«سمّاعة الدماغ» لتحويل النوبات إلى موسيقى

نشر في 06-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 06-10-2013 | 00:01
حين بدأ كريس شايف وجوزيف بارفيزي بتحويل تسجيلات النشاط الدماغي إلى موسيقى، فعلا ذلك لاعتبارات فنية. لكن سرعان ما أدرك الأستاذان أن هذا العمل قد يؤدي إلى ظهور أداة قوية للارتجاع البيولوجي من أجل تحديد الأنماط الدماغية المرتبطة بالنوبات.
كان جوزيف بارفيزي يستمتع بأداء فرقة {كرونوس كوارتيت} حين خطرت الفكرة على باله. كانت الفرقة الموسيقية تواصل أداء قطعة ترتكز فيها النغمات على إشارات إذاعية من الفضاء الخارجي، فبدأ بارفيزي (طبيب أعصاب في مركز ستانفورد الطبي) يتساءل عن الصوت الذي يمكن أن يحصل عليه عند تحويل النشاط الكهربائي الدماغي إلى شكل موسيقي.

لم يضطر إلى البحث بعيداً للحصول على المساعدة. كريس شايف أستاذ الأبحاث الموسيقية في ستانفورد وأحد أبرز خبراء {تحويل الموسيقى} (عملية تحويل الإشارات الطبيعية إلى مادة موسيقية) في العالم. شملت إحدى أعماله السابقة قياس مستويات ثاني أكسيد الكربون المتغيرة بالقرب من الطماطم الناضجة وتحويل تلك المستويات المتغيرة إلى مواد إلكترونية.

بارفيزي أستاذ متخصص في معالجة الأشخاص الذين يعانون نوبات مستعصية. لتحديد مصدر النوبة، دسَّ أقطاب كهربائية في أدمغة المرضى للحصول على تسجيلات عن رسم الدماغ الكهربائي خلال نشاط الدماغ الطبيعي وخلال النوبة.

ثم تقاسم بيانات رسم الدماغ الكهربائي التي تعود لأحد المرضى مع شايف الذي بدأ يحوّل الموجات الكهربائية الصادرة عن الخلايا العصبية الناشطة إلى موسيقى. استعمل شايف نغمة قريبة من الصوت البشري على أمل أن يتمكن المستمِع من فهم النشاط العصبي بطريقة عاطفية وفطرية.

عند الإصغاء إلى الصوت للمرة الأولى، أدرك الرجلان أنهما لم يبتكرا قطعة موسيقية مثيرة للاهتمام فحسب. قال شايف: {كنت أهتم في البداية بالناحية الفنية لكننا تمكّنا بطريقة فورية ومفاجئة من التمييز بين نشاط النوبة والوضع الطبيعي عبر الإصغاء بآذاننا بكل بساطة. كان الأمر أشبه بالانتقال من محطة راديو مشوّشة إلى محطة واضحة البث}.

إذا تمكّن الرجلان من التوصل إلى النتيجة نفسها مع بيانات النشاط الدماغي في الوقت الحقيقي، قد يستطيعان تطوير أداة تسمح للأشخاص الذين يعتنون بمرضى الصرع بالإصغاء سريعاً إلى موجاتهم الدماغية وسماع أي أثر يشير إلى حدوث نوبة كامنة. أطلق بارفيزي وشايف اسم {سماعة الدماغ} على الجهاز.

صوت النوبة

يسجل رسم الدماغ الكهربائي الذي يجريه بارفيزي النشاط الدماغي عبر أكثر من 100 قطب كهربائي داخل الدماغ. يختار شايف الجمع بين أقطاب كهربائية وخلايا عصبية معينة ويسمح لها بتعديل النوتات التي تنشدها إحدى المغنّيات. فيما يلتقط القطب الكهربائي النشاط المتزايد، يقوم بتغيير مقام صوت المغنية ونغماتها.

في مرحلة ما قبل النوبة، تتناسق نغمات كل {مغنية} وتتماشى وفق إيقاع واضح وكأنها تتبع موصلاً كهربائياً بحسب قول شايف.

لكن خلال اللحظات التي تمهد لحصول النوبة، تبدأ كل واحدة من المغنيات بالارتجال. فتعلو النوتات تدريجاً ويتّسع نطاق انتشارها أثناء وقوع النوبة كاملة. قام شايف بتنظيم المغنيات كي يصغي المستمع إلى العاصفة الكهربائية وهي تصدر من أحد طرفَي الدماغ قبل أن تعبر نحو النصف الدماغي الآخر، ما ينشئ نوعاً من الترابط بين جانبَي الدماغ.

بعد 30 ثانية تقريباً على هذه الفوضى العارمة، تبدأ المغنيات باستعادة الهدوء، فيتبعن الإيقاع الذي يلي النوبة. في بعض الأحيان، تستأنف مغنية أو اثنتان الغناء بطريقة متقطعة، لكن تبدو الجوقة بشكل عام متعبة جداً. إنه تجسيد مثالي للمراحل الثلاث التي تطبع النوبة بحسب قول بارفيزي.

عرض فني وتجربة

قد يكون الاهتمام بشخص يُصاب بنوبات صعباً جداً، لكن لا تظهر جميع نشاطات النوبة مع مؤشرات سلوكية معينة. يستحيل عموماً أن نعرف ما إذا كان الشخص المصاب بالصرع يتصرف بارتباك لأنه يمر بمرحلة النوبة أو أنه يختبر نوعاً من الارتباك الذي يشير إلى مرحلة ما بعد النوبة.

لتحديد ذلك الأمر، يأمل بارفيزي وشايف استعمال تجربتهما لتطوير جهاز يصغي إلى الأنماط الدماغية الواضحة خلال حصول النوبة أو إلى وضع الدماغ المتعب بعد انتهاء النوبة.

قال بارفيزي: {كل من لم يتلقَ تدريباً لتفسير رسم الدماغ الكهربائي البصري (مثل أم تعتني بطفلها) يستطيع سماع إيقاع النوبة ورصد وجود ظاهرة دماغية شائبة بكل سهولة}.

يمكن أن يقدم الجهاز أيضاً ارتجاعاً بيولوجياً للمرضى غير المصابين بالصرع والأشخاص الذين يريدون سماع موسيقى موجاتهم الدماغية الخاصة.

موّل برنامج {بيو إكس للمبادرات المتعددة التخصصات} في ستانفورد جهود ابتكار هذا الجهاز، وهو يوفر المال لمشاريع متعددة التخصصات يمكن أن تحسّن صحة الإنسان بطرق مبتكرة. قامت هبات برنامج {بيو إكس} بتمويل 141 مشروعاً بحثياً مشتركاً لها علاقة بمئات الكليات منذ عام 2000. أنتجت مشاريع إثبات المفاهيم مئات المنشورات وعشرات براءات الاختراع ووفرت لستانفورد عائدات أعلى من أموال البحث بأكثر من عشرة أضعاف.

من وجهة نظر عيادية، لا يزال العمل تجريبياً بنسبة كبيرة. قال شايف: {ما زلنا في بداية الطريق. نعلم أن الموسيقى مذهلة وأننا نستطيع سماع معطيات مهمة، لكن تنقصنا اكتشافات مذهلة بعد}.

في السنة المقبلة، يخطط شايف وبارفيزي للكشف عن نسخة من نظام {مركز كانتور للفنون} في ستانفورد. سيستعمل الزوار سماعة تنقل رسم الدماغ الكهربائي إلى الجهاز الذي يحملونه بيدهم ثم يتولى ذلك الجهاز تحويل الرسم إلى مادة موسيقية حقيقية.

أوضح بارفيزي: {هذا ما أحبه بشأن ستانفورد. هي تدعم أي تعاون بين القطاعات التي تبدو متباعدة جداً: نحن أستاذان من قطاع علم الأعصاب ومجال الموسيقى. نأمل أن ينعكس عملنا المشترك إيجاباً على العالم الذي نعيش فيه}.

back to top