حوار الطرشان: الحرية والفوضى

نشر في 29-06-2013
آخر تحديث 29-06-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان الحرية وما أدراك ما الحرية، والفوضى وويل المجتمعات من الفوضى، الأولى نعمة يسعى أصحاب العقول إلى بنائها من أجل الانضواء تحت سقفها، ليستظلوا من هجير الظلم والاستبداد والقهر الاجتماعي، والثانية نقمة يسعى مُحدثها إلى فرض وجودها، لأنه في حقيقة أمره لا يجد نفسه إلا بها.

بعد هذه التوطئة، سأتناول الحرية والفوضى، كل على حدة، وذلك من وجهين.

* الوجه الأول- الحرية... استعر القتال بين المتقاتلين، وطال أمد النزاع بين المتنازعين، والنضال يتجدد من دون أن يضنيه الطريق، كل ذلك من أجل الحرية ولا شيء غيرها.

لأن الحرية تعتبر من الحقوق الطبيعية التي تولد مع الإنسان بصفته إنساناً، وبالتالي فإنه من المحرم أن يتم فصلها عنه، أو إنقاصها إنقاصاً كبيراً منه، لأنها تجري معه مجرى الدم في العروق.

كما أنه من غير المتصور أن نطلق على الإنسان، أي إنسان، صفة الإنسان، من غير أن يكون متمتعاً بالحرية يمارسها بحسبانها ضرورة ملحة لا تتحقق الآدمية بمعزل عنها.

والحرية التي أتحدث عنها أرى مقدماتها في دول الغرب شاخصة متمثلة في تلك النصب الموضوعة في الميادين، وزوايا الشوارع التي تدل دلالة واضحة على الأبطال الذين ناضلوا من أجلها حتى أسسوا دعائمها في تلك الدول، لكي تنعم شعوبها بنتائجها التي أرست الحرية بمفهومها الواسع.

والحرية لا يزين لها المقام ما لم تُبسط بمفهومها الواسع، الذي ينقسم إلى وجوه عدة، كل وجه مرتبط بالآخر ولا ينفك عنه، الأمر الذي لا يجعل كيانها مكتملاً من غير توافر تلك الوجوه.

ـ وأول وجه للحرية... هو حرية الرأي؛ فهذه الحرية تعتبر الأساس الأولي لتطور الإنسان وبناء شخصيته، لأنها المترجم الحقيقي لتلك الأفكار المندسة في خفايا النفس الإنسانية، كما أنها الباعث الحقيقي لها لكي ترى النور بعد ظُلمة.

ـ وثاني وجه... حرية الفكر؛ التي تعني الإبداع والابتكار فإن هو- أي الإنسان- لم يطلق العنان لفكره يحوم في سماء العالم كيفما يشاء مكتشفاً، فأنه حتماً سيكون أسيراً وسط الأسلاك الشائكة التي ضربتها الأساطير من حوله، ليظل فكره حبيساً داخل القفص العظمي المسمى بالجمجمة.

أضف إلى ذلك أن الفكر إذا أطلق له العنان، ناقش القضايا في سبيل تحليلها ليصل إلى النتائج المعقولة التي تبدد اللامعقول، وتهزم الخرافات، وتنتصر للعلم، لأن الجهل عدوه الفكر، فالأول لا يمكن أن يعيش في رحاب الثاني بأية حال من الأحوال.

ـ وثالث الوجوه... حرية المعتقد؛ التي تعني أنه حر في اتباع الدين الذي يريد والمذهب الذي يود، لأن باعتقاده هذا يظن بأن هذا الدين أو ذاك المذهب هما المخلصان له من تلك الوساوس التي تنتابه أثناء مسيرة أيامه التي قد تطول أو قد تقصر.

* ونقيض الحرية العبودية حيث يسلب المستبدون وأصحاب النفوذ من المقابل حرية الرأي والفكر والمعتقد، فيكون مُصادراً في عقله مسلوب الإرادة مثله مثل العصا التي يهش بها الراعي على غنمه.

نخلص إلى أن الحرية وآدمية الإنسان ممتزجتان من المستحيل الفصل بينهما لأنهما شيء واحد.

ولكنني أستدرك عند هذا الحد لأقول... وللحديث بقية... والسلام.

back to top