عندما يتذكر القلب وتسقط الدمعة!

نشر في 12-01-2013
آخر تحديث 12-01-2013 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح انتقل إلى رحمة الله تعالى منذ أيام معدودة المرحوم "توفيق مبارك فهد العويس"، وقد لا يكون الاسم معروفاً للجميع لأنه لم يكن وزيراً أو قيادياً ولم يعمل تاجراً أو سياسياً، ولكن كل من عرفه عن قرب حق المعرفة وتعامل معه بشكل مباشر أدرك أنه كان رجلاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ سامية.

 الرجولة عند العرب ليست القوة الجسدية والمقدرة الفروسية، لكن الرجولة هي صفات الشهامة والشجاعة والصدق والأمانة ونصرة المظلوم ومساعدة المحتاج، إنها صفات إنسانية عظيمة لكنها مع الأسف أصبحت عملة نادرة في هذا الزمن المظلم.

تعرفت على توفيق أول مرة عندما أصدر الشيخ سالم صباح السالم الصباح رحمه الله، وقد كان في ذلك الوقت وزيراً لـ"الدفاع"، قراراً وزارياً بتعييني رئيساً لهيئة الخدمات الطبية في وزارة الدفاع، وكان توفيق رئيساً للمكتب القانوني في الهيئة.

كان واضحا عليه منذ البداية الأدب في التعامل واللباقة في الحديث والمعرفة والخبرة في مجال القانون، لكن ما لفت انتباهي أولاً الشجاعة في إبداء الرأي القانوني والحرص على نصرة المظلوم ومساعدة المحتاج.

كان لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يجامل شخصاً أياً كان طمعاً في منفعة أو حرصاً على مصلحة، ولم يكن يفرق بين شخص أو آخر بناءً على جنسيته أو دينه أو منصبه أو ماله ووضعه الاجتماعي. ومرت الشهور والسنين واحترامي لتوفيق وتقديري له يزدادان مع الأيام، وبالذات عندما عرفت مدى إخلاصه وتفانيه في خدمة ورعاية والديه وأقربائه.

في هذه الحياة الدنيا يمر علينا أشخاص وأشخاص، لكن من يترك منهم أثراً باقياً في النفس قليلٌ جداً، وأثر هؤلاء يكون نتيجة الأخلاق العالية والأعمال السامية، وهذا هو العزاء عندما نتذكر مثل هؤلاء الرائعين، حيث إن الحزن على فقدهم تخففه الفرحة عندما ندرك أن الأعمال الصالحة هي الباقية، وأن الجزاء في الحياة الآخرة يكون على قدر العمل في هذه الحياة الفانية.

تقول الآية الكريمة: " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". (الأنعام- 122).

هناك الكثير من الذكريات الجميلة التى تذكرني بتوفيق رحمه الله ولعل أجملها تلك الأوقات التي كان الحديث فيها ليس عن العمل وهمومه ولكن عن الثقافة والأدب بأنواعه وبالذات الشعر الذي كان يحبه كثيراً ويحفظ منه العديد من الأبيات ذات المعاني الجميلة والحكم العظيمة.

وبمناسبة الحديث عن الشعر، يقول أبو تمام:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه

على طبقات الجو وهو وضيع

لقد كان "بو عيسى" رحمه الله بحق نجماً ولم يكن دخاناً!

back to top