هل الإحراج سبب الحرب؟

نشر في 03-09-2013
آخر تحديث 03-09-2013 | 00:01
 هيومن إيفنتس   بعد أن اطلع العالم، وبالتالي الرئيس السوري بشار الأسد، على معلومات مسرّبة مفصلة عن الهجوم الجوي الأميركي الوشيك على سورية (1- المصادر: سفن حربية قبالة الشواطئ وربما قاذفة قنابل أو اثنتين، 2- السلاح: صوارخ كروز، 3- المدة: يومان أو ثلاثة، و4- الهدف: معاقبة النظام لا تغييره)، ربما علينا أن ننشر أيضاً توقيت بدء الضرب بالتحديد وموعد سقوط القنابل كي لا نقطع أي غداء في دمشق.

ماذا حلّ بعنصر المفاجأة؟ مع بداية السنة الثالثة من تقلبات الرئيس الأميركي ومرور سنتين على إعلانه أن على الأسد أن يرحل وسنة على رسمه (ثم محوه) خطه الأحمر بشأن الأسلحة الكيماوية، قرر باراك أوباما التحرك.

أو بالأحرى أُحرج أوباما، فتحرك، وهذا بالتأكيد أسوأ سبب ممكن، لا يُلزم رئيس جنوده بخوض حرب ليس متحمساً لها، كذلك لا يسير إلى الحرب ليبرهن أمراً ما.

أترغب في توجيه رسالة؟ اتصل بشركة "ويسترن يونيون"، فصواريخ توماهوك معدة للقتل، ومن المؤكد أن استخدام أداة حرب خطرة تتطلب سبباً وجيهاً.

قد يكون الهدف استراتيجياً أو الاقتصاص من مجرم: يمكن لتأنيب الضمير أن يغضب أعداءنا من دون أن يكون له تأثير يذكر، في حين أن استخدام القوة الأميركية بشدة قد يبدّل المعادلة الاستراتيجية التي تميل اليوم لمصلحة أسوأ أعدائنا في قلب الشرق الأوسط.

لكن كل هجوم يحمل معه المخاطر: أعمالاً إرهابية تنفذها سورية وحلفاؤها الإرهابيون. أضف إلى ذلك تهديدات إيران و"حزب الله" بالرد بمهاجمة إسرائيل، ما قد يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية. علاوة على ذلك، لن تخدم ضربة معاقبة بسيطة يخرج بعدها الأسد من الدخان معافى وأكثر جرأة أي هدف غير تأكيد ضعف الولايات المتحدة وعدم فاعليتها.

في عام 1998، بعد أن فجّر تنظيم "القاعدة" سفارتَين أميركيتَين في إفريقيا، أطلق بيل كلينتون بضعة صواريخ كروز على مجموعة من الخيم الفارغة في أفغانستان. وهكذا برهنّا لهم مَن نكون.

نعم، برهنّا لهم أننا غير جادين البتة، وفَهمَ تنظيم "القاعدة" الرسالة؛ لذلك فجّر بعد سنتين المدمرة كول ونفّذ بعد سنة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

رغم ذلك، أعدّ كلينتون الموارد اللازمة ليشن حملة جوية حاسمة ضد صربيا، لم تكن هذه مجرد رسالة، بل استراتيجية عسكرية مُصمَّمة لمنع الصرب من تدمير كوسوفو، وقد نجحت.

إذا كان أوباما يخطّط لتوجيه رسالة من خلال اعتداء يدوم ثلاثة أيام سبقته تسريبات أعلمت السوريين بضرورة نقل أهم أصولهم العسكرية إلى مكان آمن، فمن الأفضل أن يواصل وقوفه مكتوف اليدين، فلمَ نواجه المخاطر الكبيرة، بما أن ضربتنا هذه لن تبدّل الوضع على الأرض؟

إذن، يُعتبر العمل العسكري الوحيد المبرَّر شنَّ هجوم يحقق هدفاً استراتيجياً، أو تنظيم حملة حاسمة غايتها تغيير ميزان القوى بتدمير تفوق النظام عسكريا، وذلك بالقضاء على قوته الجوية.

يشير الجنرال المتقاعد جاك كين إلى أن الأسد يملك ست قواعد جوية رئيسة من بين قواعده العشرين، فعلينا مهاجمتها: المدارج، والمحاربون، والمروحيات، ومخازن الوقود، وبنى القيادة القريبة. وهكذا لا تعود صالحة.

لا نحتاج إلى تدمير دفاعات سورية الجوية، كما فعلنا في ليبيا، ولكي نعطّل قدرات الأسد الجوية، يمكننا استعمال أنظمة ثابتة (مثل صواريخ كروز تُطلق من سفن قبالة الشاطئ) أو من طائرات محمّلة بذخيرة ذكية طويلة المدى لا تتطلب التحليق فوق الأراضي السورية.

لا شك أن حرمان الأسد من سيطرته المطلقة على الجو وجعل عملية استقدامه الإمدادات من إيران وروسيا أكثر صعوبة سيبدلان مسار الحرب، وهذا بالتأكيد هدف وجيه.

ولكن هل يدعمه الشعب الأميركي؟ من الطبيعي أن يسأم الشعب الأميركي الحرب ويرفض المشاركة في أي صراع، ولمَ عساه يشارك فيه؟ فخلال ثلاث سنوات، لم يحاول أوباما تحضير بلده لهذا الالتزام الخطير، فلم نسمعه يتطرق إليه في خطاب أو يحاول توضيح المخاطر المرتبطة به.

على العكس، أخبرنا أوباما السنة الماضية مراراً أن موجة الحرب بدأت تنحسر، وأعلن هذه السنة بكل فخر "ضرورة إنهاء" الحرب على الإرهاب كاملاً؛ لذلك إذا أراد إطلاق صواريخ توماهوك، يجب أن يقدّم سبباً وجيهاً لذلك، أن يطلع الشعب الأميركي عليه، وأن يحصل على دعم ممثليه في الكونغرس بالطريقة عينها التي اتبعها جورج بوش الابن في حربَي العراق وأفغانستان.

من المعيب حقاً ألا يتخذ أوباما أي خطوة في هذا الاتجاه، في حين دعا وزير الخارجية البريطاني برلمان بلاده لمناقشة توجيه ضربات جوية، علماً أن هذا البرلمان رفض أخيراً مشاركة بريطانيا في العملية.

إذا كنت ستقدم على عملية مماثلة، أيها الرئيس، فالتزم بالدستور، وتذكّر أن هذه المسألة لا ترتبط بك وبضميرك، بل باستعمال القوة الأميركية للقيام بما تنكر اليوم أنه هدف هذه الضربة: المساهمة في الإطاحة بالأسد، خصوصاً بعد أن قلت للعالم إن عليه أن يرحل.

إذا لم يكن هذا هدفك، فقد يكون من الأفضل أن تبعث للأسد برسالة نصية، صحيح أنك ستتكبد كلفة مخابرة دولية، إلا أنها تبقى أقل كلفة من ضربة لا طائل منها، تدوم ثلاثة أيام، ويملك الجميع تفاصيل عنها.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top