للقدس... أكتب!

نشر في 23-03-2013
آخر تحديث 23-03-2013 | 00:01
 سامي محمد العدواني القدس رمز القداسة وقبلة المسلمين الأولى، أرض المبدأ والمعاد ومهبط الملائكة، دعاء الأنبياء ومعراج الهدى إلى سدرة المنتهى... القدس هي الأرض التي بارك الله فيها وحولها، هي مدينة السلام والرسالات فيها يضاعف الله أجر الحسنات، ومن يعمل من أجلها تحل عليه البركات، الهجرة إليها لا تنقطع والشوق إليها لا يخبو، وبها الرفعة من الزلل، وفيها العصمة من الدجل، وفيها عناق التاريخ ما بين المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في رسالة التسامح السامية.

حب القدس في قلوب المسلمين ليس بحاجة إلى دليل، فهي ترتبط بدينهم ونبيهم وتاريخهم ومستقبلهم، وتوق كل مسلم وكل حر في هذا العالم للحفاظ على رسالة هذه المدينة العظيمة وإنقاذها من براثن الاحتلال الجاثم على صدرها لا يحتاج إلى برهان.

نعم، كل ذلك معلوم لكن السؤال هو كيف نخرج حبنا لهذه المدينة المقدسة وسعينا للحفاظ على هويتها من الإطار الوجداني إلى الميدان العملي، أي من الشعور إلى المشروع؟!

لا شك أن الأمر يستحق التفكير، لأن الذين احتلوا القدس يريدون أن يسلخوها عنّا بكل سبيل وبأي ثمن، يريدون أن يمحوها من ذاكرتنا ومن حاضرنا ومستقبلنا، يعملون لذلك ويربون أولادهم على مثل ذلك، رغم أنهم لا يملكون من المدينة إلا الأباطيل والأوهام التي نسجوها حول عقولهم سنوات حتى صدّقها أكثرهم، وهم الآن في طور تلقينها للأجيال اليهودية الناشئة من خلال ما يطلقون عليه مشروع إحياء "تراث حائط المبكى" الذي يعني ربط كل طفل يهودي بـ"حائط البراق" الذي يسمونه "حائط المبكى"، وهو القسم المتبقي من هيكلهم المزعوم وفق تصورهم.

هناك العديد من السبل والمشاريع والبرامج لنرتبط بقدسنا ورمز عزتنا، التعريف بالقدس ومعالمها وهويتها وقضيتها واحدة من هذه السبل، دعم أهلنا الصامدين هناك وتعزيز وجودهم سبيل آخر، وهناك سبل أخرى، جديدها ما أطلقته ودعت إليه مؤسسة القدس في مؤتمرها الرابع تحت عنوان "الأوقاف المقدسية"، وهو مشروع لإنشاء أوقاف خارج فلسطين، والاستفادة من ريعها لتلبية احتياجات المجتمع المقدسي المختلفة، من خلال إطار مؤسسي يختص بالدعوة للوقف والقيام بالأنشطة التنموية عليه وينظم إدارته وموارده وعلاقاته ومصارفه وصناديقه المتنوعة. وهذا يعني إنشاء أوقاف في بلاد عربية وإسلامية متعددة يصب ريعها في هذه الصناديق لتنفيذ المشاريع المختلفة التي تحتاج إليها القدس، ولا شك أن المشروع يشكل أفقاً جديداً للعمل الخيري الاجتماعي، من خلال تأمين مصدر ريعي مستمر تشارك فيه الأمة في كل أقطارها لدعم القدس وصمود أهلها في إطار توظيف المفهوم التنموي للوقف في قضايا الأمة الكبرى، وهو مشروع  يمتد الانتفاع منه إلى الأجيال اللاحقة.

الخطوة الأكثر أهمية في المشروع هي إنشاء أوقاف إسلامية في القدس عبر شراء الأراضي والعقارات المعروضة للبيع ثم وقفها، وذلك بهدف منع تسربها إلى أيدي اليهود، وتأمين مردود ريعي يعود على أهل المدينة المقدسيين، ولا شك أن هذه الأوقاف ستزيد ارتباط الأمة بقدسها إذا ما تمكن أهل كل بلد من إنشاء أوقاف لهم في المدينة.

مشروع إنشاء أوقاف في القدس، ليس جديداً في تاريخنا، صحيح أن الإطار المطروح حالياً فيه تجديد، لكن أصل الوقف في الشرع معلوم أما إنشاؤه في فلسطين فليس بغريب عنها، فقد اهتم المسلمون منذ القدم بذلك وكان من أهم أوقافهم سنة 1320 ميلادية "وقف أبي مدين" شعيب بن محمد بن شعيب، ذلك العالم المغربي الذي كان يرغب في تلبية حاجات المغاربة المقيمين في الحارة التي تعرف باسم حارة المغاربة في القدس، والتي هدمها الاحتلال، فأنشأ وقفاً شمل كامل قرية عين كارم القريبة من القدس، وأنفق من ريعه  على الفقراء.

لقد اهتم المسلمون بإنشاء الأوقاف في القدس حباً بالمدينة وتقرباً إلى الله، حتى بلغت نسبة أملاك الأوقاف الخيرية وفق بعض الإحصاءات 30 في المئة، ونسبة أملاك الأوقاف الذرية 40 في المئة، والمجموع 70 في المئة من المدينة القديمة، أي القدس الشرقية بحدودها الأردنية، أما المقلّون في تحديد نسبة الوقف فيقولون إنها كانت تتراوح بين 45 في المئة و50 في المئة (خيرية وذرية)، فإذا ضمت إليها منطقة الأقصى التي تبلغ 17 في المئة من المدينة القديمة يصبح المجموع الكلي لأملاك الأوقاف في المدينة القديمة نحو 67 في المئة، أي أكثر من الثلثين.

إن الواجب يدعونا اليوم لإعادة إحياء سنَّة الوقف حفاظاً على الهوية وتوثيقاً للارتباط بالقضية وتأميناً للعوائد الريعية، فإن أمكن التغلب على إجراءات الاحتلال وإقامة الأوقاف في محافظة القدس فخير، لكن إن استطاع الاحتلال بإجراءاته التعسفية إعاقة هذا المشروع، فليس أقل من إنشاء أوقافٍ من أجل القدس في كل الأقطار العربية والإسلامية... وبمثل هذا المشروع وغيره من المشاريع العملية نجسّد حبنا للقدس أفعالاً... ألا تستحق تلك المدينة العظيمة أن نضحي من أجلها ببعض المال والجهد؟!

back to top