«النص والخطاب والحياة» لفالح العجمي... القرآن في زمانه

نشر في 15-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 15-03-2013 | 00:01
No Image Caption
في كتابه الجديد «النص والخطاب والحياة» الصادر عن دار «جداول»، يلفت المؤلف فالح شبيب العجمي إلى أن القرآن لم يحظ بدراسات مستقلة وعميقة وفاحصة في جزئياته وظروف نشأته، رغم أن قيمته لا تعلو عليها قيمة أخرى، ولا يقل أثره في حياة الشرق العربي الفكرية منذ 14 قرناً عن أثر الهواء في حياة الإنسان البيولوجية.
يذكر المؤلف فالح شبيب العجمي أن الدراسات العربية لم تتناول مقومات الخطاب القرآني على الإطلاق، حتى بعدما اتسعت مجالات الدرس التداولي، وتعددت مناحي طرق تحليل الخطاب بشتى أنواعه. ذهبت تلك الدراسات في كل اتجاه، تدرس أنواعاً من النصوص الأدبية وأبعادها الاجتماعية والنفسية، ولم يعرج أي منها على القرآن، إلا إذا كان يهدف إلى قول مقرر سلفاً، أن القرآن معجز وفريد من نوعه، ولا يتماس مع أي من أنواع الخطابات الأخرى.

ما الذي يمثله القرآن بالنسبة إلى عرب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده؟ وما أبعاد تداخله مع النصوص الدينية الأخرى التي سبقته، والتي تمثل مدونات مقدسة لأمم عاشت في المنطقة السامية نفسها، وعاصر بعضها حياة العرب مع مبعث النبي وتوالي آيات القرآن، واكتمال المصحف؟ مثل هذه الأسئلة يتناولها كتابه «النص والخطاب والحياة» بطريقة موضوعية وسهلة للقارئ.

ويرى العجمي أنه في إطار مضمون النص القرآني التبست على الدارسين المؤدلجين قضايا المضامين الفنية (ذات الطقوس الدينية والمصطلحات المرجعية) مع القضايا التاريخية البحتة، التي تدون أحداثاً جرت، أو تشير إلى مرجعية شخصية أو مكانية محددة. وقد أنتج ذلك الخلط إرباكاً شديداً في تماسك النصوص المتوالية ذات المرجعيات المختلفة، مع عدم الاهتمام أيضاً بقضية احتمال خلل الترتيب وتموقع بعض النصوص في غير سياقاتها الطبيعية.

ويضيف الكاتب أنه في ما يخص التفريق بين سور القرآن المختلفة تبعاً لفتراتها الزمنية، المرتبطة بأوضاع مختلفة للمسلمين، وقياداتهم، وضروراتهم الدنيوية والتشريعية، فلم يعرها الأقدمون بالاً إلا من خلال إشارات عابرة بكون هذه السورة أو تلك، أو بعض آياتها مكية أو مدنية. لم يفكر الأقدمون ولا المعاصرون في ما يمكن أن يعنيه تغير المكان والجمهور المتلقي والزمن المتغير، في دلالات النص وظروفه التداولية.

ويشير العجمي إلى أن ما يعترف به كثير من الدارسين هو أن للقرآن أثراً كبيراً في لغة العرب، وفي طرق تفكيرهم. مع ذلك كله، قلما نجد دراسات تتعمق في ذلك الأثر، إلا في ما يخص انتشار الألفاظ القرآنية في الأدب خلال الحقبة الإسلامية، ومدى تأثير ذلك في قوة الشعر أو ضعفه على وجه الخصوص. ومن الطبيعي أن طرق تناول القرآن لقضايا الحياة المختلفة غير محببة في أدبيات الدراسات الدينية المرتبطة بالقرآن. لكن الدراسات اللغوية والفلسفية المتعلقة بتلك الأبعاد غائبة أيضاً في محيط البحث العربي، لما يكتنفها من تأويلات وصعوبات لاحقة للباحثين. فضلاً عن أن التفريق بين القرآن والمصحف غير ذي بال في مخيلة من لا يرون في تحولات الآيات والسور في صيغتها الشفوية إلى تلك المدونة المتكاملة المقدسة في صيغتها المكتوبة والمحفوظة بين دفتي كتاب أي قيمة دلالية ومقاصد تواصلية.

وفي الوقت نفسه، لا يفرق كثير من الدارسين المحدثين بين القرآن بوصفه نصاً، وبين أي من آياته بوصفها خطاباً، لأن القيمة التأويلية والدلالية بقيت في إطار المفاهيم المعجمية والحرفية للكلمات بوصفها بنى لغوية، يسقط عليها ما تراه ثلة من المفسرين الأوائل الذين أصبح خطابهم بديلاً للخطاب القرآني المنسي.

تاريخ البشرية

يؤكد العجمي أن كثيراً من دارسي القرآن يغفلون عن أنه كتاب جدلي، يتفاعل مع ما قبله من الكتب الدينية أو العلمية والوقائع التاريخية، وما ينتشر من أفكار بيئته عن رموز التاريخ القريب المباشر وأحداثه التي تقع في تماس مع الفترة الإسلامية، أو تلك التي تؤثر في تاريخ البشرية من أفكار رائجة، كأفكار أرسطو ونصائحه إلى الاسكندر، كذلك تاريخ المصريين والبابليين وغيرهم. فقد كان القرآن معنياً، بالدرجة الأولى، بالجدل مع الأفكار والفلسفات التي كانت سائدة في المنطقة. حيث أبدى موقفاً من كل مبدأ أو دين أو فلسفة خالفها (كلياً أو جزئياً)، لذا فإنه يجب البحث عن القاعدة التي ينطلق منها القرآن في كل فكرة جدلية، مع استبعاد الآيات القصصية، وعدم التركيز على الشروحات أو أسباب النزول التي يذكرها بعض المفسرين.

في القرآن يوجد نوعان من المضامين، أحدهما له جانب غير مرتبط بزمن معين، والآخر مما يتعلق بمصادفات محددة زمنياً. أما تلك المطلقة، فهي المرتبطة بأمور الآخرة، وهي الجوهرية في خطاب القرآن. وتتضمن القوانين العامة المتمثلة في الإشارات إلى قصص الشعوب التي اقترفت ذنوباً مهلكة، بأن بلغت أمر ربها، ولم تتبع ذلك الأمر، فاستحقت العقاب. كذلك الأمر في قضايا التجانس الكوني، ووسائل البرهان على وجود الرب، وصحة تلك التعاليم الدينية التي تصدر في الكتب المقدسة.

كذلك يعتقد العجمي أن القرآن لو قرئ بتجرد وموضوعية، فإنه من دون شك سيضيف إلى المعرفة بجذور الفكرة الإسلامية، أكثر مما تصنعه دراسات المنتج الإسلامي (أحوال المسلمين قديماً وحديثاً). ويُشترط في تلك القراءة أن تُعنى بتحليل الأبنية الشكلية، وتصور الحقول الدلالية للكلمات والعبارات القرآنية ذات الأبعاد التأويلية المتعددة، وذلك لأجل الاهتداء إلى الأفكار الجوهرية التي فهمت في كل عصر، ولدى كل فئة بطريقة تجعل المضمون المبتغى لدى المؤول قابلاً أن يستنبط من الشكل الظاهر في نص القرآن، من دون أن تنشأ عن تلك الأفكار صورة نهائية متكاملة.

أفكار جدلية

من هذه الدراسة يتضح لنا أن القرآن يحتوي في جوهره على فكرتين مركزيتين، تنطلق منهما أفكاره. ويمثل هذا الجوهر، الذي يشكل وحدة القرآن النصية، في فكرتين رئيستين، تتعلق إحداهما بالوجود الرباني والعلاقة المفترضة به، والأخرى بالإنسان نفسه وطبيعة وجوده، وهما: فكرة التوحيد وفطرة الإنسان.

يفيد المؤلف بأن غالبية كلمات القرآن كانت عربية، وتراكيبه أيضاً، وهذا يعني بأن له صلة وثيقة بنصوص اللغة العربية السابقة لوجوده (من شعر ونثر). مع ذلك فإن المعجم القرآني لا يتفق مع كثير من نصوص العربية السابقة أو اللاحقة في حدود الدوال، أو ضيق وسعة الاستخدام. فبالنظر إلى بعض الكلمات المفتاحية يمكن استنطاق الطابع الدلالي الذي أضفاه القرآن (بعد كتابته) على مفردات عربية، كانت تستخدم في حقول دلالية مختلفة عما انتقلت إليه، ومن تلك المفردات: التقوى، الفطرة، والتزكي.

back to top