الكاتب وتداخل الفنون

نشر في 14-05-2013
آخر تحديث 14-05-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي تداخلت عوالم مختلف الفنون حتى ليصعب الفصل بينها. هذه العبارة تبدو ناجزة في ظل عولمة ثقافية وإعلامية وفنية تجتاح العالم. ففي كل مكان صار الشعر صديقاً للموسيقى، وصارت السينما حاضنة للرواية، وصار سيناريو الأعمال التلفزيونية يتكئ على القصة، واستعانت "سينوغرافيا" المسرح بالتشكيل، وصارت أغنية "الفيديو كليب"، تدور حول قصة، وارتحت القصة إلى شواطئ الشعرية، وغاصت الرواية في التاريخ والجغرافيا والسياسة والفلسفة والاقتصاد والاجتماع. وبما يخلص إلى تداخل الفنون بما لا يدع مجالاً لتخصص وتفرد فن بأصوله وعالمه دون النظر والاستعانة والوصل مع باقي الفنون.

إن تسرب تكنولوجيا ثورة المعلومات، وخاصة استخدامات الإنترنت بمحركات البحث ومواقعها المتخصصة، إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، جعلت من التداخل بين مختلف الفنون أمراً واقعاً لا يمكن الفكاك منه، وأدخلت شيئاً من الحتمية بين سعي المبدع لتجويد وتطوير عمله، وحاجته للاستعانة بالفنون الأخرى، ووفرت له فرصة التعرف والتعامل مع فنانين من مختلف بقاع الأرض لم يسبق له الالتقاء بهم أو التعرف عليهم، لكن جمعه الفن والعولمة بهم.

أظن أن انكباب الشاعر على كتابة قصيدة تحلّق بفكرة ما، وبأي من مدارس كتابة الشعر، قديمه وحديثه، ما عاد منفصلاً، عن التشكيل ولا عن فنون القصة، ولا حتى عن عوالم السينما والمسرح، والقول عينه يمكن الإشارة إليه في ما يخص كتابة القصة القصيرة أو الرواية أو المسرحية، أو رسم اللوحة التشكيلية. وهذه القناعة تولّد مسؤولية كبيرة تقع على الأديب المبدع، الذي يريد لفنه أن يكون عصرياً وإنسانياً ولافتاً.

إن تدريس الفن، عبر ورش الكتابة الإبداعية أصبح علِماً يُدرَّس كما هي باقي العلوم التطبيقية، وأصبحت كليات الورش الفنية، تضع شروطاً قاسية لقبول الطلبة، بالنظر إلى تزايد الراغبين بالانضمام إليها. علماً بأن الطالب الذي يتخرج من هذه الورش الجامعية سيحمل شهادة الماجستير أو الدكتوراه في الكتابة الإبداعية، وبما يظهر بوضوح أن الكتابة الإبداعية ما عادت وليدة الموهبة أو القراءة الخاصة، أو مشاعر الحس الإنساني المرهف.

إن جامعات أقطار الوطن العربي، وحتى هذه اللحظة، ما زالت بعيدة عن العمل في كليات الورش الإبداعية، كما هي معمول بها في أوروبا وأميركا. حيث يُسند إلى الكتّاب المبدعين، الذين أثبتت كتاباتهم وأعمالهم الفنية حضوراً لافتاً لا مجال للنقاش فيه، تولي مسؤولية التدريس ونقل خبرتهم عبر مناهج دراسية وورش كتابة لكتّاب في طور الحصول على شهادة تصقل مواهبهم من جهة، وتمكنهم من الدخول إلى الحياة العملية عبر توظيفهم في المدارس والمعاهد والجامعات، وعبر انتقالهم للعمل في وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية.

إن أقطار الوطن العربي تعيش فترة مخاض كبيرة، جاءت بعد ثورات حفلت بتضحيات كثيرة، ولم يزل بعضها يدفع دماً مراقاً كل يوم، للوصول إلى مجتمع يعتد بالكرامة الإنسانية ويحسب حساباً للحرية الفردية والديمقراطية ومؤسسات العمل المدني، وهذا يجب أن يقود بالضرورة إلى نظرة فاحصة وعصرية للتعليم في مختلف المراحل، من رياض الأطفال وحتى الجامعة، إذا ما أريد لهذا الثورات أن تأتي بثمار طيبة.

لقد كان الفن عبر العصور انعكاساً للحراك الاجتماعي والاقتصادي في أي بقعة من الأرض، ولأننا نحيا في زمنٍ راكض ومتغيّر فإن أول ما يجب أن يلفت نظر المبدع هو أن يكون صوت زمانه، وأن يستطيع الغوص في واقع مجتمعه بعين ووعي ثاقبين، وأن يكون عصريا في التعامل مع هذا الواقع من جهة، وعالمياً من جهة أخرى. فالعولمة في إحدى أجمل تجلياتها، جعلت من المحلي عالميا، وجاءت بالعالمي ليكون في متناول المحلي.

back to top