اكتشاف ثروة وافرة من العناصر الأرضية النادرة في أفغانستان

نشر في 20-08-2013
آخر تحديث 20-08-2013 | 00:01
قد توفر الموارد الكامنة في أراضي أفغانستان (نحاس، كوبالت، حديد، باريت، كبريت، رصاص، فضة، زنك، نيوبيوم، 1.4 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة) بصيص أمل فعلي.
 ذي أمريكان  أعدت أفغانستان حديثاً خرائط تُظهر رواسب للعناصر الأرضية النادرة التي يمكن أن تعزز الأمل في أن يحقق هذا البلد الذي مزقته الحرب السلام والازدهار.

بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب ومحاولات بناء الوطن، يتجه أعضاء "قوة المساعدة الأمنية الدولية" في أفغانستان إلى مغادرة البلد. صحيح أن الوضع الذي ستخلفه "قوة المساعدة الأمنية الدولية" وراءها هو أفضل من الوضع الذي كان قائماً هناك في عام 2001، لكن تبقى أفغانستان ساحة يجتاحها العنف والقتال. رغم ذلك، قد توفر الموارد الكامنة في أراضي أفغانستان (نحاس، كوبالت، حديد، باريت، كبريت، رصاص، فضة، زنك، نيوبيوم، 1.4 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة) بصيص أمل فعلي.

تشير تقديرات الوكالات الأميركية إلى أن قيمة رواسب أفغانستان المعدنية تصل إلى حدود التريليون دولار، بل وصفت مذكرة سرية في البنتاغون أفغانستان بـ"النسخة السعودية من حيث وفرة الليثيوم". (صحيح أن الليثيوم لا يُعتبر عنصراً أرضياً نادراً من الناحية العملية، لكنه يحقق عدداً من الأهداف نفسها).

إن غنى أفغانستان بالمعادن ليس معلومة جديدة بالضرورة، إذ رصد السوفيات رواسب معدنية في أفغانستان خلال حقبة الاحتلال التي دامت عشر سنوات، لكن الخبر الجديد يتعلق بدقة المعلومات المرتبطة بالمعادن وحجمها. استعملت في أفغانستان تقنيات تُعرف باسم "بيانات طيفية واسعة النطاق" (تكنولوجيا عالية الدقة تستعملها الطائرات التي تسمح للخبراء العسكريين والجيولوجيين الأميركيين باختراق أفغانستان ورسم صورة عن ثروتها المعدنية الهائلة). وفق جيم بوليون الذي يرأس فرقة عمل البنتاغون المعنية بنشاطات التنمية بعد الحرب، تكشف تلك الخرائط أن أفغانستان قد "تصبح رائدة عالمياً في قطاع المعادن".

ثمة مجموعة أخرى من العوامل المتوافرة اليوم وهي لم تكن موجودة خلال الحقبة السوفياتية: يرتفع الطلب على العناصر الأرضية النادرة، ويبدو الاتكال على سلسلة إمدادات العناصر الأرضية النادرة مشبوهاً، وقد تتمكن ثروة أفغانستان المعدنية من المساهمة في إعادة التماسك إلى البلد بعد عقود من الحرب.

لكن توافر ثروة معدنية لا يعني بكل بساطة أن أفغانستان ستحرص على استغلالها سريعاً، تبقى التحديات كثيرة.

مشاكل في سلسلة الإمداد

لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية العناصر الأرضية النادرة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، هي عناصر أساسية لتصنيع مجموعة من التقنيات التكنولوجية المعاصرة بما في ذلك الهواتف الخليوية، وأجهزة التلفاز، والمحركات الهجينة، ومكونات الحواسيب، وأجهزة الليزر، والبطاريات، والألياف البصرية، والموصلات الفائقة. اعتبرت نتائج مختلف المؤتمرات أن العناصر الأرضية النادرة "أساسية للأمن القومي"، وهو استنتاج منطقي. العناصر الأرضية النادرة هي مواد أساسية لإنتاج أنظمة ملاحة الدبابات، وأنظمة توجيه الصواريخ، ومحركات الطائرات النفاثة المقاتلة، وعناصر الدفاع الصاروخي، والأقمار الاصطناعية، ومعدات الاتصالات العسكرية.

لا شك أن إمدادات العناصر الأرضية النادرة وأي معادن مماثلة تُعتبر أساسية بالنسبة إلى الاقتصاد الراهن الذي يتكل على التكنولوجيا، علماً أنه يعتمد بشدة على سلسلة إمداد موثوقة. لكن الصين، أهم جهة منتجة ومزودة للعناصر الأرضية النادرة، أثبتت أنها غير موثوقة.

ينتج الصينيون 97% من العناصر الأرضية النادرة في العالم، لكنهم بدؤوا يتلاعبون بالسوق العالمية لتلك العناصر عبر إبطاء أو حتى وقف تصدير المواد أحياناً. بعد نشوب نزاع بحري مع اليابان، أوقفت الصين توفير العناصر الأرضية النادرة للعملاء اليابانيين وخفضت مجموع الصادرات العالمية بنسبة 72% في النصف الثاني من عام 2010، كما حصرت حصص التصدير في النصف الأول من عام 2011 بنسبة 35% وقلصت رخص التنقيب عن العناصر الأرضية النادرة بنسبة 41% في عام 2012 على اعتبار أن تلك الخطوات تصب في إطار جهود محاربة التلوث.

صحيح أن بكين استأنفت تسليم العناصر الأرضية النادرة، لكن دفعت تصرفات الصين بالولايات المتحدة واليابان وأوروبا إلى استكشاف مصادر بديلة. النبأ السار هو أن قوى السوق بدأت أصلاً تنوع سلسلة إمدادات العناصر الأرضية النادرة.

تستعد أستراليا لإطلاق عمليات تنقيب جديدة عن العناصر الأرضية النادرة، وقد تبدأ المناجم في البرازيل وكندا وفيتنام والولايات المتحدة بإنتاج العناصر الأرضية النادرة بحلول عام 2015. بفضل اكتشاف العناصر الأرضية النادرة، من المتوقع أيضا أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي في منغوليا بثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر المقبلة.

استعمال أوراق الضغط الفاعلة

قد تكون أفغانستان جزءاً من الحل لتجنب مشكلة توفير العناصر الأرضية النادرة على المدى الطويل، لكن بناء نظام تنقيب عن العناصر الأرضية النادرة من الصفر في أحد أكثر البلدان انهياراً في العالم لن يحصل بين ليلة وضحاها.

لا يزال الفساد عائقا أساسيا ولا وجود للأمن والاستقرار، وتبقى العوامل التي تشجع الاستثمارات الخارجية (حكم القانون، الرأسمال البشري، البنى التحتية) شحيحة. على سبيل المثال، يعيق الخلل السياسي الجهود الرامية إلى بناء خطوط سكك حديد تُعتبر أساسية لنقل ثروة أفغانستان المعدنية.

لكن ما تفتقر إليه أفغانستان على مستوى البنى التحتية تعوض عنه الثروات الأرضية النادرة، هذا ما يفسر استعداد بعض الحكومات للتغاضي عن عوائق التنمية، ولا شك أن تلك العوائق كبيرة وستتطلب إزالتها التزاما داخل أفغانستان بتبني مبدأ الحرية الاقتصادية، لكن من الواضح أن أسس ذلك المبدأ (الخيار الشخصي، والتبادل الطوعي، وحرية دخول الأسواق والمنافسة فيها، وحقوق الملكية) لم تترسخ بالكامل بعد.

تريد بكين بناء ما تسميه وزارة الطاقة "مخازن ضخمة" من العناصر الأرضية النادرة، وهي تتوق إلى تطوير ثروة معدنية في أفغانستان. فازت الصين بحقوق استكشاف رواسب النحاس والفحم والنفط والليثيوم في أنحاء أفغانستان، وقد نُشرت تقارير مفادها أن بكين فازت بحقوق تطوير منجم للنحاس عبر تقديم الرشى للمسؤولين الأفغان في قطاع التنقيب.

تستطيع الصين أداء دور مهم وبناء في أفغانستان حتماً. يمكن تعزيز التنمية في أفغانستان عبر الاستثمارات الخارجية وتملك بكين الموارد اللازمة للقيام باستثمارات مهمة في مستقبل أفغانستان، لكن نظراً إلى إحكام قبضة الصين على سوق العناصر الأرضية النادرة (والتزام الغرب بشرياً ومادياً في مستقبل أفغانستان)، سيكون السماح للصين بجمع الثروات الأرضية النادرة بكل سهولة في أفغانستان أمراً متهوراً وغير عادل. يجب أن تستعمل دول "قوة المساعدة الأمنية الدولية" قبل انسحابها أوراق ضغط فاعلة، لا لعقد صفقات تفيد المستثمرين والمتعهدين الغربيين، بل لضمان منافسة متساوية بين الشركات المستعدة لأخذ المجازفة من أجل تطوير ثروة أفغانستان المعدنية.

نعمة أم نقمة؟

يحذر بعض المراقبين من أن فتح قطاع التنقيب في أفغانستان قد يجعل البلد ضحية ما يُسمى "لعنة الموارد" (أي المفهوم القائل إن ثروة الموارد الطبيعية قد تعيق النمو الاقتصادي عبر حرمان قطاعات أخرى من الاستثمارات والتشجيع على زيادة مستوى الإنفاق الحكومي).

ثمة طريقتان للرد على المتشائمين الذين يركزون على مفهوم "لعنة الموارد": أولاً، من الناحية العملية، سيكون العالم محظوظاً جداً إذا تحولت لعنة الموارد إلى أبرز موضوع يشغل أفغانستان، ذلك البلد الذي تحمل وسبب مشاكل كثيرة.

ثانياً، ربما يبالغ البعض في التركيز على لعنة الموارد. استنتج تقرير من "معهد فريزر" أن الدراسات السابقة حول لعنة الموارد "أغفلت دور المؤسسات الاقتصادية والتفاعل المحتمل بين الموارد الطبيعية ونوعية المؤسسات، فتكون الدول التي تشمل مؤسسات اقتصادية عالية الجودة أكثر قدرة على إدارة عائدات الموارد". لا شك أن تلك المؤسسات لا تزال حديثة العهد في أفغانستان، لكن هذا الواقع يشدد على أهمية تبني سياسات موجهة نحو الحرية الاقتصادية.

يذكر ستيفن هابر وفيكتور مينالدو، عالمان سياسيان متخصصان في الأبحاث المرتبطة بازدهار قطاع المعادن، أن "عدد البلدان التي شهدت ازدهاراً بفضل توافر الموارد هو ضعف عدد البلدان التي تدهور وضعها بسبب تلك الموارد". هما يتحدثان عن هشاشة البنى التحتية وتوسع ظاهرة الأمية وضعف الحكومة المركزية بسبب انتشار الفوضى ويعتبران أن "المكسيك لم تكن مختلفة جداً عن أفغانستان قبل ازدهار قطاع النفط والمعادن في أواخر القرن التاسع عشر".

لكن لم تساهم اكتشافات النفط والمعادن في معالجة جميع شوائب المكسيك طبعاً. حتى هذا اليوم، تواجه المكسيك المشاكل بسبب استفحال الفساد، وهي تحل في المرتبة 105 من أصل 176 دولة على لائحة "مؤشر الفساد العالمي"، لكن ساهمت ثروة الموارد الطبيعية في استقرار النظام السياسي المكسيكي وتشريع الدولة.

كذلك، تتعدد التحديات التي تمنعنا من اعتبار العناصر الأرضية النادرة العلاج الشافي لمشاكل أفغانستان. يرتفع منسوب الفساد السياسي في كابول، وسيبقى البعد الجغرافي لأفغانستان عائقاً دائماً، ومن المعروف أن جيران أفغانستان شرقا وغربا "مزعجون" على أقل تقدير، لكن إذا ترسخ هناك ما يشبه نموذج المكسيك، فقد يساهم العالم في حل مشكلة عدم الاستقرار في أفغانستان، وقد تساعد أفغانستان العالم في المقابل على حل مشكلة إمدادات العناصر الأرضية النادرة.

back to top