هل سنتغير كما تغيّر العالم كله؟!

نشر في 09-10-2013
آخر تحديث 09-10-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

لم يدرك العرب أن العالم دخل مرحلة العولمة، وعالم الإنترنت، وسقط جدار برلين، وسقطت قوة شرقية عظمى، وانتهت الحرب الباردة، وتمَّ تدمير الدكتاتورية والنظم الشمولية في أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية، والآن جاء دور العالم العربي، ولم تعد أميركا بحاجة إلى مساندة الأنظمة العربية المحافظة، كما كانت تفعل أثناء الحرب الباردة، لكي تحقق توازن القوى في المنطقة، مقابل مساندة الكتلة الشرقية لدول الجمهوريات الدكتاتورية في مصر، وسورية، والعراق، والجزائر، وليبيا، وجنوب اليمن، في ذلك الوقت.

ولذلك يتساءل بعض العرب بغباء شديد:

لماذا دقت الساعة التي لا ريب فيها الآن، وليس قبل سنوات، وأين كانت أميركا في ذلك الوقت؟

-2-

ساعة "الربيع العربي"، هي التطبيق الديمقراطي في العالم العربي، الذي فيه الخلاص للغرب والشرق والعرب جميعاً.

فهل أصحاب الساعة الذين أصبحوا من الدول الثماني الصناعية الكبرى G8 جادون في إقامة هذه الساعة، وهم الذين كان معظمهم- وعلى رأسهم أميركا- الدعامة الأولى للدكتاتورية في العالم العربي كما كان يقول معظم العرب، من المحللين والمخططين والمشيرين الفصحاء؟

إن هؤلاء لا يعلمون ولا يريدون أن يعلموا، أن أميركا لم تكن داعمة للنظم الدكتاتورية في العالم العربي، لكنها كانت داعمة للنظم المحافظة فقط.

فأميركا لم تدعم نظام عبدالناصر الدكتاتوري في مصر وسورية، ونظام حافظ الأسد الدكتاتوري في سورية، ونظام بومدين الدكتاتوري في الجزائر، ونظام البعث الدكتاتوري في العراق (قبل 1980) والنظام اليمني الجنوبي الدكتاتوري في عدن، وطلاب الانقلاب في أنحاء متفرقة، إنما الذي دعم هذه الأنظمة الدكتاتورية العسكرية والحزبية هو الاتحاد السوفياتي، صاحب شعارات الحرية والاشتراكية والثورة. وكان لا مهرب لأميركا من دعم الأنظمة المحافظة، وذلك للمحافظة على موازين القوى في المنطقة، وعدم ترك الأنظمة المحافظة ضحية سهلة لافتراس الأنظمة الدكتاتورية الأخرى.

أما وقد انتهت تلك المرحلة، ونحن الآن أبناء اليوم، وقد دقت الساعة التي لا ريب فيها، وجاء وقت حساب الجميع، في طفرة "الربيع العربي"، فلا بُدَّ أن نتغير كما تغيرت الأحوال والظروف، وإلا سنكون كالحجارة التي لا تتغير، وعندها ليس أمام المقاولين المكلفين ببناء العالم الجديد إلا تكسير هذه الحجارة المقدسة، وشق الطرق، وفتح النوافذ للضوء الجديد، لكي يدخل وينتشر، ويملأ فضاء العالم العربي بنور وإشراق القرن الحادي والعشرين بكل بشائره ومتاعبه.

-3-

كان سقوط الأصنام الوهمية الكبرى، في أنحاء متفرقة من العالم العربي بمنزلة رسالة إلى الأنظمة العربية، تقول بلهجة عربية فصيحة، وبلسان عربي مُبين:

إما أن تعدِلوا، وإما أن تُعزَلوا.

ولقد فهمت بعض الأنظمة العربية الذكية فحوى هذه الرسالة، ومبناها، ومعناها، ومرماها، ومن أرسلها، ولمن، ولماذا؟ في حين لم تفهم أنظمة عربية أخرى كعادتها في "التطنيش"، والاستعلاء، والمكابرة، ودسِّ الرؤوس في الرمال، والمداورة، والمحاورة، وأخذ العزة بالإثم، وكأن هذه الرسالة قد صدرت من دولة كالصومال، أو جيبوتي، أو جزر القمر، أو موريتانيا، ولم تصدر من القوة العظمى الوحيدة على ظهر هذا الكوكب، والتي أصبحت مسؤولة مسؤولية مباشرة، وقانونية، وأخلاقية، عن سلامة هذا الكوكب، وضمان الحياة فيه على أفضل وجه.

-4-

الأنظمة العربية الذكية– ورغم هذا لم ينفعها هذا الذكاء، ولم يحمها، أو يقيها من الزوال- استَبَقت رسالة "الربيع العربي"، وأدركت معناها، وعواقب إهمالها، والاستخفاف بها، إذا جاءتها.

فغيّرت سياستها- فوراً- نحو الغرب "المستعمر"، و"الكافر"، و"الظالم"، 180 درجة، فقامت على الفور بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل، ولم تكتفِ بذلك، بل هي أرسلتها بقضها وقضيضها إلى أميركا- ولي الأمر والنعمة- حتى تبرأ من تهمة تصنيع أسلحة الدمار الشامل براءة الذئب من دم ابن يعقوب. ولم تكتفِ بذلك أيضاً، بل هي سلّمت معلومات لبريطانيا وأميركا- ولاة الأمور- أصحاب الأمر، عن سوق أسلحة الدمار الشامل، ومالكي أسراره، ومهربيه، وصانعيه، وتجّاره، ودكاكينه، وبنوكه، وفتحت أبوابها للقادة من أولياء الأمور الذين أسقطوا وهمَ بغداد وصنمها الأكبر، واستقبلتهم بالأحضان، ودعت الشركات البريطانية والأميركية، التي سبق أن طردتها، واتهمتها بالسرقة والجاسوسية إلى العودة لبلادها، واستئناف استثماراتها في ظل البركات الوارفة.

وقامت أنظمة عربية أخرى، في الفترة نفسها- على الفور- بتسريع موعد الانتخابات التي كانت مؤجلة منذ سنوات، رغم المطالبات الكثيرة السابقة الملحة بضرورة إجرائها، ولكن هذه الأنظمة كانت تضع في أُذن طيناً وفي الأخرى عجيناً، و"تطنّش"، وتستخف بالمعارضة. أما في هذه الأيام، فقد فطنت هذه الأنظمة إلى ضرورة تلبية بعض الاستحقاقات الديمقراطية، فأجرت انتخابات نظيفة غير مسبوقة، من حيث إفساح المجال للمرأة العربية إما بـ"الكوتا"، وإما خارجها بالتمثيل النيابي، وكانت تلك الخطوات من بركات "الربيع العربي". وهناك أنظمة عربية أخرى، قامت بإعطاء مناصب مرموقة للمرأة في السلك الدبلوماسي والسلك التعليمي والتربوي والعمل العام، لم تحلم بها المرأة منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، مما أدهش الجمهور والرأي العام في مجتمعات ما زالت محافظة وتنظر إلى المرأة نظرة دونية، وتعتبرها مخلوقة للعلَف والخلَف فقط.

وتُوّجت حقوق المرأة العربية الجديدة بفضل طفرات "الربيع العربي" بإقرار بعض القوانين المؤقتة لحق المرأة في تمثيل، لا تقل نسبته في العمل العام عن 25٪ كحد أدنى، مما أعطى دفعة قوية للحركة النسائية العربية في بقية الدول العربية لكي تطالب بالمثل.

* كاتب أردني

back to top