«الربيع العربي» وبعض الأنظمة العربية

نشر في 15-10-2013
آخر تحديث 15-10-2013 | 00:01
رسالة «الربيع العربي»، كانت تقول للأنظمة العربية بكل بساطة، وبلسان عربي مُبين:
إما أن تعدِلوا، وإما أن تُعزَلوا، كما سبق أن قلنا.
وبذا، كفى الله العرب شرَّ مواسم أخرى!
 د. شاكر النابلسي -1-

فهمت بعض الأنظمة العربية الذكية فحوى رسالة "الربيع العربي" منذ 2010، فقامت ببحث الطرق الكفيلة لتعديل مناهج التعليم لديها بما تتطلبه أسواق العمل المحلية، وبما يتماشى مع أخلاقيات المجتمعات المدنية المتحضرة، من حيث نفي وإلغاء كراهية الآخر، والتفكير فيما يقوم به، وليس تكفير ما يُقدم عليه، ورغم معارضة المؤسسات الدينية والأحزاب الدينية التي ترى في بقاء المناهج القديمة التدميرية سرّ بقائها ومكمن قوتها، فإن بعض الأنظمة العربية الذكية حفاظاً على الرؤوس ومنعاً لضربات الفؤوس، أصرت على إجراء تغيير في مناهج التعليم، وتعديلها بما يضمن استمرار العهد، وعدم انفجار السد.

-2-

الأنظمة العربية الذكية التي فهمت فحوى رسالة "الربيع العربي"، قامت كذلك، بتشكيل لجان ومنتديات ومنظمات لحقوق الإنسان. وكانت مثل هذه الإجراءات هي الأولى في تاريخ هذه الأنظمة منذ عهد بعيد حتى اليوم. ودعت منظمات حقوق الإنسان إلى زيارة بلدانها والاطلاع على كيفية معاملة المساجين السياسيين، وكيف أنها تطعمهم "السمن والعسل"، وليس العدس المسوّس وتبن الحيوانات، وأنها تحتفظ بهم في زنزانات معقولة، وليس في الجُب الذي أُلقي فيه سيدنا يوسف أو في آبار مهجورة، وأنها لا تعذبهم، ولا تسلط عليهم كلاب "الجيرمان شيبرد" ليفعلوا بهم ما يفعل الرجال بالنساء، ولا تقتلهم بنقعهم في الأسيد كما قُتل شهدي عطية وفرج الله الحلو في مصر وسورية في عهد المد الثوري والقومي والوحدة العربية، ولا تُعلّق لمفكريهم المشانق كما تمَّ مع سيد قطب في مصر، ومحمود محمد طه في عهد النميري، الذي نصّبه حسن الترابي "أميراً للمؤمنين"!

-3-

الأنظمة العربية التي لم تفهم فحوى رسالة "الربيع العربي"، تعالت، واستكبرت، وحامت، وحاورت، ودارت حول الرسالة، وطلبت ترجمة قومية ودينية واضحة لها، وطلبت ردها إلى الأصول والتراث، كما طلبت تفسيراً لبعض فقراتها بلغة قريش، وهي المُعلّمة والعالمة، والبلبل الصدّاح في مؤتمرات القمة واجتماعات الجامعة العربية (مقهى الأنس العربي، واتفرج يا سلام) ولكنها كسابق عهدها، أرادت أن تكون العاصية المُستعصية، العالية المُتعالية، والكبيرة المُستكبرة، فحلَّ عليها الحساب والعقاب، وباءت بغضب من أرباب الأرض، وباتت تقف عارية على سطح صفيح ساخن، تتلظى، وتنتظر ماذا يمكن أن يأتيها من عقاب الأرباب، وفزعة الأصحاب، ووساطة الأحباب، الذين أصبحوا لا يملكون من أمرهم شيئاً، وأن الأمر أصبح لأولياء الأمر، الذين أحدثوا "الربيع العربي"، ولم يعد في الأمر محاججة.

فرسالة "الربيع العربي"، كانت تقول للأنظمة العربية بكل بساطة، وبلسان عربي مُبين:

إما أن تعدِلوا، وإما أن تُعزَلوا.

كما سبق أن قلنا.

وبذا، كفى الله العرب شرَّ مواسم أخرى!

-4-

إذا كان "الربيع العربي"، قد أنهى تأريخاً للعرب وبدأ بتأريخ جديد، بحيث أصبح التأريخ العربي في القرن الحادي والعشرين يُؤرخ ما قبل "الربيع العربي" وما بعده، ليس لأن عاصمة عربية كتونس ثارت وخلعت حاكمها في 2010/2011. فبعض العواصم قبل تونس في القرن العشرين وقبل القرن العشرين ثارت وخلعت حكامها، فلم يكن لها الأثر الذي ظهر بعد "الربيع العربي"، وذلك للأسباب التالية:

1- أن الثورات السابقة، لم تكن قد قامت لكي تحرر شعباً من حكامه الطغاة الذين قتلوه، ونهبوا ثرواته.

2- أن الثورات السابقة، كانت تقوم في بعض أجزاء من العالم بحجة أنها تلقت أمراً من السماء بذلك، كما قال تيمورلنك في دمشق عام 1401م رداً على ترحيب المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون بمقدم تيمورلنك، باعتباره سلطان العالم، وملك الدنيا، كما قال له ابن خلدون في ذلك الوقت.

3- أن الثورات السابقة نشبت في أجزاء من العالم العربي بحجة المحافظة على الإسلام، وتنفيذ أوامره، كما فعل العثمانيون في عام 1517 عندما دخل السلطان سليم الأول غازياً سورية ومصر، ودخل حلب، وصلى صلاة الجمعة، فاستقبل الغازي بالمصاحف المرفوعة والتسبيح والتكبير، ووقف الخطيب يبلغ الغازي، من أن غزوه للشام إنما هو أمر من الله وقاله له: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"، كما ذكر محمد كرد علي في (خطط الشام، ص211).

4- أن الثورات السابقة قد قامت في أجزاء من العالم العربي لاستنزاف ثرواته كما تم في الجزائر عام 1832، وكما تم في بقية أنحاء المغرب العربي في 1912 وفي سورية ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى، وكما فعل البريطانيون في مصر 1882 والعراق بعد الحرب العالمية الأولى وفلسطين والأردن والخليج العربي.

في حين أن جانباً من "الربيع العربي" جاء للإطاحة بالنظام الدكتاتوري القائم، لأن العرب لم يكونوا ليقبلوا إطلاقاً من أميركا وبريطانيا منذ البداية، أن تأتيا للإطاحة بنظام عربي حتى لو جلد هذا النظام ظهور مواطنيه وسرق مالهم، وذلك تصديقاً للحديث النبوي الضعيف الذي تردده بعض المؤسسات الدينية العربية الرسمية في بعض الدول العربية، والقائل:

"أطع حاكمك ولو جلد ظهرك وسرق مالك".

فلماذا تم اختيار النظام التونسي؟ ولماذا كانت القرعة على إسقاط الصنم التونسي، وليس إسقاط أصنام وهم كبرى كثيرة غيره في العالم العربي؟

ربما، كانت هناك مبررات أولية، لإسقاط هذا النظام أولاً.

* كاتب أردني

back to top