الضربة السورية مسألة تقدمية أخلاقية

نشر في 08-09-2013
آخر تحديث 08-09-2013 | 00:01
لا تحتاج الولايات المتحدة إلى أدلة إضافية لترى أن بشار الأسد، بعد أن أدرك أن الرصاص والقذائف والاغتصاب والتعذيب لن تحقق ما يرجوه، لجأ إلى غاز الأعصاب كي يقتل مئات الأولاد في بلده.
 بوليتيكو    أكره المفهوم القائل إن ثمة «معايير» للحرب... يجب ألا يرضى الأميركيون أو حتى المجتمع الدولي باستخدام الأسلحة الكيماوية المريع والعبثي لقتل المدنيين، فقد اعتُبر حظر استخدام الأسلحة الكيماوية من أبرز الانتصارات الدولية التقدمية الكبيرة خلال القرن العشرين، ولا شك أن هذا الاتفاق الهش سيفقد معناه إن لم يُطبَّق.

بشار الأسد شرّ، ولا أحتاج إلى محققي الأمم المتحدة ليؤكدوا لي أنه قام بحسابات بشعة، وقرر قتل شعبه الخاص ما دام أن المجتمع الدولي يسمح له بذلك، كذلك لا تحتاج الولايات المتحدة إلى أدلة إضافية لترى أنه، بعد أن أدرك أن الرصاص والقذائف والاغتصاب والتعذيب لن تحقق ما يرجوه، لجأ إلى غاز الأعصاب كي يقتل مئات الأولاد في بلده.

نعم، ثمة أسئلة مهمة عما إذا كان يجب أن نتدخل وكيف، ويطرح هذه الأسئلة التقدميون حول العالم، ففي بريطانيا، ألقت حرب كارثية (العراق) شُنت على أسس خاطئة بظلها على المناقشة وأدت إلى فوز أبطال اليسار الذين يرفضون التدخل في سورية، أمثال إيد ميليباند.

ولكن يجب ألا نستمد خلاصات مغلوطة من أخطاء العراق، كما ذكر صديقي بول بيغالا مستشهداً بأقوال مارك توين، أدرك أن «الهرة التي تجلس على موقد ساخن لا تعاود الجلوس عليه مجدداً. لكنها ترفض الجلوس على موقد بارد أيضاً».

تختلف سورية كل الاختلاف عن العراق، ولا شك أن باراك أوباما بعيد كل البعد عن جورج بوش الابن، ويعاني الرئيس والجيش الذي يقوده والجيل الجديد من الأميركيين الذين فقدوا أحباء لهم في العراق تداعيات تلك الحرب كل يوم من حياتهم.

كان الرئيس مصيباً في رأيه بشأن العراق، سواء في معارضته لتلك الحرب أو سعيه إلى إنهائها بعيد انتخابه، كذلك كان محقاً بشأن أفغانستان، بدءاً من الاستراتيجية المنطقية التي رسمها لتلك الحرب وصولاً إلى عمله على إنهائها تدريجياً، وأصاب أيضاً بشأن أسامة بن لادن، ولا شك أن قراره في هذا المجال جعل العالم أكثر أماناً. لكن الأميركيين لا يعتبرون العراق سبباً لرفض العمل العسكري، بل سبباً لندرك أن قائدنا الأعلى ما زال يملك الآراء ذاتها التي أوصلته إلى سدة الرئاسة.

ثمة درس تاريخي آخر نستمده من العراق أيضاً، ففي عام 1983، استخدم صدام حسين الأسلحة الكيماوية ضد إيران، وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت على علم بذلك، إلا أنها لم تحرّك ساكناً، وبعد خمس سنوات، استعمل صدام حسين الأسلحة الكيماوية ضد شعبه الخاص، قاتلاً رجالاً ونساءً وأولاداً عراقيين.

وإذا قررنا عدم اتخاذ أي خطوات في سورية، يجب ألا نسأل عما إذا كانت الأسلحة الكيماوية ستُستخدم مجدداً، بل متى ستُستعمل؟

لا ضرورة لأن يكون هدف حملة القصف المركّز قلب موازين القوى في هذه الحرب، ولا داعي لأن يكون هدفها الإطاحة بالأسد. يجب أن تكون ضربة مباشرة، تماماً كما ذكر الرئيس خلال خطابة في حديقة الورود في البيت الأبيض الأسبوع الماضي: علينا أن «نحاسب نظام الأسد على استخدامه الأسلحة الكيماوية، نردع هذا النوع من السلوك، ونحد من قدرته على تكراره».

يجب أن يولي التقدميون فرض حظر على استخدام الأسلحة الكيماوية كل اهتمامهم ودعمهم، فهذه خطوة حارب في سبيلها أسلافنا المفكرون لأنها كانت بالغة الأهمية قبل قرن، ولا تزال كذلك اليوم.

أعي أن هذه مناظرة سياسية، وأنه ما من قرار أمام الكونغرس لا يرتبط بآراء الناخبين، فهذه هي السياسة.

لكن أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ يحظون بامتياز ومسؤولية تمثيل الناخبين الذين يأملون أن يتخذ ممثلوهم القرارات الصائبة، حتى لو تحظى دوماً بشعبية سياسية.

ولا شك أن التأكيد للعالم أن الولايات المتحدة لن تقبل باستخدام الأسلحة الكيماوية، خصوصاً ضد الأولاد، يضعنا في موقع جيد في خط التاريخ البشري، بغض النظر عن الأرقام والاستطلاعات والشعبية.

تفاديت النظر إلى صور الأولاد الذين قتلوا في سورية طوال أكثر من أسبوع بعد الاعتداء، فلدي ابن رائع في الثانية من عمره، وصرت أنظر اليوم إلى الجرائم التي تُرتكب بحق الأولاد بطريقة مختلفة عما كنت أظنه قبل ولادته.

عندما تجرأت أخيراً على النظر إليها، شعرت أن بعض الصور أشد فظاعة وقسوة وإيلاماً مما تخيلت، لكن بعضها الآخر، مثل الصورة التي ظهرت على الصفحة الأولى من The Guardian، بدت هادئة على نحو مخيف.

تذكرتُ في الحال دار حضانة ابني عندما يحين موعد القيلولة،

لم يتعرض الأولاد لأي إصابات واضحة، لكنهم كانوا ممددين بلا حراك على الأرض، وقد خلت وجوههم من أي تعبير؛ تماماً كما يفعل ابني الصغير كل يوم بعد تناول وجبة الغداء في غرفة مليئة بزملاء صفه.

لكن الاختلاف المأساوي يبقى أن الأولاد السوريين، بعد الموت العنيف والموجع الذي عانوه، لن يستيقظوا من نومهم وهم فرحون أو غاضبون، نشيطون أو نعسون، ليمرحوا ويركضوا من دون أي هم أو قلق، لن يستيقظ أبناء سورية وبناتها الأخيار هؤلاء مجدداً، بعد أن سُلبوا أرواحهم في جريمة ضد الإنسانية.

إن كان للتقدمية أي معنى، فهو الوقوف في وجه الإساءة إلى الضعفاء بقوة الأقوياء. هذا ما نادى به بوبي كينيدي، وهذا ما طبع كل يوم من حياة بول ولستون خلال خدمته بلاده، بما فيها اليوم الذي دعم فيه تنفيذ ضربات جوية في كوسوفو، وهذا ما أيده الرئيس أوباما عندما قال أخيراً إننا لن نقبل بذبح الأبرياء أمام أعيننا ونحن القوة العظمى في العالم، لن نرضى بقتل الرجال والنساء وأصغر المواطنين في عالمنا دون أي تمييز وبأسوأ الأسلحة قاطبة.

لا تقتصر الأسباب التي تدعو إلى التحرك على واقع أن الأسد شر أو أنه استهدف شعبه، فمن واجبنا أن نعاقبه لاستخدامه أسلحة كيماوية، وإن أخفقنا في ذلك، فسيدفع المزيد من الأبرياء الثمن الباهظ ذاته.

تقع على الولايات المتحدة مسؤولية الرد على هجمات الأسد بالأسلحة الكيماوية، وبالنسبة إلى التقدميين، هذه الحرب حربنا.

Bill Burton

back to top