربت بشكل مهين من سايغون في عام 1975.

لكن إنجازات نورمان لم تَشْفِ البلد من "متلازمة فيتنام" بشكل نهائي، بل ندين بذلك إلى الدبلوماسية الناجحة التي طبقها الرئيس جورج بوش الأول والإرث الذي خلّفه الرئيس رونالد ريغان (بما في ذلك غزو غرينادا).

لكن حتى في تلك الحقبة، تردد الرئيس بيل كلينتون في استعمال القوة واتكل بشكل أساسي على الدبلوماسية (والضربة الصاروخية الغريبة) لمواجهة تنامي تهديد "القاعدة". ولم يعكس بوش الابن صورة أكثر عدائية بدوره (حتى اعتداءات 11 سبتمبر التي جعلت الوطن والعالم يهللان حين أسقطنا "طالبان").

لكن كان شوارزكوف قد ابتكر استراتيجية محدودة وعملية في العراق لتحقيق هدف واحد: الفوز.

اليوم، لم يعد الفوز هدفنا وقد لاحظت "طالبان" هذا الأمر. خلال أكثر من عقد، علقنا في مشروع بناء الأوطان وتحقيق الأهداف التنموية والمهمات السياسية.

لذا تعب الرأي العام الآن من الحرب ويتردد صانعو السياسة في التلميح لخيار استعمال القوة.

بالتالي، كانت طالبان محقة حين اعتبرت بكل وقاحة أننا لم نعد نعلن الفوز ونهرب، بل إن خطتنا في أفغانستان تقضي بتسليم الأمن والهرب.

قد لا تحقق «طالبان» النصر، وقد تتابع الولايات المتحدة دعم حكومة أفغانية تناسب مصالحها وقد تحافظ على مستوى مُخفَّض لكن مناسب من الحرب "السرية" المبنية على استخدام الطائرات بلا طيار ضد الإرهابيين، علماً أن هذه الطريقة فاعلة جداً الآن. إذا تابعنا التزامنا في ذلك البلد، يمكن تجنب خطر الإرهابيين ومضيفيهم من عناصر طالبان، لكن تبقى هذه الاحتمالات افتراضية.

كان أوباما محقاً حين سعى إلى القضاء على أسامة بن لادن ولكنه لم يستعمل يوماً عبارة "الحرب على الإرهاب"، كما أنه أزال كلمة "النصر" من قاموسنا العسكري، لذا يركز خطابه في العادة على فكرة "تراجع مظاهر الحرب".

من الواضح أن الولايات المتحدة في عهد أوباما تحاول تجنب التدخل العسكري بأي ثمن، لكنّ التراجع الأميركي (كما حصل خلال السبعينيات) لا يضمن انتشار السلام في العالم.

إذا كنا نكتفي بالرحيل وادعاء انتهاء الحرب في أفغانستان، فقد يتحول البلد سريعاً إلى مكان خطير كما كان قبل أن نغزوه بعد اعتداءات 11 سبتمبر، ولن يقتصر الأمر على ذلك.

يوم الأربعاء، راجعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، تقديرات حصيلة القتلى خلال الحرب الأهلية في سورية (بلغت تلك الحصيلة 60 ألف قتيل). يبدو أن سنوات القتال جعلت من سقوط الرئيس بشار الأسد وشيكاً. قد يسيطر المجاهدون على البلد (أو "يكتفون" بالسيطرة على مخزون الأسد الضخم من الأسلحة الكيماوية).

لكن بعد أن أصبحت سورية تطرح تهديداً صريحاً على نفسها وعلى الدول المجاورة لها وعلينا، لا يكفّ صانعو السياسة الأميركيون عن تذكيرنا بمساوئ التدخل هناك (مع تجاهل مخاطر الجمود الكامل).

في غضون ذلك، من المتوقع أن تحصل إيران على ما يكفي من الوقود لتصنيع ثلاث قنابل نووية هذه السنة. من المعروف أن الدبلوماسية لن توصلنا إلى أي نتيجة، لكن تركز معظم الحجج الشائعة في واشنطن على مخاطر إيقاف ذلك المشروع عسكرياً.

عيّن أوباما الآن أحد المحاربين المخضرمين الذين شاركوا في حرب فيتنام، جون كيري، ليكون أبرز دبلوماسي في فريقه وقد يسمي مسؤولاً مماثلاً آخر، تشاك هيغل، لرئاسة البنتاغون.

لطالما دعا هذان الرجلان إلى توخي أقصى درجات الحذر في ما يخص تورط الولايات المتحدة في الحروب، بدءاً من أيامهما بعد الحرب وطوال مسيرتهما في مجلس الشيوخ. يؤمن الاثنان بقدسية الدبلوماسية والتعاون الدولي باعتبارهما الوسلتين الوحيدتين لمواجهة الشر. من المتوقع أن يرسخ فريق أوباما الجديد أقوى نزعاته التي تؤيد عدم التدخل.

لكن تلك المواقف الحساسة تحظى بتأييد واسع على المستوى السياسي: لقد تعب الأميركيون مجدداً من الحرب بعد تجربتَي العراق وأفغانستان. ربما كان علاج ريغان– شوارزكوف للشفاء من تلك المتلازمة موقتاً.

أو ربما تملك تلك المتلازمة حدوداً زمنية خاصة بها. تشير تعليقات "طالبان" الساخرة إلى أن الولايات المتحدة ستبقى هدفاً للأعداء الخطيرين حتى بعد انسحابها.

بالتالي، بعد التخلص من مظاهر الحرب قد يتبعنا الأعداء إلى ديارنا بكل بساطة.

Benny Avni

* صحافي متخصص في الشؤون الخارجية والدولية، كان مراسل صحيفة «نيويورك صن» في الأمم المتحدة.

back to top